الحرائق تكشف عنصرية إسرائيل: هستيريا فتاوى وخشية انتقام للنكبة

الحرائق تكشف عنصرية إسرائيل: هستيريا فتاوى وخشية انتقام للنكبة

26 نوفمبر 2016
الحرائق اجتاحت الأراضي الفلسطينية المحتلة (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت موجة الحرائق التي تجتاح مناطق مختلفة في "إسرائيل"، والتي طاولت بعض المساحات في الضفة الغربية المحتلة، عن تأصل العنصرية في نفوس المؤسسة والقيادات الإسرائيلية التي سارعت إلى وضع الفلسطينيين في قفص الاتهام، متجاهلة أنهم وقعوا هم أيضاً ضحية لهذه الحرائق. وقبل أن تتضح الحقيقة بشأن أسباب اشتعال النيران بكثافة، لوح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأنه من المحتمل أن تكون هذه الحرائق حصلت "بفعل فاعل"، في إشارة إلى الفلسطينيين.

ومع نشر وبث تصريح نتنياهو، دخلت إسرائيل في سباق شارك فيه مختلف وزراء الحكومة، وانضم إليه الإعلام الإسرائيلي، خلال ساعات، ليتم الادعاء بأن التقديرات تشير إلى أن 50 بالمائة من الحرائق جاءت بفعل فاعل. ثم برزت تصريحات لمسؤولين في سلطة الإطفائية تؤكد أن الحريق في حيفا قُصِدَ له أن يبدأ قرب محطة الإطفائية لتعطيل عملها.

وبعدما أعلن وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، زعيم حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، أن من يحب البلاد لا يضرم النار فيها، في ما يعكس تحريضاً عنصرياً مبطناً، سارع وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، إلى التلويح باستخدام قبضة حديدية ضد كل من يثبت ضلوعه بإضرام النيران، والتعهد بسن قانون يجيز مصادرة أملاكه للتعويض على الإسرائيليين الذين خسروا بيوتهم.

وفيما كانت ألسنة النار ترتفع في حيفا، بالتزامن مع حرائق اجتاحت بلدات عربية مختلفة في الداخل الفلسطيني، تجاهل الإعلام الإسرائيلي هذه الحقائق، بل قام بتشويهها، عندما أعلنت القناتان الثانية والعاشرة أن الحرائق التي طاولت قريتي ساجو ونحف، هي حرائق مفتعلة تحاصر مدينة كرميئيل التي أقيمت أصلاً على أراضي هذه القرى. كما تم تجاهل اشتعال الحرائق في مدينة أم الفحم، وعلى أطراف كفر قرع وقرى زيمر في المثلث، ناهيك عن الحرائق قرب سخنين، مع تجاهل مطلق لدعوات صدرت عن رؤساء سلطات محلية عربية، وعن الحركة الإسلامية الجنوبية في الداخل، للإعلان عن استعدادها لإيواء من احترقت بيوتهم سواء كانوا من اليهود أم من العرب.

لكن دينامية العنصرية وخوف نتنياهو من أن يسبقه اليمين في التحريض على العرب، دفعا برئيس حكومة الاحتلال إلى التصعيد من لهجته، ليعلن يوم الأربعاء ثم يوم الخميس، في مؤتمرين صحافيين متتابعين، أن ما يحدث هو حالة من "إرهاب الحرائق". وسرعان ما استخدم الموقعان الإسرائيليان، "معاريف" و"يديعوت أحرونوت"، نفس المصطلح، في مشهد يعكس وجود استنفار في إسرائيل من أجل تحميل الفلسطينيين مسؤولية اشتعال النيران باعتبارها التفسير المعتمد في "إسرائيل"، على الرغم من محاولة جهات مهنية إبداء تحفظ محدود للغاية في هذا الشأن.


وفي هذا السياق، برز تصريح المفتش العام للشرطة، روني الشيخ، بعيد تصريحات نتنياهو. وقال الشيخ إن هناك تقديرات تشير إلى أن جزءاً لا يستهان به من الحرائق قد اشتعل بفعل فاعل، وإن كانت الحرائق اندلعت بداية بفعل إهمال متنزهين، وبفعل الأحوال الجوية. وانصبت جهود الشرطة وأجهزة الإطفائية الإسرائيلية في اليومين الماضيين، على السعي لتكريس فرضية افتعال الحرائق، عندما كرر ناطقون من حين لآخر، أن هناك أسساً ميدانية تدعم فرضية كون الحرائق مفتعلة. لكن لم يجر تحديد نسبة الحوادث المفتعلة من الحرائق التي هبت بفعل أحوال الطقس وإهمال المتنزهين، لا سيما في منطقة جبال القدس. ومع ذلك، قال قائد قوات الإطفائية في منطقة الساحل، شموليك فريمان، إن الأدلة الأولية تشير، في كل من حيفا وزخرون يعقوب، على سفوح الكرمل، إلى أن الحرائق مفتعلة وذات خلفية قومية، بحسب تعبيره.

في المقابل، وصل الهوس العنصري في إسرائيل، وبالاستناد إلى تصريحات نتنياهو، إلى إصدار فتاوى يهودية تجيز إطلاق النار على "مضرمي النيران من العرب" ولو كلف ذلك انتهاك حرمة السبت. في هذا الصدد، أفتى حاخام مدينة صفد، الحاخام شموئيل إليها، بجواز بل بوجوب انتهاك حرمة السبت وإطلاق النار على مضرمي النيران في حال اقتضت الضرورة ذلك. ولم يخف الحاخام المعروف بمواقفه العنصرية والفاشية، لا سيما تلك الداعية إلى منع تأجير البيوت للعرب، أنه استقى موقفه هذا أيضاً من تصريحات نتنياهو. وقد كتب في تعليل فتواه يقول: "لقد عرّف رئيس الحكومة عمليات إشعال الحرائق بأنها إرهاب. ووصف أحد قادة جهاز الشاباك (الأمن العام) هذه الحرائق بأنها سلاح للإبادة الجماعية، وفقط بفعل المعجزة لم يحرق أناس وهم على قيد الحياة، لكن لا يمكن الاعتماد على المعجزات. وبالتالي فإنه يجوز قطعاً، بل ويجب انتهاك حرمة السبت من أجل وقف النيران ووقف مشعليها، وإذا اقتضت الحاجة يجوز أيضاً إطلاق النار عليهم، فلو كانوا في بيت مئير (مستوطنة يهودية على مشارف القدس)، أو كرميئيل أو حيفا، قد أطلقوا النار عليهم لكنا وفرنا على أنفسنا هذه الكارثة".

وأفاد مواطنون فلسطينيون من حيفا، أمس، بأنهم تعرضوا في أكثر من موقع في الأراضي المحتلة، إلى محاولات اعتداء استهدفتهم، وأكد بعضهم أنهم سمعوا تصريحات عنصرية واتهامات للعرب بأنهم وراء الحرائق المشتعلة. وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي في "إسرائيل" بكتابات ومنشورات عنصرية تتهم الفلسطينيين في الداخل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بأنهم وراء إضرام النيران وإشعال الحرائق.

في المقابل، برزت تبريرات دينية غيبية لحاخامات المستوطنين الذين ادعوا أن الحرائق عقاب من الله لحكومة نتنياهو لأنها تماطل في سن قانون شرعنة المستوطنات، ولأنها تجمد البناء في المستوطنات. وكتب الحاخام الرئيسي لمجلس مستوطنات السامرة، في محيط رام الله، إليكيم ليفانون: "إن الأحوال الجوية الجافة، والحرائق المتفشية في كل مكان، هي من صنع الرب، وهي عقاب من السماء بسبب نية الحكومة إخلاء بلدات يهودية في أرض إسرائيل، اليد الإلهية فعلت ذلك لأن حكومة إسرائيل تعطل سن قانون تبييض المستوطنات".

ويبدو واضحاً أن الحرائق شكلت طوق نجاة لنتنياهو من خلال مساهمتها في صرف الأنظار عن قضية تورطه مع محاميه في شبهات بشأن صحة صفقة التزود بثلاث غواصات ألمانية جديدة. واستغل نتنياهو الحرائق للترويج لمقولة "إرهاب الحرائق" لضمان دفن القضية ولو مؤقتاً من جهة، وضمان الإبقاء على شعبيته عند اليمين الإسرائيلي.

في المقابل، أشار محللان في الصحف الإسرائيلية، وهما أليكس فيشمان في "يديعوت أحرونوت"، وعاموس هرئيل في "هآرتس"، إلى أن حرائق "إسرائيل" هي بمثابة اختبار استراتيجي لقدراتها على مواجهة حالات مشابهة في المستقبل، مع خطر تبلور سلاح الحرائق كسلاح معتمد من قبل الفلسطينيين، وهو ما يوجب استعدادا خاصا لمواجهته على كل الأصعدة، وفي مقدمتها الاستخباراتية، بالإضافة إلى الجوانب اللوجستية لتنظيم عمليات إخلاء للسكان، وتكامل في العمل بين مختلف الأجهزة.

المساهمون