"البوابات الإلكترونية".. حواجز إسرائيلية تحوّل أرياف الضفة إلى سجون

"البوابات الإلكترونية".. حواجز إسرائيلية تحوّل أرياف الضفة الغربية إلى سجون معزولة

30 مارس 2024
جنود الاحتلال يتحكمون بفتح البوابات وإغلاقها "عن بُعد" (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في حوارة بالضفة الغربية، عزل الاحتلال الإسرائيلي الحارة الشمالية ببوابات إلكترونية، محولاً حياة السكان إلى "سجن حقيقي"، في محاولة لإحكام السيطرة على المنطقة.
- السكان يواجهون صعوبات يومية بسبب التحكم عن بُعد في البوابات، مما يضطرهم لاستخدام طرق طويلة وغير آمنة، معرضين لخطر هجمات المستوطنين.
- الإجراءات الإسرائيلية تمتد لمعظم بلدات جنوب نابلس، مهددة بتحويل الضفة الغربية إلى "أكبر سجن في العالم" وتجبر العائلات على النزوح، مما يسهل السيطرة الإسرائيلية والمستوطنين على القرى.

ناشط فلسطيني لـ"العربي الجديد": الطرق بين القرى لم تعد آمنة

الاحتلال يبرر مخططه الجديد بحاجته إلى توفير الأمن للمستوطنين

دفعت الحواجز بعض العائلات في الأرياف للانتقال إلى المدينة

باتت الحارة الشمالية في بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية، منفصلة تماماً عن محيطها، بعدما أحاطت بها الحواجز العسكرية من جهة نابلس، والبوابات العسكرية الإلكترونية من جهة بلدة حوارة.

ويقول الصحافي الفلسطيني رومل سويطي، الذي يقيم في المنطقة، إنّ "نحو عشرين عائلة تقيم في منازل على طريق شارع حوارة الرئيسي باتوا في سجن حقيقي، بعد أن أقدم الاحتلال أخيراً على نصب 4 بوابات إلكترونية على مسافة لا تزيد على 500 متر فقط، وبالتالي لا يمكن لنا الذهاب إلى نابلس أو إلى بلدة حوارة إلا بالمرور عبرها، وإن كانت مغلقة، فهذا يعني أننا بتنا أسرى داخلها".

ويحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إحكام السيطرة على الضفة الغربية. ومع أن الاحتلال بدأ بتنفيذ سياسة البوابات الإلكترونية في ريف محافظة نابلس، إلا أن هناك تحذيرات من أن تكون هذه بداية سياسة لتحويل الضفة الغربية وقراها إلى مناطق معزولة، إذ يأتي ذلك بالتزامن مع يوم الأرض الذي تحلّ ذكراه اليوم السبت.

ويشير سويطي إلى أن جنود الاحتلال يتحكمون بفتح البوابات وإغلاقها "عن بُعد"، ويرقبون تحركات المركبات من خلال كاميرات المراقبة المزروعة في كل مكان، غير أن المعاناة في عهد هذه البوابات ستتعاظم.

ويعزو سويطي ذلك بالقول: "لم يعد بإمكاننا الذهاب مثلاً سيراً على الأقدام إلى حوارة لقضاء حوائجنا كشحن عداد الكهرباء أو دفع الالتزامات للمجلس البلدي، فالإنسان الذي يقطع حاجزاً أو بوابة مشياً على الأقدام يكون معرضاً لإطلاق النار فوراً من جنود الاحتلال، بادعاء أنه يريد تنفيذ عملية طعن أو ما شابه".

حصار قرى الضفة الغربية 

وعلى بُعد 300 متر فقط شمال بيت سويطي، تقع قرية بورين التي تتعرض منذ سنوات طويلة لهجمات دموية من المستوطنين، وعلى مدخلها وضع الاحتلال بوابة عسكرية فصلتها عن شارع حوارة الرئيسي بحجة تعرّض مركبات المستوطنين لإلقاء الحجارة.

ويقول الناشط نمر البوريني لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاحتلال يبرر خططه بتحويل الضفة الغربية إلى (كانتونات معزولة) بتوفير الأمن للمستوطنين، وإن كان الأمر كذلك، لكنه يؤكد ما كنّا نحذر منه دوماً من أن حكومات الاحتلال المتعاقبة تريد تقطيع أواصر الضفة لتسهيل الانقضاض عليها منفردة واحدة تلو الأخرى".

ويضيف البوريني: "من باب بيتي لوسط مدينة نابلس كانت الطريق تستغرق أقل من 15 دقيقة، هذا إذا كانت الطرق مزدحمة، أما اليوم فالأمر يحتاج إلى ساعتين على الأقل"، موضحاً أنه "مع نصب هذه البوابة وإغلاق حاجز حوارة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بات السكان مجبرين من أجل الوصول إلى نابلس التي تقع شمال القرية على المرور عبر طرق فرعية وترابية إلى عدة قرى، ومنها إلى بلدة بيتا جنوباً، ثم قرية عورتا، ثم نقف في طابور لا ينتهي على الحاجز قبل السماح لنا بالمرور، وفي طريق العودة نسلك الطريق ذاته لنصل إلى بيوتنا".

ووفق الناشط البوريني، فمنذ بداية الشهر الجاري، نصب الاحتلال نحو 20 حاجزاً وبوابة عسكرية على مداخل معظم بلدات وقرى جنوب نابلس.

طرق غير آمنة 

وأوضح الناشط أن "الطرق الداخلية بين القرى لم تعد آمنة (...) كثيراً ما كنّا نصادف مستوطنين هناك، ويلاحقوننا ويرشقون سياراتنا بالحجارة، وأخيراً بات حراس المستوطنات (وهم مسلحون) ينصبون حواجز مفاجئة، ويدققون في هويات الركاب ويعتدون عليهم، تماماً كما يفعل جيش الاحتلال".

ويعيش نحو 30 ألف مستوطن في 14 مستوطنة إلى جانب 52 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي نابلس، وفق محافظ نابلس غسان دغلس، الذي كان يشغل منصب مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية المحتلة.

ويقول دغلس لـ"العربي الجديد"، إنّ "نابلس محاصرة من كل الجهات. المنطقة الوحيدة تقريباً في الضفة التي تعاني من حواجز عسكرية على مداخلها كافة، ومن حصار خانق لا هوادة فيه، عرقل حركة المواطنين، وضرب اقتصادها في مقتل، وقطع أواصر العائلات التي باتت تتردد في زيارة أقاربها هنا". 

ويشير دغلس إلى أنه في حال إغلاق الاحتلال قرية ما لعدة أيام، فهذا يعني صعوبة إدخال أي شكل من أشكال المساعدات إليها، كحليب الأطفال أو الأدوية أو حتى نقل المرضى، وهذا السيناريو مطروح بقوة في الفترة القادمة.

نزوح اضطراري

وأجبرت هذه المعاناة في التنقل عدداً من العائلات في الأرياف على الانتقال للسكن في المدينة، حيث يقول رئيس مجلس قروي دوما سليمان دوابشة لـ"العربي الجديد"، إنّ "بعض الأسر التي يعمل الأب في المدينة وأبناؤه يدرسون في جامعاتها، لم تجد حلاً إلا بترك القرية والاستقرار هناك، لتجنب معاناة الحواجز والبوابات العسكرية".

ويضيف دوابشة: "لا أملك أرقاماً، لكن الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن تعاظمت أخيراً. الخوف أن تفرغ قرانا من السكان خلال السنوات القليلة القادمة، وهي خط الدفاع الأول في مواجهة الاستيطان، وبالتالي تصبح لقمة سائغة للاحتلال والمستوطنين".

تحويل الضفة الغربية إلى سجن كبير

ويؤكد مسؤول ملف العمل الجماهيري في حزب الشعب الفلسطيني، خالد منصور، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ الضفة الغربية برمّتها باتت سجناً كبيراً، بل أكبر سجن في العالم، حيث تحتجز إسرائيل فيها أكثر من 3 ملايين إنسان. لم يكتفِ الاحتلال بإقامته لنحو 600 حاجز عسكري دائم ومتنقل، بل زرع خلال الأشهر القليلة الماضية نحو 132 بوابة عسكرية. وبات الفلسطيني الذي يهرب من الحاجز يصطدم ببوابة، ما يعني مزيداً من الإذلال بحقه".

ويرى منصور أن وضع كل هذه المعوّقات هو تنفيذ لمخططات وزراء اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال بإقامة مناطق عازلة بمحيط المستوطنات ومنع الوجود الفلسطيني عبر البناء وغيره فيها، إلى جانب السيطرة على الطرق الرئيسية التي كان يسلكها الفلسطينيون وتحويلها للمستوطنين.