تركيا: مذبحة أنقرة في بازار الحملات الانتخابية الحزبية

تركيا: مذبحة أنقرة في بازار الحملات الانتخابية الحزبية

12 أكتوبر 2015
الأحزاب تستغل التفجير لاستمالة الناخبين (جوخان تان/Getty)
+ الخط -
لم تمض ساعات على التفجير المروع الذي ضرب العاصمة التركية أنقرة وأوقع 95 قتيلاً وأكثر من مائتي جريح، حتى بدأت مختلف الأحزاب السياسية التركية بتوظيف التفجير لتحقيق مكاسب سياسية على المستوى الداخلي، قبل أقل من 20 يوماً على موعد الانتخابات البرلمانية العامة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فيما غابت الأزمة السورية والمنطقة الآمنة والحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عن الحوارات، على الرغم من إفصاح مصادر أمنية تركية لوكالة "رويترز" عن وقوف "داعش" خلف الجريمة.

اقرأ أيضاً: تركيا: حرب "الكردستاني" تسابق الانتخابات المبكرة

وشكل الانفجار الأخير فرصة استثنائية أمام الأحزاب السياسية التركية لقلب المعادلة قبل الانتخابات البرلمانية، وذلك بعدما نجح حزب "العدالة والتنمية" الحاكم خلال الفترة الأخيرة بتجنب الأخطاء التي وقع بها خلال الانتخابات البرلمانية الماضية في يونيو/حزيران الماضي، بحيث لجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حماسه المعتاد، وابتعد عن الجدل الانتخابي، ولم يشارك كما الانتخابات السابقة بتنظيم حشود جماهيرية والترويج لحزب "العدالة والتنمية". 

في المقابل، استطاع رئيس الحزب أحمد داود أوغلو، أن يدير حملة انتخابية هادئة، بعيدة عن الصراعات الأيديولوجية التقليدية مع باقي الأحزاب، بين "محافظين داعمين للديمقراطية وعلمانيين مساندين للديكتاتورية". ورغم بقاء النظام الرئاسي أحد أهداف الحزب الرئيسية، إلا أن الحملة الانتخابية ركّزت، هذه المرّة، على البرنامج الحزبي الموجّه للشأن الداخلي، سواء فيما يتعلق بالوعود الاقتصادية، أو تلك الموجهة للشباب والمرأة والمتقاعدين.

وفي خطوة استباقية لأي استغلال للحادث، كان أردوغان أول من دان الانفجار، في محاولة لتفويت الفرصة على المعارضة للاستفادة منه، واضعاً إياه في سياق "الهجمة الإرهابية" التي تتعرض لها البلاد، قائلاً "أُدين هذا الهجوم المقيت الذي يستهدف وحدتنا والاستقرار في بلادنا، حيث لا يوجد فرق بين الهجمات التي استهدفت في وقت سابق قوات الجيش والشرطة وحماة القرى وموظفي الدولة ومواطنيها الأبرياء، وتلك التي حصلت اليوم في مدينة أنقرة". 

وأضاف أن "الهدف من وراء هجوم أنقرة، هو الإيقاع بين مكوّنات المجتمع المختلفة، لذلك على الجميع أن يتصرّف بمسؤولية وحذر، وأنا أدعو الجميع إلى الوقوف في وجه الإرهاب وليس إلى جانبه"، في إشارة إلى حزب "الشعوب الديمقراطي"، الذي تتهمه الحكومة بمساندة حزب "العمال الكردستاني".

وفيما بدأت الحرب بين أنقرة و"الكردستاني" إثر انفجار سوروج الذي أوقع 33 قتيلاً، توقفت المعارك بتفجير أنقرة، إذ أعلن "الكردستاني" بعد ساعات من التفجير عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، وذلك في محاولة لدعم "الشعوب الديمقراطي"، بالابتعاد عن المشهد الانتخابي.

بدوره، حاول "الشعوب الديمقراطي" قلب المعادلة الانتخابية الحالية، عبر استغلال الهجوم، للعودة إلى الأضواء، وذلك بعد نجاح "العدالة والتنمية"، في إعادة نفسه إلى الأضواء، ليكون السؤال الأهم والمحرك الرئيسي في هذه الانتخابات "هل سينجح العدالة والتنمية في استعادة الغالبية البرلمانية التي تتيح لها التفرد في تشكيل الحكومة المقبلة؟"، وذلك بعدما كان السؤال الأهم في الانتخابات السابقة "هل يستطيع الشعوب الديمقراطي اجتياز العتبة الانتخابية؟"؛ السؤال الذي بات في الانتخابات الحالية، وفق استطلاعات الرأي، أمراً محسوماً بالإيجاب.

وبعد ساعات على انفجار أنقرة، خرج الرئيس المشارك لحزب "الشعوب الديمقراطي"، صلاح الدين دميرتاش، ليتهم السلطات بالوقوف وراء الحادث، داعياً رئيس الوزراء التركي إلى الاستقالة، قائلاً "لو كنت رئيس الوزراء، لقدمت استقالتي. وأي رجل لديه كرامة لن يستقيل فقط أمام هجوم كهذا، بل سينتحر"، مضيفاً "أوجه ندائي بالذات لداود أوغلو، فيما لا تزال الجثث في المشرحة، تمّ اتهامنا بالتفجير. أنت لست حتى رئيس وزراء. أنتم حزب وضع يده على حكم البلاد بالقوة. في كل كلمة يلقونها ينطلقون من محاولة تحريك الشعب، إنّ من يمنحكم صوته تعتبرونه مواطناً، أما الباقون فقتلهم يصبح واجبا".

وبعدما اتهم السلطة بالتقصير في التحقيقات في كل مرّة، سواء في مجزرة سوروج أو غيرها، بدأ دميرتاش بلعب دور الضحية، الذي كان أهم الأوراق التي نجحت الأحزاب التركية في استخدامها للوصول إلى السلطة، كما حدث مع "العدالة والتنمية" الذي كان يمثل مظلومية المتدينين، قائلاً إن "هذه ليست لعبة أطفال، نحن القتلى، نحن الشرطة والجيش، نحن الأكراد والأتراك، وبوصفنا أولاد الفقراء نحن من نموت". وأضاف "نحن من يموت، لذلك ليس علينا أن نُحاسَب. أنتم مسؤولون عن جميع القتلى، وسنستمر في نضالنا للوصول إلى نظام قضائي محايد، النظام الذي لا تريدونه".


 في غضون ذلك، أعلن داود أوغلو أن جميع الدلالات تؤكد بأن الهجوم كان بعمليتين انتحاريتين، مشيراً إلى أن لائحة المتهمين بالوقوف وراء التفجير تضم أربعة تنظيمات وهي كل من حزب "العمال الكردستاني"، وتنظيم "داعش"، و"جبهة تحرير الشعب الثورية" (منظمة يسارية راديكالية محظورة)، وأيضاً الحزب "الشيوعي الماركسي اللينيني".

وأكد داود أوغلو أنه يلتقي مع كل من قيادات حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) وحزب "الحركة القومية" (يميني متطرف) للتشاور في التفجير وإطلاعهم على التفاصيل، مستثنياً من ذلك لقاء دميرتاش بسبب اتهامه الدولة بالوقوف وراء التفجير، مشدداً على أن الهجوم موجه لتركيا كلها، وليس ضدّ مجموعة بعينها، قائلاً "لم يستهدف الهجوم مجموعة بعينها، أو المواطنين الذي شاركوا في المسيرة بل كان الهدف هو الشعب كله".
وفيما وافق زعيم "الشعب الجمهوري"، كلجدار أوغلو، على المقابلة التي تعقد في مبنى رئاسة الوزراء، بدأ تأثير الحملات الانتخابية مرّة أخرى واضحاً، عندما رفض زعيم "الحركة القومية"، دولت بهجلي، لقاء داود أوغلو، بعدما حمّل سياسات "العدالة والتنمية"، الخارجية والداخلية مسؤولية الهجوم.

اقرأ أيضاً: تفجيرات أنقرة... هل تعيد خلط الأوراق تركياً وسورياً؟

ويعود رفض بهجلي اللقاء لأسباب عديدة، أولها وضع خط واضح للفصل بين الحزبين اللذين ينتميان معاً لتيار "الإسلام التركي"، وردّاً على حملة "العدالة والتنمية" التي تحاول استمالة أصوات الحركة القومية عبر التركيز على انتقاد بهجلي بمنحه لقب "السيد لا"، واتهامه بعدم تحمل مسؤولياته تجاه الدولة ورفضه المشاركة في أي حكومة، سواء دائمة أو حتى الحكومة المؤقتة للإشراف على الانتخابات.

المساهمون