الملا عمر.. الجهادي الذي قاد تيار "المراجعة الفكرية"

الملا عمر.. الجهادي الذي قاد تيار "المراجعة الفكرية"

30 يوليو 2015
أراد الملا عمر تحسين العلاقات مع باكستان وإيران
+ الخط -

يتزامن إعلان الحكومة الأفغانية نبأ مقتل زعيم حركة "طالبان" في أفغانستان، الملا محمد عمر، أمس الأربعاء، مع انطلاق عملية المصالحة بينها وبين طالبان، والتي يتوقع انعقاد الجولة الثانية منها في غضون أيام. وإن صحّ خبر مقتله، فإن المصالحة الأفغانية قد تتلاشى، بحسب مراقبين، نظراً إلى أن الرجل، أدّى، في الأشهر الأخيرة، دوراً محورياً في مراجعات ونقاشات "فكرية" تقوم بها أطراف "الحركة الجهادية العالمية" حول عناوين تتعلق بالتعاطي مع الخارج وأممية الجهاد أو وطنيته ومشروعية إقامة التحالفات من عدمها وكيفية التصرف إزاء تنظيم "داعش". نقاشات تتعلق بحركة "طالبان" أولاً، التي تتعرض لموجة انشقاقات غير مسبوقة، وتصل إلى مختلف التيارات "الجهادية" حتى في سورية وفرع تنظيم "القاعدة" فيها، أي جبهة النصرة، نظراً لما للرجل من مشروعية، حتى في أوساط تنظيم "القاعدة" على خلفية علاقته الوطيدة مع أسامة بن لادن.

في آخر رسالة له، يوم 17 يوليو/ تموز الحالي، عقب شهر رمضان، بدت شخصية الملا عمر، محسوبة على التيار الذي يوصف بالأقل تشدداً في التيارات الجهادية، والمعادية لـ"داعش" والداعمة لـ"وطنية الجهاد" والمؤيدة لحق عقد التحالفات مع غير المسلمين والمصالحة في أفغانستان وعدم مهاجمة المكونات الطائفية المختلفة، وحسن الجوار مع دول كإيران وباكستان.

فقد شدّد في رسالته المذكورة بمناسبة عيد الفطر، على ضرورة التعامل والتحاور سلمياً مع "الطرف الآخر"، وكتب إنّ "القيام بالفعاليات السياسية وانتهاج الطرق السلمیة للوصول إلی الهدف المقدّس إلی جانب الجهاد المسلّح، هو أمر مشروع وجزء هام من السیاسة النبویة الشريفة". وتابع إنّه "إذا أمعنّا النظر في التعالیم الشرعیة، سنجد أنّ إجراء اللقاءات مع العدو، وانتهاج التعامل السلمي معه، في بعض المواقع، لیس بمنهى عنه علی الإطلاق، بل الممنوع هو أن نتنازل عن الموقف الإسلامي العالي".

حاول الملا عمر طمأنة الجميع في الداخل، من مشروع حركته وقال: "لا ینبغي على أحد أن یقلق من معاملة الإمارة الإسلامیة له في حال وصولها إلی الحكم ونحن ننظر إلی كل مسلم بعین الأخ، وكمسؤولیة دینیة نعترف بجمیع الحقوق المشروعة لجمیع الأفغان بمن فیهم الأقلّیات".

أراد الملا في رسالته التأكيد للجميع، بأنّه يسعى إلى "الحفاظ علی جمیع التقدمات والتطورات المشروعة، وسیُحافظ علی الممتلكات العامة، وعلی التطوّرات والإنجازات التي أحرزها القطاع الخاص، وسیُتعامل مع جميع الأقوام والشخصیات بالاحترام، وستتكوّن إدارة تشمل الأفغان جميعاً". أكثر من ذلك، نفى الملا عمر أن یكون لدى مشروعه نية بـ"مخالفة التقدم المادي والعلوم والوسائل العصریة. والحقیقة أنّ عدد المدارس العصریة ومؤسسات التعلیم العالي ومصاریفها في أیام حكم الإمارة الإسلامیة، كانت أكبر من عدد ومصاریف المدارس الدینیة، وعشرون في المائة من میزانیة البلد كانت تُصرف آنذاك علی التربية والتعلیم. وعلماء الدین عندنا یساندون التعلیم العصري ویوصون به". ليصل إلى الدعوة لـ"وضع مخطّطات عسكریة لمنع وقوع الخسائر في صفوف المدنیین".

وفي سياق "نصائحه"، تشديد على ضرورة إقامة "علاقات وطيدة مع الدول المجاورة، ومع دول المنطقة والعالم". وتوجّه الملا عمر في حديثه بشكل خاص، إلى باكستان وإيران، إذ "لا ننكر أنّنا نريد العلاقات الحسنة مع باكستان وإیران، بل ومع جمیع دول الجوار، وكما أننا نرید الخیر لشعبَي باكستان وإیران، ونریده لجمیع شعوب دول الجوار والمنطقة والعالم، وهي سیاستنا المتّفق علیها لصالح الجمیع".

ولد الملا محمد عمر عام 1960 في مديرية خاكريز في إقليم قندهار، معقل حركة "طالبان" في جنوب أفغانستان. توفي والده، وهو في الخامسة من عمره، فانتقل مع والدته إلى مديرية ديراوت في إقليم أورزجان المجاور لقندهار، حيث يمكث أعمامه. عاش الملا عمر في كنف أعمامه، الملا محمد جمعة والملا محمد أنور. بدأ يتعلم أصول الدين على يد عمه الملا جمعة.

ومع احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان عام 1979، ترك الملا عمر الدراسة، وهو في الـ18 من عمره، وانضم إلى فرق المجاهدين في إقليم أورزجان، وكان مسؤول جبهة للمجاهدين هناك. تولى قيادة المجاهدين في مديرية ديراوت في إقليم أورزجان، لشجاعته بين المجاهدين. انتمى إلى الحركة الإسلامية التي كان يقودها المولى محمدي، وهي أحد الأحزاب الجهادية السبعة. أصيب مرات عدة خلال المعارك، وفقد عينه اليمنى أثناء معركة ضد قوات الاتحاد السوفييتي.

عندما سقطت الحكومة الموالية للسوفييت، عام 1992، ودخل المجاهدون إلى كابول، قرر ترك الساحة الجهادية، وحيّد نفسه مع عدد من رفاقه المجاهدين بعد أن اندلعت الحروب الأهلية بين مختلف الفصائل الجهادية. مع تردي الأوضاع في أفغانستان واحتدام الحروب الأهلية بين مخلتف الفصائل الجهادية، قرر الملا عمر التحرك من جديد، كما يدعي أنصاره، وعقد اجتماعات مع علماء الدين بهدف القضاء على الفساد المنتشر في أزقة مدينة قندهار، إذ اتفق العلماء على محاربة الفساد، وعيّنوا الملا عمر أميراً لهم.

بدأ التحرك ضد ما وصفته "طالبان" بـ"قطّاع الطرق"، عام 1994. رافقه في بداية هذا التحرك عشرات الأشخاص، أطلقوا على أنفسهم، "حركة طالبان". استولت الحركة في غضون أيام على مدينة قندهار، ثم واصلت التحرك نحو الأقاليم الأخرى، إلى أن سيطرت على معظم المناطق الجنوبية. وبعد أن استولت الحركة على العاصمة الأفغانية كابول عام 1995، أعلنت حكومتها وأطلقت عليها، "الإمارة الإسلامية"، التي كانت تسيطر على نحو 95 في المائة من أفغانستان، وكانت تسعى باستمرار إلى السيطرة على باقي المناطق في شمال البلاد، التي كانت تسيطر عليها جبهة الشمال.

بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، اختفى الملا عمر مع بعض قيادات الحركة. ومنذ ذلك الوقت، لم يُعرف مكان إقامته، غير أنّه كان يدير الحركة من خلال بيانات تصدر عبر مواقع الحركة الإلكترونية. كثُر الحديث منذ أشهر قليلة، حول مقتله، وكانت الاستخبارات الأفغانية أوّل من أعلنت أن الملا عمر لقي حتفه قبل عامين. ومع نشوء "داعش"، برزت أصوات من داخل الحركة، تتحدث عن مقتل الملا عمر، وتطالب قيادات الحركة بتقديم أدلة، تؤكد أن زعيمهم لا يزال على قيد الحياة.

اقرأ أيضاً:فصيل منشق عن "طالبان" يعلن مقتل الملا عمر