"معبر الريسة"... أداة حصار تُنهك أهالي الشيخ زويد ورفح

"معبر الريسة"... أداة حصار تُنهك أهالي الشيخ زويد ورفح

31 أكتوبر 2016
الأطفال ضحايا حصار رفح والشيخ زويد بسيناء(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد توقف الاعتداءات التي يقوم بها تنظيم "ولاية سيناء"، ضد قوات الأمن المصرية، جيشاً وشرطة، خلال الزيارات التي يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى مدينة شرم الشيخ في محافظة سيناء، قبل أن تستأنف بعنف عقب مغادرته، بالأمر المستغرب. وإن كان باحثون وخبراء عسكريون، يعزون تكرار هذا السيناريو، بشكل أساسي، إلى إدارك التنظيم مدى الاستنفار الأمني الذي يرافق زيارات السيسي، فإن أهالي سيناء المدنيين وحدهم من يدفعون ثمن تلك الزيارة وبعد الانتهاء منها، لا سيما أنها تترافق مع تشديد الإجراءات الأمنية والحصار المفروض عليهم، خصوصاً داخل مدينتي رفح والشيخ زويد.

يؤكد باحث مختص في شؤون الحركات "الجهادية" المسلحة، لـ"العربي الجديد"، أن "هذا التكتيك (تجنب العمليات) معتاد من التنظيم لعدد من الأسباب، من أبرزها معرفته بأن هناك حالة استنفار أمني واسعة، قد تصل إلى حد التنسيق التام مع الإسرائيليين، بشأن تأمين الزيارة". ويشير إلى أن "هذا الاستنفار واضح في حجم الحشد العسكري والأمني، ونوعيته، وتحريك القوات وتمركزها بطريقة معينة".
بدوره، يقول خبير عسكري مصري آخر إن للجماعات المسلحة في سيناء خبرة تراكمية تكشف لها أن هناك "حالة من الاسترخاء وشيئاً من الارتباك يعقبان مغادرة الرئيس والمسؤولين الكبار للمنطقة، وانتهاء حالة الاستنفار والطوارئ في صفوف قوات الأمن، ما يسمح لتلك الجماعات باستغلالها في شن عمليات مفاجئة".

من جهتها، تكشف مصادر قبلية من أهالي محافظة شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، أن الزيارات التي يقوم بها السيسي تترافق مع تشديد الحصار الذي يفرض منذ شهور عدة على مدينتي رفح والشيخ زويد، والذي تضاعفه السلطات المصرية بحجج أمنية. وتمنع السلطات مرور مواد غذائية عدة عن السكان عبر كمين الريسة أو ما يسميه المواطنون هناك بـ"معبر الريسة"، الواقع شرقي مدينة العريش في محافظة شمال سيناء. وعلى هذا الحاجز "يتم توقيف سيارات نقل البضائع بالساعات والأيام وأحياناً بالأسابيع، ثم بعد قرار السماح بدخولها يتم تفريغ السيارة بالكامل، وقد يقوم أحد أفراد الشرطة المصرية بإدخال سيخ حديدي في أكياس الرز والسكر، بهدف التأكد أنه ليس بداخلها منتجات غذائية ممنوعة مثل اللحوم المثلجة وغيرها"، وفق المصادر نفسها.

وتحول المعبر إلى أداة جديدة من أدوات العقاب الجماعي التي تستخدم للتضييق أكثر وأكثر على المنطقة من أجل دفع الناس لترك أماكنهم. وفي حال رفع الحصار مؤقتاً لإدخال جزء من الأغذية، سرعان ما تعود المنطقة للحرمان. لأن "شهر العسل الحكومي لا يدوم طويلاً" كما يقول أهالي سيناء.

وتكشف الجولة الميدانية التي قامت بها "العربي الجديد" بين سكان المدينتين، عن حجم معاناة المواطنين نتيجة هذا الحصار. وغالباً ما تصبح المتاجر خالية من البضائع والمنتجات الغذائية التي يطلبها الناس والزبائن، لكنهم لا يجدونها بسبب إجراءات الحصار التي تمنع التجار من نقلها في الأوقات التي تلائمهم وتلبي مصالحهم ومصالح المستهلكين.
تقول مواطنة تعمل في مجال التدريس إن "كل المنتجات المثلجة والمجمدة ممنوعة تماماً من المرور إلى رفح والشيخ زويد"، وإن بعضهم يحصل عليها عن طريق "التهريب".

وسئم المواطنون من حال المدينتين. إضافةً إلى الحصار، تعتقل السلطات عدداً كبيراً من الرجال. ومن لم يقتل يعيش هارباً من القتل أو الاعتقال. وتردي الأوضاع دفع بعض النساء للتسول، والبعض الآخر خرجن للعمل في السوق على غير عادة مجتمعهن.

بدورهم يعاني المزارعون من ممارسات مجحفة بحقهم. في وقت يفرض فيه النظام المصري قيوداً عديدة عليهم في الشيخ زويد، مثل منع زرع بذور النباتات، إذ يستفيد بعض المزارعين من نجاة أراضيهم الصغيرة، حتى الآن، من الجرف والمصادرة أو الحرق، ليتفقدوا ما أمكنهم زرعه.

أحد المزارعين، العم أبو سليمان، تمكن من حفر بئر مياه في بيته كما فعلت الغالبية من أبناء بلدته بسبب شح المياه. لكن بموجب الحصار المفروض على المدينة، تمنع السلطات المصرية دخول بذور النباتات إلى الشيخ زويد. يقول أبو سليمان، لـ"العربي الجديد" إنه على الرغم من كل ما مرّ على سيناء وسمعه من آبائه وأجداده لم يتخيل في يوم من الأيام أن تصل الأمور إلى حد منع وصول بذور النبات لزراعة الأراضي. وبعدما كان يزرع الطماطم والخيار وباقي الخضروات والفاكهة أيضاً، الآن ليس بإمكانه إلا زراعة ما توفر الأرض من زرع سابق. ويلفت إلى أنه لم يصدق أن سيارات النقل ترد ما فيها من بضائع حيوية. وكان يعتقد أن هذا الأمر سيكون مؤقتاً بسبب الظروف الأمنية. لكنه الآن يعبّر عن صدمته من كون الوضع القائم بأمر السلطات المصرية على حاجز الريسة.  

وحين يحاول أحد المواطنين في منطقة الشيخ زويد أن يخصص يوماً في الأسبوع للذهاب إلى مدينة العريش من أجل التسوق المحدود، فهو يدرك مسبقاً أن إمكانية مصادرة ما يحمله على النقاط المرورية قائمة. يقول أحد المواطنين الذي اعتاد القيام بتلك "المغامرة"، إنه يتبضع الأغذية قدر إمكاناته من العريش، ويحمل كيسين صغيرين حتى لا يشكّوا في أمره ويلتفتوا لما يحمل. ويتابع: "وصل الأمر في فترة قريبة لأن نفقد اللبن الذي يعتمد عليه الأطفال كغذاء وكذلك الزبادي". ويلفت إلى أن الجيش "يمنع دخول مواد البناء وأدوات الكهرباء والسباكة والتليفونات، الأمر الذي جعل أسعار هذه المواد في ارتفاع كبير، وقلل فرص العمل في هذا المجال".

ويدرك جميع أهالي رفح والشيخ زويد أن الهدف من ذلك يتمثل في الضغط على سكان المنطقة الحدودية من أجل الرحيل من بيوتهم، لا سيما أن مدينة العريش قريبة منهم ولا يمنع عنها شيء، بحسب الشهود العيان.

يذكر أن قائمة المواد الممنوعة على حاجز الريسة تشمل دخول سيارات الأدوية والمستلزمات الطبية. ووصل الأمر إلى حد افتقاد الأطفال الذين بترت أطرافهم نتيجة الأحداث للأدوية الضرورية لهم، ما أدى إلى مضاعفة معاناتهم الصحية بسبب الإمكانات الضعيفة في مستشفيات الشيخ زويد، كما تؤكد إحدى الممرضات.

وكشف "المرصد السيناوي لحقوق الإنسان" في مايو/أيار الماضي، عن أنه بالإضافة إلى منع وصول سيارات نقل الأدوية إلى مدن العريش، والشيخ زويد، ورفح، هناك "أوامر عسكرية تمنع وصول سيارات الإسعاف أو تحركها من دون إذن مُسبق لإغاثة المواطنين المدنيين بالشيخ زويد ورفح، الأمر الذي زاد من هموم المواطنين وأثر عليهم سلباً"، بحسب بيان المرصد.