أفغانستان تبدل استراتيجية محاربة المسلحين: تحريك علماء الدين والقبائل

أفغانستان تبدل استراتيجية محاربة المسلحين: تحريك علماء الدين والقبائل

19 سبتمبر 2015
أصدر رجال الدين فتوى الجهاد ضد باكستان(مسعود حسيني/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتردد الحكومة الأفغانية في تغيير استراتيجيّتها الداخلية في التعامل مع الملف الأمني، بموازاة تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة كالصين وروسيا وغيرهما، في سبيل مواجهة المعضلة الأمنية والوقوف في وجه التنيظمات المسلحة.
وبينما كانت أفغانستان تعتمد كلياً في السابق على قواتها المسلحة والقوات الدولية العاملة هناك، بدأت الحكومة الأفغانية، أخيراً، بتحريك قبائل وعلماء الدين ضد الجماعات المسلحة، من أجل التعاون مع القوات المسلحة، مستغلّة التطورات الأخيرة، وأبرزها، قضية وفاة زعيم حركة "طالبان"، الملا عمر، وما نجم عنها من انشقاقات داخلية في صفوف "طالبان".

وتمكّنت الحكومة الأفغانية، على مدى الأشهر الماضية، من جمع أكبر عدد من علماء الدين، والتقت بهم مرات عدة في العاصمة الأفغانية كابول، لمناقشة المعضلة الأمنية وحيثيّتها الدينية. ولم يكتفِ علماء الدين، خلال الاجتماعات، بوصف الحرب المتواصلة في أفغانستان، بـ"حرب سياسية تصب في مصلحة الاستخبارات الأجنبية"، بل أعلنوا أيضاً دعمهم الكامل للقوات المسلحة والحكومة، ودعوا الجماعات المسلحة عموماً، وحركة "طالبان" خصوصاً، إلى حوار بناء يهدف إلى وضع حد لحرب "تقتل أبناء الأفغان وتدمر بلادهم لصالح الآخرين"، على حد وصفهم.

وما أثار استغراب الباكستانيين، واعتبره الإعلام الأفغاني "نجاحاً للحكومة الأفغانية"، هو إصدار علماء الدين فتوى "الجهاد ضد باكستان"، بذريعة دعم إسلام آباد لـ"طالبان" أفغانستان والجماعات المسلحة الموالية لها، التي تنشط في أفغانستان، بحسب تعبيرهم.
أثارت الفتوى جدلاً واستنكاراً كبيرين في باكستان، إذ تداولتها وسائل إعلام باكستانية بصورة مكثفة، واعتبرتها سبباً لتدهور العلاقات بين الجارتين. وعلى عكس الموقف العام في باكستان إزاء الفتوى، رحّبت "طالبان" باكستان بفتوى علماء الدين الأفغان.

ولم تقتصر اجتماعات علماء الدين على كابول، بل امتدت إلى معظم الأقاليم، ومنها، كنر، بكتيا، قندهار، ننجرهار ومزار وغيرها. عُقدت في بعض تلك الأقاليم، اجتماعات عدة، خلال الشهرين الماضيين، تأييداً للقوات المسلحة الأفغانية. كما أقامت مجموعات العلماء مؤتمرات وندوات تحثّ من خلالها الشعب والقبائل على مساندة القوات المسلحة ضد الجماعات المسلحة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، اجتمع مئات من علماء الدين وشيوخ القبائل في مدينة خرنه عاصمة إقليم بكتيا، جنوبي البلاد، لمناقشة آلية التعاون مع القوات المسلحة الأفغانية وإحلال الأمن في مناطقهم. ودعا المشاركون إلى نبذ العنف والوقوف إلى جانب الجيش الأفغاني، الذي يحافظ على أمن البلاد وحمايتها على الرغم من الأجواء الصعبة التي تمرّ بها البلاد حالياً. ولم يترددوا في الإشادة بدور الجيش، إذ كان الجميع يتوقع سقوط أقاليم عدة في قبضة "طالبان" بعد انسحاب القوات الدولية نهاية العام الماضي. لكن الجيش، أثبت، بحسب وصفهم، قدرته على الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها.

وفي كلمة له في الاجتماع، قال رئيس مجمع علماء الجنوب، قاري خواجه الدين، إنّ "القوات المسلحة تستحق الثناء والمديح، لأنّها تمكّنت من استعادة مناطق، كان المسلحون يسيطرون عليها منذ سقوط طالبان في العام 2001، وكانت القوات الدولية عاجزة عن استعادة السيطرة عليها، على الرغم من امكانيتها العسكرية". ورأى خواجه الدين أنّ "الحرب في أفغانستان حرب متعددة الأطرف ومتنوعة الأشكال. لذا فإن القوات المسلحة بحاجة إلى مساندة متواصلة من علماء الدين والقبائل". وطالب خواجه الدين، "طالبان" بالرجوع إلى الحوار مع الحكومة، ونبذ العنف لمصلحة الشعب الأفغاني الذي مزّقته الحروب الدامية على مدى العقود.

لا تقتصر هذه الاجتماعات المتواصلة على مشاركة علماء الدين فحسب، بل يشارك فيها شيوخ القبائل بوتيرة كبيرة، معلنين دعمهم للحكومة والجيش ومعارضتهم للجماعات المسلحة، وفي مقدمتها "طالبان" أفغانستان.
يقول أحد شيوخ القبائل، جنت خان منجل، الذي شارك في اجتماعات عدة، عقدت في جنوب البلاد، أخيراً، إن "جميع أبناء الجنوب يعارضون مظاهر التسلح في البلاد، ويقفون جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة الأفغانية". ويشدد في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنّ "الأفغان ليس أمامهم خيار سوى دعم الحكومة والوقوف إلى جانبها في مواجهة المسلحين". ويشير خان منجل إلى أنّ "المعارك الضارية التي اندلعت في بعض مناطق الجنوب والشرق بين الفصائل القتالية المتناحرة، دفع الشعب ثمنها".

اقرأ أيضاً: الجيش الأفغاني يشنّ حملة ضد مسلحي "طالبان"

ويلفت خان منجل إلى أنّ "الأهم من ذلك، هو هدف كل تلك الاجتماعات، في حث القبائل على المشاركة العملية في العمل المسلح ضد الجماعات المسلحة"، موضحاً أنه تم تشكيل لجان قبلية على مستوى المديريات والأقاليم، وخصوصاً في المناطق القبلية المتاخمة للحدود الباكستانية، التي تخضع لهجمات "طالبان" المتكررة.

وكانت الحكومة الأفغانية، قد أعلنت أخيراً، زيادة عدد عناصر الجيش القبلي في المديريات المتاخمة للحدود الباكستانية، إذ إن الجيوش القبلية تقوم بدور مهم ضد المسلحين في تلك المناطق. وهو ما أشار إليه مسؤول أمن المناطق الشرقية، الجنرال دولت وزيري، قبل أيام، خلال اجتماع لزعماء القبائل في شرق البلاد، قائلاً إنّ "الجيوش القبلية تشكّل خط النار الأوّل في مواجهة المسلحين، والحكومة تعتزم زيادة عدد عناصر الجيش في شرق البلاد وجنوبها، وتحديداً على الحدود مع باكستان".

ومن أهم التغيرات في تعامل الحكومة مع علماء الدين والجيوش القبلية، أنّها قامت بتوظيف مئات العلماء من خلال وزارة الشؤون الدينية. كما أنّ الجيوش القبلية التي كانت تعاني في السابق من نقص في العتاد والدعم اللوجستي، وحتى في الحصول على الرواتب، شرعت الحكومة في سدّ هذه الثغرات إلى حدّ ما، إذ إنّ عناصر الجيش القبلي يتسلمون رواتبهم شهرياً بعدما كانوا يشكون أنّ رواتبهم تتأخر لأشهر عديدة، إبان حكم الرئيس السابق، حامد كرزاي. كما تعتزم الحكومة إدخال الجيوش القبلية ضمن المنظومة العسكرية، بحيث تكون تلك الجيوش كالقوات شبه العسكرية في بعض الدول، بحسب وزير الداخلية، الجنرال نور الحق علومي.

وتعليقاً على تعامل الحكومة مع القبائل وجيوشها، يقول أحد شيوخ القبائل في مقاطعة مهمند دره في إقليم ننجرهار، شرق البلاد، حكيم الله خان، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحكومة بدأت تتعامل بصورة جدية مع الملف الأمني، وقد أدركت أنّ دور القبائل أساسي لاستئصال جذور الجماعات المسلحة، وإنّ هناك إقبالاً كبيراً من قبل أبناء القبائل نحو الجيوش القبلية، بعدما بدأ عناصرها يتسلمون الرواتب بصورة منتظمة، وبعدما أولت الحكومة اهتماماً بها إلى حدّ ما.

في المقابل، تصف الجماعات المسلحة أولئك العلماء وشيوخ القبائل بـ"حاشية الملوك"، ولجأت إلى استهداف اجتماعات القبائل وعلماء الدين واغتيالهم. كما بدأت تواجه بكل قسوة كل من يتعامل منهم مع الحكومة، إذ تمّ قتل وإعدام العشرات منهم، بحجة أنهم يساندون الجيش والحكومة.
فعلى سبيل المثال، أعدم مسلحو "طالبان"، الأسبوع الماضي، عالم الدين، عبد الباري، في إقليم أورزجان، جنوبي البلاد، ذبحاً، بحجة أنه كان يحثّ الرأي العام ضد "الحركة" من خلال خطبه ودروسه في المسجد.


كما أعدم مسلحو "داعش" عالم الدين، المولوي عبد السميع، في مديرية بشير أغام في إقيلم ننجرهار، ذبحاً. ووفق رواية سكان المديرية، فإن المولوي لم يكن ينتمي إلى أي جماعة ولم يكن على صلة بالحكومة الأفغانية، إلّا أنّه كان يؤيد القوات المسلحة من حين إلى آخر، وينتقد "داعش". فقامت عناصر التنظيم بخطفه ثم ذبحه على مقربة من منزله، قبل أسبوعين.

يدفع زعماء القبائل ثمن تعاونهم مع الحكومة الأفغانية والجيش ومعارضتهم للجماعات المسلحة بشتى الطرق. ويتذكر الأفغان جيداً ما فعله مسلحو "داعش"، في الأسبوع الأول من شهر أغسطس/آب الماضي، بحق عشرة من زعماء قبائل شينواري، قرب الحدود الأفغانية الباكستانية في إقليم ننجرهار شرق البلاد، إذ تمّ زرع عبوات ناسفة في الأرض، ثم أجلسوا الضحايا العشرة عليها وفجّروها. واتهم "داعش" في التسجيل المصوّر، الزعماء القبليين بأنهم كانوا يتعاونون مع الحكومة الأفغانية و"طالبان" ضده، ما دفع أبناء قبائل شينواري إلى حمل السلاح ضد المسلحين جميعاً.

في موازاة ذلك، عقد زعماء قبائل الشرق اجتماعاً هاماً قبل أيام في كابول، أعلنوا من خلاله، حمل السلاح ضد التنظيمات المسلحة، والتعاون مع الحكومة الأفغانية والجيش ضد تلك التنظيمات لأجل الحفاظ على ديارهم، كما قال أحد وجهاء إقليم ننجرهار، حاجي ظاهر. لكن ثمة خشية لدى الأوساط القبلية، التي حملت السلاح، من انقطاع الدعم الحكومي، ما سيعرض أبناءها لخطر أكبر، وقد حصل ذلك مرات عدة، خلال السنوات الماضية.

اقرأ أيضاً: "القاعدة"... انهيار "مظلّة جهاديي" باكستان وأفغانستان