14عاماً على حرب أفغانستان: عودة الأميركيين بذريعة "داعش"

14عاماً على حرب أفغانستان: عودة الأميركيين بذريعة "داعش"

11 سبتمبر 2015
لم توقف القوات الأميركية أعمالها بصورة نهائية بالمنطقة(فرانس برس)
+ الخط -
شكّلت أفغانستان في عام 2001، أولى ميادين الرد الأميركي المباشر على هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي في ذلك الحين، جورج بوش الابن، "الحرب على الإرهاب"، وهي العبارة التي سرعان ما تحولت إلى لازمة تتكرر مع كل قرار أميركي.  
يومها مهّد بوش للحرب على أفغانستان بحديث مطول عن تواجد تنظيم "القاعدة" وزعيمه أسامة بن لادن فيها، والدعم الذي يحظى به من نظام "طالبان"، محدداً للحركة سلسلة من المطالب التي تجاهلتها.
في السابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2001، أعلن بوش الحرب رسمياً بقوله "بناء على أوامري، بدأت القوات العسكرية الأميركية الغارات ضد معسكرات تدريب الإرهابيين التابعين لتنظيم القاعدة والمنشآت العسكرية لنظام طالبان في أفغانستان"، رابطاً بين هذه الحرب و"تعطيل استخدام أفغانستان كقاعدة للعمليات الإرهابية، فضلاً عن الهجوم على القدرة العسكرية لنظام طالبان"، لتغرق البلاد منذ ذلك الحين، وعلى مدى أكثر من 10 سنوات، في حرب متواصلة، لم تفلح في القضاء لا على تنظيم القاعدة ولا على حركة طالبان. 
تحولات عديدة طرأت على "عملية الحرية الدائمة"، وإن بشكل تدريجي، لكنها جعلت قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان "إيساف" في نهاية المطاف تتولى مع مرور السنوات جزءاً أساسياً من المهام العسكرية في البلاد.
أما إعلان الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في "الحرب على الإرهاب"، نهاية عام 2014، إنهاء مهمتها القتالية في أفغانستان، وإبقاء جزء من قواتها حتى نهاية عام 2016، بهدف تدريب القوات الأفغانية، فقد أظهرت الأحداث طوال الأشهر الماضية أنه لم يدخل حيز التنفيذ إذ لم تتمكن هذه القوات، إلى الآن، من وقفت عملياتها القتالية.
ونظراً للمعطيات الميدانية، أصابت توقعات الأفغان أنّ القوات الأميركية لن توقف أعمالها القتالية بصورة نهائية، آنذاك، لكنّها قلّت بسبب الضغوطات الشعبية على القوات الأميركية والحكومة الأفغانية.

وتشير القبائل الأفغانية ومصادر في الحكومة والأمن الأفغانيين إلى أن القوات الأميركية تشّن، بين الحين والآخر، عمليات ضد المسلحين، لكنّها في معظم الأحيان تكون بالتنسيق مع القوات الأفغانية. وكانت العملية الأخيرة في شمال العاصمة الأفغانية كابول، التي أحرقت من خلالها القوات الأميركية كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة التي كانت بحوزة مسلحي جبهة الشمال، خير دليل على ذلك، بحسب المصادر.

أثارت تلك العملية الأخيرة ضجة كبيرة في أوساط قيادات جبهة الشمال ومسؤولين في الحكومة الأفغانية على صلة بالجبهة. كادت أن تخلق العملية فجوة بين الرئيس الأفغاني، أشرف غني، والرئيس التنفيذي لأفغانستان، عبدالله عبدالله، بعدما اتهمت جبهة الشمال، الحكومة الأفغانية بمحاولة تهميش من وصفتهم بـ"المجاهدين"، إلّا أنّ عبدالله تمكّن من تفادي الخلاف وتهدئة الوضع.

لم يكن الحادث الأوّل ولن يكون الأخير، حسب ما لمّحت إليه قيادات في القوات الأميركية الموجودة في أفغانستان، مشيرة إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد تعيد النظر في جدول انسحاب ما تبقى من قواتها في أفغانستان، بعدما بسط تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) سيطرته على مناطق في البلاد.

وكان الجنرال الأميركي، ويلسن شوفنر، آخر من تحدّث عن الأمر، قائلاً إنّ "جدول انسحاب القوات الأميركية قد يتغير نظراً للمعطيات الميدانية في أفغانستان، خصوصاً بعدما بسط تنظيم داعش نفوذه". وأشار شوفنر في تصريحه الصحافي الأخير إلى أنّ المعارك التي اندلعت في شرق أفغانستان وجنوبها بين مسلحي حركة "طالبان" وتنظيم "داعش"، دلّت على قوة الأخير. وشدّد  شوفنر على أنّ القوات الأميركية تعمل مع قوات الأمن الأفغانية للقضاء على قوة كل الجماعات التي تعبث بأمن أفغانستان والمنطقة.

اقرأ أيضاً: الجيش الأفغاني يستعيد منطقة استراتيجية من مسلحي "طالبان"

ونقلت بعض وسائل الإعلام الأفغانية، تزامناً مع التصريحات الأميركية، تسريبات أوردتها صحيفة "مِيرُر" البريطانية، التي ذكرت في تقريرها أنّ بريطانيا أرسلت إلى أفغانستان، مرة أخرى، قواتها الخاصة للمشاركة في العمليات الخاصة ضد "طالبان" و"داعش". وذكرت الصحيفة أن الحكومة البريطانية، أعلنت، قبل عام، إنهاء مهمة قواتها القتالية في أفغانستان، غير أنّها تراجعت عن هذا القرار، قبل ستة أشهر، وأرسلت قواتها الخاصة إلى أفغانستان التي تشارك مع القوات الأميركية في العمليات الليلية ضد "طالبان" و"داعش"، وتداهم منازل الأفغان.

لكن الصحيفة لم تتحدّث عن المناطق التي تشن فيها القوات البريطانية والأميركية العمليات ضد المسلحين، كما لم تذكر المصدر الذي نقلت عنه الخبر، إلّا أن القبائل في شرق وجنوب أفغانستان، أكّدت أن القوات الأميركية والبريطانية تداهم ليلاً من حين إلى آخر. لكن ثمة فرق بين عمليات القوات الأميركية والبريطانية الحالية وبين تلك التي كانت تجريها إبان حكم الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، إذ إن العمليات الحالية تجرى بالتنسيق مع القوات الأفغانية الخاصة أو بمطالبة استخبارات الدولة، التي تحاول إلى حد كبير تفادي الخسائر في صفوف المدنيين، كما تدعي السلطات.

بموازاة ذلك، كثّفت القوات الأميركية غاراتها الجوية بطائرات من دون طيار ضد مسلحي "طالبان" و"داعش". وتُعد الغارات الجوية سلاحاً فتاكاً في وجه المسلحين، ولا سيما أنّها أودت بحياة العديد من قيادات "طالبان" و"داعش" وتنظيم "القاعدة". وتدعي الاستخبارات الأفغانية أن الغارات الأميركية استهدفت، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عدداً كبيراً من القيادات في التنظيمات المسلحة، مقارنة بالأعوام العشرة الماضية. ويعود السبب في ذلك، بحسب مراقبين أفغان، إلى أنّها نُفّذت وفق معلومات دقيقة قدّمتها الاستخبارات الأفغانية.

ويشير المراقبون أنفسهم، إلى أنّ السبب الآخر، يعود إلى أنّ الغارات الأميركية صاحبت عمليات للقوات الأفغانية والأميركية الخاصة، في الوقت عينه، كما حصل في عملية مديرية أتشين في 10 يوليو/تموز الماضي، التي أودت بحياة قيادات في تنظيم "الدولة الإسلامية"، من بينهم القياديان البارزان، غل زمان وشاهد الله.

وعلى عكس ما تدعيه القوات الأميركية، باعتبار غاراتها أكثر دقة، وأنّها لا تخلف الخسائر في صفوف المدنيين، تشير مصادر أفغانية إلى أنّ تلك الغارات أسفرت، في معظم الأحيان، عن مقتل مدنيين أبرياء. كما تمّ أحياناً استهداف جنود أفغان، على غرار ما حصل في إقليم لوجر الشهر الماضي. وتعتبر المصادر نفسها أنّ استهداف المواطنين يستفز الشعب الأفغاني، كما أنّه سيزيد من الكراهية لديهم إزاء القوات الأجنبية.

في هذا السياق، يقول أحد سكان المنطقة، بشير أغام لـ"العربي الجديد"، إنّه أواخر الشهر الماضي، "هرب سكان المنطقة من المعارك الدائرة بين طالبان وداعش، وتجمّعوا في الحقول القريبة من منطقة توره بوره الجبلية، حيث تم استهدافهم بطائرة من دون طيار، ما أدى إلى مقتل 56 مدنياً". من هنا، تعتبر المصادر أنّ عودة القوات الأميركية والبريطانية إلى العمل القتالي ضد "طالبان" و"داعش" واستمرار الغارات الجوية، قد يخلق فجوة بين الحكومة الأفغانية والشعب، ولا سيما أنّها تأتي في وقت أثبتت القوات الأفغانية قدرتها على مواجهة المسلحين.

اقرأ أيضاً البنتاغون: "داعش غير ناضج" في أفغانستان

المساهمون