هوكشتاين والحدود البرية بين لبنان وإسرائيل: ترسيم أم تصحيح؟

هوكشتاين والحدود البرية بين لبنان وإسرائيل: ترسيم أم تصحيح؟

02 سبتمبر 2023
هوكشتاين في بيروت، الخميس (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

غادر مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، عاموس هوكشتاين، بيروت، أمس الأول الخميس، وبجعبته ملفّ الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة بعد وساطة طويلة أجراها، أنجز خلالها اتفاق الترسيم البحري اللبناني الإسرائيلي، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، الذي وصفته واشنطن بـ"التاريخي"، وأدخل لبنان مرحلة التنقيب عن النفط والغاز.

وأجرى هوكشتاين على مدى يومين لقاءات مع مسؤولين لبنانيين سياسيين وعسكريين، كما قام بجولة ميدانية جنوباً، وتفقد أعمال "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل)، وأخرى سياحية في بعض المناطق اللبنانية، أبرزها في بعلبك التي تعد من معاقل "حزب الله"، حيث زار قلعة المدينة إلى جانب السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا. وقبيل مغادرته بيروت، أعلن أنّ "الوقت حان لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل".

وقال هوكشتاين إنه ذهب إلى الجنوب ورأى بنفسه الخط الأزرق والمناطق المحيطة به، لفهم ومعرفة المزيد حول ما هو مطلوبٌ من أجل تحقيق السلام، وتحقيق النتيجة المحتملة، وقد استمع إلى آراء الحكومة اللبنانية بهذا الخصوص، وحان الوقت كي يسمع أيضاً من الجانب الآخر وجهة نظره "وإجراء تقييم ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لإجراء تلك المحادثة، وإذا كان لدينا فرصة سانحة لنتمكن من تحقيق ذلك"، مشدداً على أن "حل النزاعات طويلة الأمد، هو دائماً أمر يمكن أن يفيد البلاد".

توترات الحدود البرية

وعاد ملف الحدود البرّية إلى الواجهة من جديد بعد التوترات الأخيرة على الحدود الجنوبية اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ولا سيما تلك المرتبطة بالخيمة التي نصبها "حزب الله" في مزارع شبعا، والأشغال في قرية الغجر.

وهي أحداث حازت بدورها على حيّز من النقاشات في جلسة مجلس الأمن الدولي الخميس، قبل تجديد مهام قوات "اليونيفيل" العاملة جنوب لبنان، سنة إضافية.


مصدرٌ نيابي في "حزب الله": لا شيء بالنسبة إلينا اسمه ترسيم حدود برية ولبنان يريد استعادة النقاط المحتلة

وكشف الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في كلمة له، الشهر الماضي، بمناسبة الذكرى السنوية الـ17 للعدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/تموز 2006، عن بدء وساطات أميركية وأوروبية وأممية وكلام مع الدولة اللبنانية لضبط التطورات الحاصلة في الجنوب. واعتبر أن قيمة الخيمة أنها أضاءت من جديد على كل الوضع على الحدود، وباعتبار أن الموضوع يمسّ الإسرائيلي، فقد تحرّك الأميركيون، والأمم المتحدة والدول الغربية والمجتمع الدولي، وبعض اللبنانيين.

وقال مصدرٌ نيابي في "حزب الله"، لـ"العربي الجديد"، إن "المحادثات التي يقوم بها هوكشتاين مشكورة، ولكن لا شيء بالنسبة إلينا اسمه ترسيم حدود برية، ولبنان يريد استعادة النقاط المحتلة، ولن يتنازل عن أي شبرٍ من أراضيه".

وأضاف: "إذا كان هناك من تحرّك يجب أن يقوم الخارج به، فهو من الأميركيين والأمم المتحدة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية البرية، ومنها في بلدة الغجر، التي هي أرض لبنانية محتلة، وحدودها مرسّمة، وجيش العدو يقوم بأشغال فيها، كما ودفع الإسرائيلي للانسحاب من النقاط اللبنانية".

وبحسب الجيش اللبناني، فإن طول الحدود البرية مع فلسطين المحتلة يبلغ 100 كيلومتر وفق القرار 1701، وينتشر على هذا الخطّ لواءان وفوج تدخل، لواء المشاة الخامس من الناقورة إلى رميش، ولواء المشاة السابع من العديسة إلى شبعا وجبل الشيخ، وفوج التدخل الخامس من يارون إلى العديسة، وثمة 13 منطقة متحفّظ عليها هي مناطق لبنانية.

اللواء عبد الرحمن شحيتلي الذي ترأس الوفد اللبناني في مفاوضات الخط الأزرق في الناقورة بين عامي 2007 و2013، قال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن الوسيط الأميركي "يُخبّص"، إذ لا مشكلة حدود برية بين لبنان وإسرائيل، فالحدود البرية معترف بها دولياً، والمشكلة هي بين لبنان والأمم المتحدة التي رسّمت خطاً لا يتطابق مع الحدود الدولية بـ13 نقطة، وهو الخط الأزرق، لذلك على الأمم المتحدة أن تصحح الخطأ الذي ارتكبته برسمها خطاً لا يتطابق مع الحدود الدولية.

ولفت شحيتلي إلى أن لبنان يريد تصحيح الخط الأزرق حتى يتطابق مع الحدود الدولية المسجلة في الأمم المتحدة، أما إسرائيل فتطلب تعديل الحدود حتى تتطابق مع الخط الأزرق، معتبراً أنه يمكن للوسيط الأميركي أن يثير موضوع ترسيم الحدود البرية، وهذا موضوع ثانٍ، لكن الأمر يحتاج إلى قرار من الدولة اللبنانية، وتحديداً من مجلس النواب، لإعادة ترسيم الحدود، وإلى إبلاغ ذلك للأمم المتحدة التي أقرت في فبراير/شباط 1924 الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة كحدود دولية، ولا يمكن تغيير ذلك من طرف واحد من دون موافقتها.

وأشار شحيتلي إلى أن "هذه النقاط الـ13 أنا من وضعها عند تحديد الخط الأزرق الذي هو خط انسحاب وليس حدوداً دولية، ويبلغ إجمالي مساحتها 485 ألف متر مربع"، مشدداً على ضرورة التفريق بين تصحيح خط الانسحاب وترسيم الحدود، فالأول يجب درسه مع الأمم المتحدة، والثاني يحتاج إلى قرار دستوري بإعادة الترسيم وكل حديث خارج هذا السياق، غير صحيح وغير دستوري.

تثبيت النقاط الحدودية لا ترسيمها

بدوره، أوضح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني بسام ياسين، الذي ترأس الوفد التقني العسكري اللبناني المفاوض بشأن الحدود البحرية، لـ"العربي الجديد"، أن هناك 13 نقطة خلافية تمتدّ من رأس الناقورة المعروفة بالنقطة B1 إلى بلدة الغجر بأماكن متعددة.

وشدّد على أن ليس هناك ما يسمّى ترسيم حدود برية، بل تثبيت للنقاط الحدودية، لأن الحدود البرية معروفة ومثبتة وفق اتفاقيات دولية، منها اتفاق بوليه – نيوكومب عام 1923، وذلك بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، واتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل التي صادقت عليها الأمم المتحدة عام 1949، وتثبتها أيضاً الإحداثيات الموجودة وهي مع الجيش اللبناني، وموقّع عليها من قبل الطرفين.

وأشار ياسين إلى أن أهم نقطة جغرافية وعسكرية، هي B1 فهي تكشف الساحل الفلسطيني حتى حيفا، وتطل على كل المنتجعات التي هي مكشوفة تحتها، ولكن بالعلم الحديث لم يعد هناك نقاط مهمة، مع تعدد وسائل الاستطلاع، سواء الطائرات المسيّرة أو القمر الصناعي وغير ذلك. من هنا الموضوع ليس بالأهمية الجغرافية والعسكرية بل مرتبط بالأرض، إذ ممنوع التخلي عن أي مساحة أرض لبنانية، وفق الدستور اللبناني، وإلا يعتبر ذلك بمثابة خيانة.

ولفت ياسين إلى أن الخط البحري الذي جرى التنازل فيه من الجانب اللبناني، ليس بالأهمية نفسها مقارنة مع البرّ، فهو متغير وفق قاعدة الترسيم، ولا حدود فيه بل يشكل منطقة اقتصادية خالصة.

وأضاف: "أما البر، فالحدود مرسّمة أصلاً، من هنا علينا أن نثبت هذه الحدود ونستردّ الحق نتيجة التعدّي الإسرائيلي في 13 نقطة"، مشدداً على أن "حدودنا تمتد من نقطة رأس الناقورة وحتى الغجر، وممنوع على الإسرائيلي أن يقترب منها أو يبني جداراً داخلها وأن يقوم بأي أشغال فيها".


عبد الرحمن شحيتلي: لبنان يريد تصحيح الخط الأزرق حتى يتطابق مع الحدود الدولية

ورأى ياسين أن "هوكشتاين اختصاصه طاقة وغاز ونفط لا برّ وأرض، لكنه قد يقوم بأمر ما للتمهيد لما هو مرتبط بالحدود البرية، وما دفع باتجاه بحث الملف هو وجود الخيمتين في مزارع شبعا، اللتان نصبهما حزب الله".

لكنه لفت إلى أن "حلّ الملف البري يتطلب مقاربة تختلف تماماً عن تلك التي اعتُمدت في ذاك البحري، فهذا الأخير مرتبط بالاقتصاد والمصالح وأماكن التنقيب وعوامل عدة يجب تأمينها لإنجاح عملية التفاوض، أما البر فالهدف الأوحد منه استرداد الأرض التي من غير المسموح لأحد أن يفرّط بها".

مشاكل الحدود

وأشار ياسين أيضاً إلى أن الملف البري يثار في كل اللقاءات الثلاثية التي تعقد في الناقورة جنوباً، مقرّ "اليونيفيل"، منذ عام 2006، وجرى العمل كثيراً عليه عامي 2018 و2019، وهذا المكان الوحيد الذي يجتمع فيه الطرفان اللبناني والإسرائيلي بوجود أممي، للحديث عن مشاكل الحدود، وهذه الآلية الأمثل حالياً للتفاوض، شرط التفاوض حول الحدود من مبدأ استرداد الأرض وعدم التفريط بأي سنتيمتر فيها، فلبنان تنازل في البحر، لكن ممنوع التنازل برّاً.

وأردف ياسين أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية أبقى نقطة رأس الناقورة أي B1 من القضايا المعلقة ولم يتفق عليها، أما النقاط الـ12 الأخرى فهي بقع صغيرة والخلاف عليها لا يتعدى الأمتار المعدودة والسنتيمترات، منها يصل إلى 2000 و3000 متر مربع، لكن المسألة لا تكمن في المساحات بل في الأرض التي هي مقدسة ويمنع التنازل عن شبر منها.

وإذ استبعد ياسين حصول حلّ قريبٍ في الملف، أشار إلى أن "هناك اعترافاً أممياً بأن إسرائيل محتلة للجزء الشمالي من الغجر، أي خراج بلدة الماري، وطالما أن هناك اعترافاً أممياً بأنها أرض محتلة، فمن حق لبنان أن يسعى إلى تحريرها. وقد تكون هذه الأرض ضمن الصفقة في حال حصلت لتثبيت الحدود البرية، وبذريعة تخفيف المشاكل على الحدود، أو لعدم ترك أي حجة لحزب الله للقيام بمشاكل، لكن بكل الأحوال لا اعتقد أن الحل قريب".

وحذر ياسين أيضاً من اقتراح مطروح بتبادل الأراضي بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وأسف لأن "تجار الدم لا قيمة لديهم للأرض ويعمدون إلى التنازل عن متر من هناك وآخر لتخفيف التوترات والمشاكل، لكن لن نسمح بذلك، فهذه الأرض دفعنا ثمنها دماً، ومن غير المسموح التنازل عن سنتيمتر منها".

المساهمون