تونس: سيناريوهات ما بعد إغلاق صناديق الاقتراع

تونس: سيناريوهات ما بعد إغلاق صناديق الاقتراع

23 نوفمبر 2014
ترجيحات باستمرار الاستقطاب في تونس (فضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

عندما تغلق صناديق الاقتراع وتفصح عن أسرارها، مساء اليوم الأحد، لتكشف عن المرشحَين اللذين سيخوضان الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، كما هو مرجح، في ظل صعوبة حسم السباق الانتخابي من الدورة الأولى، سيبدأ التونسيون في التساؤل حول المستقبل. مستقبل العملية السياسية وانعكاساتها على حياتهم خلال السنوات الخمس المقبلة.

سيكون من المستبعد جداً أن يفوز مرشح وحيد بأغلبية حاسمة في الدورة الأولى، وذلك لاعتبارات تتعلق بالسياق العام وبنوعية المرشحين، وبالمعطيات التي خلفتها نتائج الانتخابات البرلمانية. حتى الذين انتقدوا بشدة حالة الاستقطاب الثنائي بين أبرز مرشحين زعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي من جهة، والرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي من جهةٍ ثانية، لم يستطيعوا منع ذلك أو أن يضعوا حداً لاستمراره وتصاعد وتيرته إلى آخر لحظة. بل إن حركة النهضة قد وجدت نفسها متهمة بتغذية هذا الاستقطاب على الرغم من أن قرارها الرسمي بعدم مساندة أي مرشح أو مناهضة آخر، ومع أنها أكدت في بيان أصدرته قبل يومين من تاريخ بدء الاقتراع أنها ضد الاستقطاب الذي من شأنه أن يؤدي إلى انقسام التونسيين.

ويستمر الاستقطاب الثنائي بشكل حاد، ما دفع ببعض المرشحين إلى الانسحاب قبل نهاية السباق، خوفاً من أن تكون النتيجة قاسية ومؤذية لمستقبلهم السياسي.

وانطلاقاً من فرضية فوز مرشحين اثنين واستبعاد نجاح مترشح واحد بالضربة القاضية، من دون أن يعني هذا استحالة احتمال حدوث مفاجأة في آخر لحظة، فإنه يمكن القول إن المرحلة المقبلة ستفضي إلى عدد من الاحتمالات.

مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، ستشهد تونس موجة أخرى أكثر وضوحاً لحالة الاستقطاب والانقسام الحاد. الذين سيخرجون منهزمين من الجولة السابقة سيصطف جمهورهم وراء أحد الفائزين، مما سيوسع من رقعة الانقسام المجتمعي.

وفي حال انتقل السبسي والمرزوقي إلى الجولة الثانية، سيعني ذلك أن ما بدأ في الجولة الأولى سيتواصل بقوة طيلة الأسابيع الأربعة المقبلة.

أنصار المرزوقي سيستمرون في اتهامهم السبسي بكونه أحد رموز المرحلة السابقة، وما تمثله من استبداد وإعادة إنتاج المنظومة القديمة، مؤكدين أن البلاد في حاجة إلى رئيس ثوري وديمقراطي وحقوقي، ولا يملك وراءه ماضياً تحوم حوله نقاط استفهام، كما يقول خصوم السبسي.

في المقابل، ستتكثف جهود أنصار السبسي في الدفاع المستميت عن شخصيته بالقول إنه الأقدر على قيادة البلاد بحكم خبراته المتراكمة، وأنه يختزن ثقافة الدولة، والأقرب إلى التونسيين. كما سيترافق ذلك مع تضخيم هفوات المرزوقي في ممارسة السلطة من أجل التقليل من شأنه، والتخويف من احتمال بقائه في الرئاسة.

أما في حال استبعاد الجولة الثانية وحسم الأمر لصالح أحد هذين المرشحين، سيكون هناك سيناريوهان. يتمثل الأول في نجاح السبسي برئاسة الجمهورية، فسيشكل ذلك فرصة له ولحزب "نداء تونس" للتحكم في البرلمان وفي مؤسستي السلطة التنفيذية. ولهذه الحالة وجهان. أولهما أن يساعد هذا الجمع على ضمان استقرار مؤسسات الدولة وتحقيق الانسجام بينها من خلال التعاون الذي سيكون بين رئيس الدولة وبين الحكومة التي سيعينها حزبه الذي بدوره يمثل الحزب الذي يتمتع بأكثر المقاعد في البرلمان. لكن الوجه الآخر يتمثل في أن يتم استغلال هذه الوضعية الجديدة لتركيز سلطة القرار في يد واحدة، وبالتالي فتح المجال لاحتمال الانفراد بالنفوذ، وإعادة البلاد إلى مربع الاحتكار السياسي، واستعادة منظومة الاستبداد.

هذا السيناريو يتطلب من السبسي طمأنة الجميع، من خلال اتخاذه في حال فوزه، العديد من القرارات التي من شأنها أن تطمئن الرأي العام وبالأخص النخب السياسية المختلفة معه. ويكون المؤشر على ذلك طبيعة الحكومة وتركيبتها، وما إذا ستكون ثمرة حوار واسع مع مختلف الأطراف الفاعلة، أو أنها ستأتي وليدة تركيبة مثيرة لمخاوف خصوم "حزب نداء تونس".

أما السيناريو الثاني فيتجسد في استمرار المرزوقي في منصب رئيس الجمهورية. وهذا الاحتمال له أيضا وجهان. الأول كونه سيوفّر الاستمرارية لرجل بقي في هذا الموقع ثلاث سنوات. كما أنه بحكم كونه من خارج سياق حزب "نداء تونس" سيؤدي الدور الضاغط لتحقيق التوازن بين رئاسة الجمهورية والحكومة، مما سيحول دون التغول الذي كثر الحديث عنه طيلة الأسابيع الماضية. كما أنه سيكون بمثابة الشاهد الذي يعمل على منع أي احتمال لعودة المنظومة السابقة.

في مقابل هذا الاحتمال، هناك فرضية يشير إليها الكثير من المراقبين وحتى خبراء القانون الدستوري، وتتعلق بالصراع المحتمل الذي يمكن أن ينشأ ويتطور سلبياً بين المرزوقي من جهة، وبين رئاسة الحكومة والكتلة البرلمانية المناهضة له من جهة ثانية.

وكانت الحملة الانتخابية خلال الأسابيع الأخيرة قد سلّطت الضوء على موجة إقصائية متبادلة، كشفت عنها الشعارات والتصريحات والممارسات. وهو ما من شأنه أن يخلف جراحاً سيكون من الصعب تجاوزها بسهولة، على الرغم من أن المرزوقي قد أكد من جهته بأنه في حال نجاحه سيكون متعاوناً مع الحكومة المقبلة ومع البرلمان.

وعلى الرغم من أن التونسيين سيحملون معهم هواجسهم للمستقبل القريب وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في خطوة أولى وغير مسبوقة لاختيار رئيس لهم من بين عدد من المرشحين، فإن المؤكد أن هذه اللعبة مميزة بكل احتمالاتها ومفاجآتها ونقائصها وتعثراتها. التونسيون في هذه الأيام يصنعون تاريخهم بإرادتهم بعيداً عن كل وصاية، سواء من قائد يخضعون له من دون إرادة منهم أو من قبل قوة أجنبية تريد أن تهيمن على مقدراتهم.