"القاعدة"... انهيار "مظلّة جهاديي" باكستان وأفغانستان

"القاعدة"... انهيار "مظلّة جهاديي" باكستان وأفغانستان

28 اغسطس 2015
نشبت خلافات بين الفصائل بعد مقتل بن لادن(فرانس برس)
+ الخط -
شكّل تنظيم "القاعدة"، سابقاً، مظلّة لجميع التنظيمات القتالية في أفغانستان وباكستان وشبه القارة الهندية، وآسيا الوسطى، حتى مقتل زعيمها السابق أسامة بن لادن في مدينة أيبت أباد، الباكستانية في مايو/أيار 2011. استطاع التنظيم منذ العام 2001، أي بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان حتى مقتل بن لادن، توحيد كافة التنظيمات "الجهادية"، والمحافظة على تماسكها والتعاون في ما بينها، بهدف الوقوف ضد القوات الأميركية وحلفائها في المنطقة.

كما قام "القاعدة" بدور أساسي في حلّ الخلافات التي كانت تبرز بين حين وآخر بين الفصائل المختلفة، والتي كادت أن تعصف بـ"العمل الجهادي" لولا دور التنظيم آنذاك. فعلى سبيل المثال، استطاعت قيادة "القاعدة" القضاء على الخلاف بين فصائل حركة "طالبان" في باكستان من أجل تعيين زعيم جديد لها، بعد مقتل مؤسسها بيت الله محسود في غارة أميركية في وزيرستان في أغسطس/آب 2009. كما حلّ التنظيم مرات عدة الخلافات بين "شبكة حقاني" والمقاتلين الأوزبك، الذين كانوا يشكّلون حركة أوزبكستان الإسلامية، وكان مؤسسها طاهر يلداش، أحد المقربين من بن لادن.

لكن بعد مقتل بن لادن، فقدت التنظيمات الجهادية تلك "المظلّة" التي كانت تحافظ على وحدتها، وبالتالي نشبت خلافات بين تلك الفصائل. كما تعرّضت بعضها إلى خلافات داخلية أفضت إلى تشكيل فروع عدة داخل تنظيم واحد. فقد انقسمت "طالبان" في باكستان إلى أربعة فصائل رئيسية: "طالبان باكستان" التي يتزعّمها الملا فضل الله، "طالبان محسود" التي يتزعمها سيد خان سجنا، "طالبان البنجاب" التي أعلنت في ما بعد العودة إلى العمل الدعوي في باكستان، وألقت السلاح أمام الجيش الباكستاني، لكنّها أصرت على مواصلة العمل الجهادي في أفغانستان، وأخيراً "جيش الأحرار" الذي بايع في ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

كما انقسمت حركة "أوزبكستان الإسلامية" التي أسّسها طاهر يلداش، بمساعدة مادية من بن لادن، إلى فصائل عدّة، بعدما كانت تشكّل جزءا كبيراً من قوة تنظيم "القاعدة" في منطقة القبائل الباكستانية، على الرغم من كونها كياناً مستقلاً.

ليس هذا فحسب، بل برزت خلافات بين تنظيم "القاعدة" والفصائل الجهادية الأخرى بعد مقتل بن لادن. وكانت قيادات في حركة "طالبان" في أفغانستان تدعو التنظيم، في السنوات الأخيرة، إلى وقف عمله الجهادي في أفغانستان وباكستان ونقل مسلّحيه إلى العراق وسورية. وكانت هذه القيادات ضد فكرة مواصلة التنظيم العمل الجهادي في المنطقة.

اقرأ أيضاً: غارة أميركية تقتل قيادياً بـ"القاعدة" في أفغانستان

إلى جانب ذلك، خسر التنظيم معظم قياداته الميدانية إثر غارات جوية أميركية في منطقة القبائل على طرفي الحدود الأفغانية والباكستانية، ما أدى إلى تضاؤل قوة التنظيم ميدانياً. كما أنّ الشباب المحليين الذين جنّدهم التنظيم بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان فقدوا الأمل وتوجّهوا نحو جماعات وفصائل أخرى، بغية الوصول إلى الهدف الذي لطالما كان مؤسس تنظيم القاعدة، بن لادن يدعو الشباب إليه.

وكان ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المنطقة، بمثابة القشة التي قصمت ظهر "القاعدة"، إذ توجهت أعداد كبيرة من القيادات في "طالبان" في باكستان المعروفة بـ"التيار السلفي" المقرّب من "القاعدة" إلى تنظيم "داعش". كما أعلنت معظم الفصائل الجهادية من دول آسيا الوسطى، وفي مقدّمتها حركة "أزبكستان الإسلامية" الانضمام إلى "داعش"، في حين كانت تلك الفصائل تابعة لتنظيم "القاعدة" في ما مضى. ولم يبق للتنظيم من يمثّله من الحركات الجهادية في المنطقة، سوى فرع "القاعدة" في جنوب آسيا، الذي أعلن زعيم التنظيم، أيمن الظواهري، تشكيله في ظروف غامضة، في إطار التنافس مع "داعش"، كما يرى مراقبون أفغان.

تدهور القاعدة في المنطقة

لم يتمكن زعيم التنظيم الحالي، أيمن الظواهري من جمع أوصال التنظيم، وأدّت سياساته في الإدارة إلى تدهور قوة التنظيم وقطع علاقاته بالجماعات الجهادية الأخرى. على سبيل المثال، إعلان التنظيم مبايعة زعيم "طالبان" الحالي، الملا أختر منصور، على الرغم من وجود خلافات داخلية بين قيادات الحركة بشأن تعيين خلف للملا عمر. وكان ينبغي لأيمن الظواهري أن يقوم بدور مهم في حلّ تلك الخلافات، عوضاً عن الانحياز إلى إحدى الجهتين.

ومن أهم أسباب تدهور قوة التنظيم، تركيز استخبارات المنطقة والاستخبارات الدولية على العمل المستمر للقضاء على قوة التنظيم، الذي كان بمثابة التنظيم الأم لجميع الحركات الجهادية في المنطقة. وبالتالي، فمن أجل تقسيم كل تلك الجماعات، كان من الضروري القضاء على جماعة الأم وقوّتها. كما تركّزت الغارات الأميركية على طرفي الحدود الأفغانية ــ الباكستانية لاستهداف قيادات التنظيم. ونفّذت مئات الغارات لهذا الهدف، أودت بحياة عناصر وقيادات عدة في التنظيم.

اقرأ أيضاً: الملا عمر.. الجهادي الذي قاد تيار "المراجعة الفكرية"

وتعتبر الحكومة الأفغانية أن باكستان هي الداعمة الرئيسية لـ"طالبان" في أفغانستان. وقد وفّرت باكستان الملاذات الآمنة لقيادات الحركة ومسلحيها، من خلال الدعم العسكري واللوجستي. في المقابل، حاربت باكستان تنظيم "القاعدة"، خصوصاً خلال الحكومة السابقة التي كان يتزعمها آصف زرداري، زعيم حزب "الشعب"، لاعتقاده أن للتنظيم يداً في مقتل زوجته، رئيسة الوزراء السابقة، بينظير بوتو. ويرى خبراء سياسيون ومراقبون أنّ عداء باكستان لتنظيم "القاعدة"، كان أهم أسباب تدهور قوة التنظيم العسكري وتوزّع مناصريه وأعضائه.

وفي نهاية العام المنصرم، ومع انسحاب القوات الدولية من أفغانستان، كان من المتوقع أن يعود تنظيم "القاعدة" من جديد إلى الساحة ويلملم قوّته بقيادة أيمن الظواهري. إلّا أنّ ذلك لم يحصل بسبب الأسباب المذكورة، والتي أدت إلى تدهور قوة التنظيم، إضافة إلى عدم وجود استراتيجية لدى التنظيم تمكّنه من العودة إلى الساحة.

وبعدما كان متوقعاً وقف الغارات الأميركية بعد انسحاب القوات الأميركية، ازدادت وتيرتها على طرفي الحدود، نتيجة اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية وأفغانستان. وفي الداخل الأفغاني، أثبتت القوات الأفغانية ضراوتها في مواجهة "طالبان" وجميع الحركات الجهادية. إضافة إلى أن التنظيم، لم يعد قادراً، بسبب سياساته، على حصول على دعم على الأرض على مستوى الشعوب، خلافاً للحركات الجهادية الأخرى، مثل حركة "طالبان" في أفغانستان.

وفي الأيام القليلة الماضية، بثّ نجل بن لادن، حمزة بن لادن تسجيلاً صوتياً دعا فيه إلى نقل الحرب إلى الدول الأوروبية. وبينما فسّر البعض خروج حمزة، الذي عاش سنوات طويلة مع والده في أفغانستان إلى العلن، على أنها محاولة لعودة التنظيم إلى الساحة، خشي آخرون من أن يسير التنظيم على خطى حليفته حركة "طالبان" في أفغانستان التي تعاني من خلافات حادة بين زعيمها الحالي الملا منصور ونجل الزعيم الراحل الملا يعقوب. ويخشى هؤلاء أن يكون التسجيل الصوتي لنجل أسامة بن لادن بداية صراع بينه وبين زعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري، لا سيما أن بعض أنصار وقيادات التنظيم يحبّذون التغيير في الزعامة بهدف عودته إلى الساحة من جديد.

اقرأ أيضاً: الملا أختر زعيم طالبان يشكر الظواهري على مبايعته له

المساهمون