أحمد عوض بن مبارك: رجل الرئيس اليمني للمهمات الصعبة

أحمد عوض بن مبارك: رجل الرئيس اليمني للمهمات الصعبة

09 أكتوبر 2014
بن مبارك يلقى معارضة من الحوثيين وصالح(محمد حويص/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن اختيار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أحمد عوض بن مبارك لرئاسة الحكومة الجديدة المقرر تشكيلها وفقاً لاتفاق "السلم والشراكة"، بعد أسبوعين من النقاشات والمداولات مع مختلف القوى السياسية، محض صدفة. أتى الرئيس اليمني بجنوبي مقرب منه وخبير في إدارة الحوارات والأزمات، ولديه علاقاته بالسفارات الغربية، لكنّ مهمته قد لا تبصر النور في ظل الاعتراضات على قرار اختياره. وهي الاعتراضات التي تصدّرتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) التي سيطر مسلحوها على صنعاء.

وعلى الرغم من الحديث عن تفويض المكوّنات السياسية لهادي في اختيار شخصية رئيس الوزراء، ما إن تم الاعلان عن تسمية بن مبارك، حتى أعلن عبده الجندي المتحدث باسم حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يقوده الرئيس السابق علي عبد الله صالح، رفضه القرار، ووصفه بأنه "غير موفق"، في حين أعلن قياديون "حوثيون" رفض جماعتهم قرار تعيين بن مبارك، مفيدين بأن ممثل الجماعة انسحب من لجنة مستشاري هادي أثناء إقرار التعيين.

وستتكفل الأيام القليلة المقبلة في إظهار مدى تأثير رفض صالح و"الحوثيين" قرار التعيين، إذ يرجّح محللون سياسيون أنّ موقف هذين المكونين، ليس نهائيّاً وقابلاً للتراجع بعد أن يتلقيا وعوداً بتوسيع حصتهما في الحكومة. والأرجح أن مثل هذا الأمر قد ينطبق أكثر على موقف حزب صالح، فيما يبدو موقف "الحوثيين" مرشحاً للتصعيد.
وبانتظار تحديد مصير بن مبارك الوزراء، تبقى حقيقة أن الأخير قفز خلال عامين فقط، من أستاذ جامعي إلى أبرز المناصب في الدولة في أكثر اللحظات مصيرية للبلاد. ابن جنوب اليمن الذي ولد في عدن عام 1968 لأسرة حضرمية، حصل على شهادة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة بغداد، وعمل في جامعة صنعاء في قسم إدارة الأعمال للدراسات العليا، قبل أن يُعرف اسمه أثناء "ثورة التغيير" عام 2011، كأحد الأكاديميين المنضمين الى "الثورة".

خلال الفترة الانتقالية، عُيّن عضواً في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار عام 2012، ثمّ أميناً عاماً لمؤتمر الحوار الوطني، الذي أقيم على مدى عشرة أشهر عام 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2014. تبع ذلك، تعيينه مقرراً للجنة تحديد الأقاليم، ثم مديراً لمكتب رئاسة الجمهورية، خلفاً لنصر طه مصطفى، الذي عين وزيراً للإعلام.

مرشّح هادي

يُعتبر بن مبارك، مرشح الرئيس، عبد ربه منصور هادي، بامتياز. وبحسب ما كشفته مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، فإنّ هادي، طرح اسمه منذ بداية المداولات حول تسمية رئيس جديد للحكومة، لكنّ ترشيحه لاقى رفضاً من بعض القوى السياسية.
ويبدو أن هادي، عاد الى اختياره بعد اعتذار المرشحين الآخرين المتوافق على أسمائهم مع الأطراف الأخرى، عن تسلّم المنصب. وسبق لهادي أن عيّنه موفداً خاصاً له إلى اجتماع في الأمم المتحدة، وكذلك إلى اجتماع مجلس التعاون الخليجي على مستوى وزراء الخارجية، متجاهلاً وزير الخارجية حينها، أبوبكر القربي، وهو ما يعكس مدى ثقة هادي في موفده.

يأتي رئيس الوزراء المستقل، من خلفيّة غامضة إلى حدّ ما. متابعة دراسته في العراق تدفع البعض إلى وصفه بأنه "بعثي"، لكنّ من يعرفونه عن كثب، يشككون في ذلك، ويرون أن علاقاته بالغرب تغلب على أية خلفيّة أخرى. خلال العامين الماضيين، عُرف بن مبارك بأنّه "رجل هادي" المميز، ويتردد أنه يحظى بدعم قوي من السفارة الأميركية، ومن المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر. ولا يتردّد قيادي ناصري في وصفه بأنّه "رجل سفارات من الدرجة الأولى". 

لم يُعرف عن مبارك أنّه رجل قرار أو صاحب توجّه معيّن، بقدر كونه رجلاً "تنفيذيّاً"، يلتزم بالحديث الرسمي وهو، على حدّ تعبير أحد معارضي تعيينه، يتحرّك بـ"الريموت كونترول". ويُنقل عنه، لدى سؤاله من أحد الصحافيين خلال انعقاد الحوار عن بعض الإشكالات، ما مفاده، إنّ مؤتمر الحوار صمّمه خبراء أميركيون وأمميون وليس من السهل التعديل في سياسات إدارته.

ينظر بن مبارك إلى أزمة اليمن على أنّها "أزمة هويّة، وليست أزمة سياسيّة"، وفق ما ذكره في إحدى مقابلاته التلفزيونيّة، العام الماضي. وأثار هذا التوصيف انتقاد مثقفين وكتّاب يمنيين، اعتبروا أنها لا تنبي إلا عن أزمة في التصور والتقييم لدى بن مبارك. وعلق وزير الثقافة الأسبق، خالد الرويشان، بأنّ هذه العبارة "لم يقلها أحد عبر خمسة آلاف سنة من عمر حضارة وثقافة هذا البلد"، مستغرباً القول إن "اليمن الذي أعطى للعرب هويتهم، يعيش أزمة هويّة، كيف؟". 

موفد سرّي إلى صعدة

ومن أبرز النقاط التي أثارت الجدل في الفترة الأخيرة، إيفاد هادي بن مبارك، إلى صعدة ولقائه زعيم جماعة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، في مهمّة غير معلنة تكلف بها إلى جانب وزير الأوقاف والإرشاد حمود عباد. وبحسب صحيفة "الوسط" اليمنيّة الأسبوعيّة، فقد طلب الحوثي، الجلوس الى بن مبارك على انفراد، وبعد يومين من زيارة الوفد إلى صعدة بدأت جماعة "الحوثي" التصعيد، بإقامة مخيمات اعتصام مسلحة على مداخل صنعاء للمطالبة بإسقاط الحكومة وإلغاء قرار الجرعة وتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار. وبحسب القيادي في حزب "المؤتمر"، ياسر اليماني، وهو معارض للرئيس، فإن هادي أعطى الحوثي بواسطة بن مبارك، إشارة البدء في إسقاط صنعاء. 

أكثر من ذلك، ووفق التقرير المعلن للجنة الوطنيّة الرئاسيّة التي أوفدها هادي، في 22 أغسطس/حزيران الماضي، في مهمّة معلنة إلى صعدة للتفاوض مع الحوثي، برئاسة نائب رئيس الوزراء، أحمد بن دغر، فقد طلب الحوثي من اللجنة، بعد وصول المفاوضات إلى طريق "مسدود"، بأن تأتي ببن مبارك ليتفاوض معه، على الرغم من أنّه لم يكن عضواً في اللجنة، التي عادت بعد 3 أيام من صعدة لتعلن فشلها. 

وفي الجلسة الأخيرة لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة محمد سالم باسندوة، هاجم الأخير بن مبارك، واتهمه بأنه أحد "المتآمرين" على حكومة "الوفاق" بالتنسيق مع هادي و"الحوثيين"، قبل أن ينسحب باسندوة غاضباً من الجلسة، التي اتهم فيها هادي أيضاً بـ"التآمر" على الحكومة. ولم يتردد هادي، في جلسة ثانية ترأسها في مهاجمة باسندوة واتهامه بـ"الخرف". 

على طاولة بن مبارك

ولا تبدو مهمة بن مبارك سهلة في ظل أزمة اليمن ووجود تحديات كثيرة، أولها تشكيل الحكومة وتسمية أعضائها، في مدة قياسية، وكسب ثقة الأطراف السياسية التي عارضت تعيينه. بعد ذلك، سيجد بن مبارك نفسه وحكومته أمام جملة تحديات، في مقدّمها إعادة بسط سلطة الدولة على صنعاء وبقية أرجاء البلاد. ويبدو هذا التحدي أكثر صعوبة بعد أن أصبحت العاصمة تحت تصرف مسلحي جماعة "الحوثيين".

ويُشكّل التوافق والانسجام بين مكونات حكومته كافة، تحديّاً إضافيّاً لبن مبارك، وهو تحدّ يمتلك خبرة جيدة فيه من خلال إدارته مؤتمر الحوار الذي ضم تسعة مكونات مختلفة، على أن انعدام أي خلفيّة سابقة لبن مبارك، في العمل الوزاري وجلسات مجلس الوزراء، من شأنه أن يفرض على الرجل فترة زمنية، حتى يستوعب بشكل عملي بيئة العمل الجديدة.

إلى ذلك، يبرز التحدي الاقتصادي الذي ازدادت أهميته بعد تراجع حكومة "الوفاق" السابقة عن الزيادة السعرية الكبيرة، التي كانت فرضتها على المشتقات النفطية، وهذا التحدي هو المحكّ الذي يثبت فيه بن مبارك كفاءته الأكاديمية والإدارية في آن، كأستاذ في إدارة الأعمال، وخبير في دراسات الجدوى ومعايير الجودة.