هل تسحب ألمانيا قواتها من أفغانستان بعد تخفيض القوات الأميركية؟

هل تعلن ألمانيا سحب قواتها من أفغانستان بعد تخفيض القوات الأميركية؟

18 نوفمبر 2020
الجيش الألماني في أفغانستان (كنوت مولر/ Getty)
+ الخط -

ما إن أعلن البنتاغون، أمس الثلاثاء، قرار خفض عديد القوات الأميركية الموجودة ضمن مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، حتى طرحت التساؤلات في ألمانيا عمّا إذا كان يتعين على شركاء "الناتو" في أفغانستان، وفي مقدمتهم البوندسفير الألماني، أن يحذوا حذو الولايات المتحدة بالانسحاب المخطط له بحلول 15 يناير/كانون الثاني المقبل، أي قبل خمسة أيام من تولي الديمقراطي الفائز بالانتخابات جو بايدن منصبه؛ الرئيس 46 للولايات المتحدة الأميركية. 
وأعربت الحكومة الألمانية عن قلقها من عواقب محتملة لخفض عديد القوات الأميركية في أفغانستان بحلول يناير 2021 على "تقدم محادثات السلام" في هذا البلد.
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، خلال مؤتمر صحافي، أوردته وكالة "فرانس برس"، "نحن قلقون خصوصاً من تبعات الإعلان الأميركي المحتملة على مفاوضات السلام في أفغانستان"، مشدداً خصوصاً على أن العملية لا تزال في بداياتها.

 

وفي السياق، أبرزت صحيفة " فرانكفورتر الغماينه"، اليوم الأربعاء، نقلاً عن دبلوماسيين، أن ألمانيا ودولاً أخرى لا يمكنها الحفاظ على وجودها الحالي إلا إذا حافظ الأميركيون على استقرار عديد قواتهم في أفغانستان، وحيث غالباً ما يعتمد الحلفاء على الدعم الأميركي، ليس أقله في الخدمات اللوجستية والنقل.
ويوجد حالياً حوالي 5 آلاف جندي أميركي من أصل 12 ألف جندي لدى "الناتو" في أفغانستان.
وربطاً بما تقدم ذكرت "ايه ار دي" الإخبارية الألمانية، أخيراً، أن مشاركة البوندسفير لا تعتمد على قرارات "الناتو" فحسب، بل أيضاً على وجود الأميركيين، وإذا لم تعد تتوفر قدرات معينة، مثل الرعاية الطبية أو الدعم الجوي، فلن تكون المهمة الألمانية ممكنة، متسائلة عمّا إذا كان الجيش الألماني في نهاية إبريل/نيسان المقبل سيبدأ بالانسحاب، وسط معلومات تفيد ببدء الاستعدادات للانسحاب من وراء الكواليس.
غير أنها استدركت قائلة إن الشيء الوحيد المؤكد أن أفغانستان لا يمكنها البقاء من دون مساعدة الغرب، وأنه من دون دعم مالي للجيش والشرطة سينهار النظام الهش عاجلاً أم آجلاً، متسائلة من يضمن أنه وبعد انسحاب مهمة "الدعم الحازم" أن الأموال ستتدفق إلى الجهات الصحيحة. 

 

هذا الواقع، دفع بالأمين العام لحلف "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، أمس الثلاثاء، إلى القول إن الحلف يواجه "قراراً صعباً"، من دون أن يذكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب صراحة، معتبراً أن "ثمن الانسحاب السريع للغاية بطريقة غير منسقة قد يكون باهظاً للغاية".
كذلك حذر "من خطر أن تصبح أفغانستان مرة أخرى منصة للإرهابيين الدوليين الذين يخططون وينفذون هجمات هناك"، لافتاً إلى أن "داعش قد يعيد الخلافة الإرهابية التي خسرها في العراق وسورية إلى أفغانستان".
وأكدت أن "حلف الأطلسي سيواصل مهمته في تدريب ودعم القوات الأفغانية"، مشيراً إلى وجود "التزام بتمويل القوات الموجود هناك حتى عام 2024".
في الشأن، أبرزت مجلة "دير شبيغل" الألمانية تصريحاً للقائد العام السابق لحلف شمال الأطلسي جيمس ستافريديس، عن أن شركاء الناتو سيتعين عليهم مغادرة أفغانستان في أي وقت من الأوقات. 
وكانت "ايه ار دي" قد أشارت أيضاً إلى أن إقالة الرئيس ترامب لوزير الدفاع مارك إسبر واستبداله بكريستوفر ميلر الموالي له، ليس إلا لأنه من مؤيدي الانسحاب السريع للجيش الأميركي من أفغانستان، في وقت يعتبر "الناتو" أن الأمر يجب أن يتم وفق مشاورات مشتركة ومنسقة بشأن انسحاب منظم، كما أنه لا يزال يتطلب تلبية حركة "طالبان" لبعض الشروط، بينها الحدّ من العنف بشكل كبير، وقطع العلاقات مع الجماعات الإرهابية الأخرى مثل "القاعدة" وإجراء محادثات جادة مع الحكومة الأفغانية، وهو ما أشار إليه الأمين العام للحلف خلال اجتماع لـ"الناتو" عقد أخيراً في بروكسل. 

 

وأبرزت التعليقات والتصريحات أنه بات على ألمانيا وأوروبا بذل مزيد من أجل الأمن وأن يتم الأمر وفق نقاشات صادقة، رغم أن الكابوس المتمثل في أن الولايات المتحدة قد تترك "الناتو" لم يعد مطروحاً مع فوز بايدن، وهو ما أوضحته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أخيراً، عندما قالت: "تتوقع منا أميركا، بحق، مزيداً من بذل الجهد لضمان أمننا والدفاع عن قناعاتنا في العالم". أما وزيرة الدفاع الألمانية انغريت كرامب كارينباور، فقالت إن "على أوروبا أن تظهر المزيد من الوجود، وإذا لزم الأمر بقوة عسكرية في جوارها المباشر"، وأعطت أمثلة مثل دول البلطيق، وسط وشرق أوروبا، والشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.
هذا الأمر أثاره أيضاً الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في خطابه الأخير، بمناسبة الذكرى 65 لتأسيس الجيش الألماني، مشدداً على أن أوروبا القوية من حيث السياسة الدفاعية قادرة على التصرف، ما يتطلب الحاجة إلى تكاليف إضافية ومزيد من الأموال، أي أن الأمن والسيادة يتطلبان الإنفاق الباهظ. 

 

وفي شأن ذي صلة، قالت يانا بوغليرين من مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه حتى ولو استثمرت ألمانيا وأوروبا بشكل مكثف في قواتهما التي يمكن نشرها في أقطار معينة من حول العالم، كذلك في الدرع الصاروخي والاستطلاع الجوي، فإن الاستقلال التدريجي عن الولايات المتحدة بعيد المنال. وأوضحت "في الوقت الحالي، من دون السياسية الدفاعية الأميركية نحن عميان وصم وطرش"، في إشارة منها إلى النقص في ميزانيات الدفاع والقدرات العسكرية التي يفتقر إليها الأوروبيون.
قبل أن تبرز أنه على السياسيين الألمان أن يشرحوا لمواطنيهم وبشكل أفضل سبب انتشار جنودهم في جميع أنحاء العالم، ولماذا يكون ذلك في مصلحة ألمانيا؟ 
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة القوات المسلحة في ميونخ كارلو ماسالا، فيشكو من غياب فهم المجتمع لدور البوندسفير، والمناقشة الصادقة حول هذا الأمر ضرورية، معتبراً في هذا المجال أن جوهر مهنة الجندي لا يتكون من المساعدة الإدارية في الكوارث الطبيعية والأزمات مثل كورونا لكن في العمليات والمعارك وقد تصل إلى حد القتل والموت.

المساهمون