نتنياهو يكسب جولة في سعيه للاستمرار بمنصبه

نتنياهو يكسب جولة في سعيه للاستمرار بمنصبه

11 يوليو 2023
نتنياهو يصافح بن غفير في الكنيست الإسرائيلي (أمير ليفي/Getty)
+ الخط -

سجّل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس الاثنين، نقاطاً إضافية في مناوراته البرلمانية الرامية، تحت ستار التعديلات القضائية، إلى استعادة الشرعية العامة من الأحزاب السياسية لبقائه في الحكم واستمرار حق ترشيحه لرئاسة الحكومة حتى في ظل محاكمته الجارية بتهم الفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة العامة.

وجاء تمرير الكنيست الإسرائيلي، أمس الاثنين، بالقراءة الأولى لمشروع قانون تقليص حدود استخدام مسوغ "عدم المعقولية" من قبل المحكمة الإسرائيلية العليا في رفض قرارات حكومية بدءاً من تعيين وزراء أو مسؤولين في مناصب عليا وحتى سن قوانين جديدة، ليثبت أن كل أحاديث المعارضة السياسية في إسرائيل والمراقبين ومختصي الشؤون الحزبية حول "تصدع تماسك" الائتلاف الحكومي الواسع في الكنيست (64 عضواً من أصل 120)، والرهان على المنطق السليم عند بعض أعضاء حزب الليكود لا رصيد لها على محك السلوك البرلماني والالتفاف خلف قيادة نتنياهو الحالية لليكود والائتلاف، دون أن يكون هناك خطر حقيقي لسقوط الحكومة أو حجب الثقة عنها بمساعدة من داخل الائتلاف.

ولا يبدي نتنياهو منذ مناورة وقف التشريعات في مارس/آذار الماضي، قبيل العودة إليها أمس، أي قلق من الاحتجاجات بل يواصل العمل وفق معادلة واضحة، وضعها عملياً منذ أواسط مارس، كجزء من خطته لدفع قادة الإحزاب في إسرائيل إلى نبذ مبدأ المقاطعة أو العزل في كل ما يتصل بشرعية التحالف معه لتشكيل حكومة بالرغم من  محاكمته، وإرغامهم على القبول بمبدأ أحقيته بالبقاء في الحكم إلى حين صدور قرار قضائي نهائي في ملفات المحاكمة الثلاثة التي يحاكم بسببها.

ونجح نتنياهو منذ تفجر الأزمة السياسية المتواصلة في إسرائيل، منذ انسحاب أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت من حكومته في ديسمبر/كانون الأول 2018 على خلفية لا علاقة لها بملفاته الجنائية، في تحييد تأثير الإعلام العام، أو ما كان يعتبر إعلام التيار الرئيسي، على معسكر مناصريه ومؤيديه من خلال إنتاج قنوات إعلام ومنصات بديلة، أبرزها: القناة 14 وصحيفة يسرائيل هيوم.

ويعتمد نتنياهو منذ مضاعفة توجهه إلى الجمهور الديني الصهيوني والحريدي، بعد تفكيك حكومته عام 2018، على التركيز على استخدام خطاب الدولة اليهودية وليس فقط في سياق صهيوني عام، كما كان سائداً، وإنما أيضاً في سياق إبراز البعد الديني والمحافظ في الحياة السياسية والحزبية والحياة العامة، بشكل يخالف كلياً نهج إسرائيل في ظل حكومات حزب العمل التاريخية، على اعتبار أن هذا الخطاب لا يزال يملك "سحره" في تجنيد الشرقيين وكل من عانى من قبضة حكومات العمال التاريخية، ويتم استخدام تعبير "إسرائيل الثانية" لتأطيرهم داخلها، أي إسرائيل المتخلفة والتي عانت التمييز ولا يزال يتم إقصاؤها ومن ينضوي تحت لوائها ومن ينتمي إليها، حتى لو كان إشكنازياً غربياً لكنه من اليمين السياسي، من الوصول لمفاتيح الحكم ومناصب تنفيذية ومفاصل الدولة.

وأثمر تصعيد نتنياهو هذا الخطاب تشكيل مجتمع إسرائيلي مواز، بنخبه وشرائحه الاجتماعية المتعلمة وغير المتعلمة والشعبوية، يرفض كلياً الرواية "الإسرائيلية" العامة التقليدية في كل ما يتعلق بالصراع على الحكم والصراع مع الفلسطينيين، وليس مستعداً عملياً بعد الآن للتسليم أو القبول بكل ما قد يبدو له أو يشك بأنه عزز الرواية الرسمية للإعلام أو للأحزاب المنافسة، حتى لو كانت كلها يمينية في تعريفها وسلوكها ومواقفها السياسية، مثل حزب أفيغدر ليبرمان وحزب الجنرال بني غانتس، على الرغم من أن الأخير لا يمت بمواقفه للوسط أو لليسار بصلة بل كان من مؤيدي خطة ترامب، لكن قواعده الاجتماعية متهمة بنظر معسكر نتنياهو بأنها الامتداد الطبيعي لحزب العمل التاريخي وأن نخبه السياسية والاقتصادية ومصوتيه انتقلوا فقط بفعل الانتهازية السياسية من تأييد حزب العمل وبقاياه إلى تأييد غانتس وجنرالات حزبه، لأنهم يمثلون، في اللاوعي لهذه النخب ولهؤلاء المصوتين، إسرائيل الحقيقية التي أقامتها الصهيونية العمالية بهوامش ليبرالية "واسعة" بحيث تتمكن من مواصلة الاحتلال والعيش "براحة نفسية" مع هذا الاحتلال ومع انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، تحت مبررات ومسوغات مختلفة.

نجاح نتنياهو في هذا التجييش وحقيقة أن الكنيست الحالي يضم في صفوفه أغلبية حقيقية تتجاوز أغلبية ائتلافه، الذي يعتمد على 64 صوتاً، لا سيما أن الوزير السابق غدعون ساعر، الذي يشكل قطباً من ثلاثة أحزاب تشكل المعسكر العمومي بقيادة غانتس، كان أول من طرح مشروع تعديل الجهاز القضائي وصلاحيات المحكمة العليا، وذلك يزيد من قدرة نتنياهو على المناورة في مواجهة خصومه والبناء على التناقضات والمنافسة الظاهرة للعيان بين الجنرال بني غانتس وحزب ييش عتيد بقيادة يئير لبيد.

من هنا فإن إصرار نتنياهو على تمرير قانون تحديد صلاحيات المحكمة في استخدام مسوغة "عدم المعقولية" بالقراءة الأولى وتأكيده، قبل أسبوعين، في مقابلته مع شبكة سي أن أن أن فقرة الغلبة على المحكمة العليا لن تكون كما هي في المسودة الأصلية، ولا كما هو الوضع القائم اليوم، كانت رسالة واضحة للداخل الإسرائيلي أولاً ثم للولايات المتحدة ودول أوروبية وازنة أن صرخات المعارضة الإسرائيلية لا تعكس حقيقة ما سيكون فعلياً.

وهي رسالة هدفها عرض تسوية وقاسم مشترك، يرى نتنياهو أن غانتس  وغدعون ساعر سيكونا قادرين على التوافق عليه تحت حجة إنقاذ الدولة في ظل الخطر الحالي، فيما سيكون هو مستعداً بحال موافقتهما على إزاحة وزير القضاء الحالي من منصبه، هذا إذا لم يبادر الأخير بنفسه إلى الاستقالة، والأهم من ذلك، سيكون نتنياهو مستعداً أيضاً لدفع حزب بن غفير خارج الائتلاف الحكومي.

وفيما لا تملك أحزاب المعارضة الإسرائيلية (خصوصاً إذا استثنينا العرب الفلسطينيين في إسرائيل من كل ما يحدث، وهو ما يعتمد عليه أيضا نتنياهو وتوافقه على المحك في ذلك باقي الأحزاب الصهيونية) ثقلاً شعبياً موازياً لمعسكر نتنياهو، فإن نتنياهو لا يزال قادراً حتى في حال تراجع معسكره إلى 54 مقعداً على إبقاء إسرائيل في أزمة سياسية متواصلة.

ويعتمد نتنياهو على هذه المعطيات في التلويح لغانتس (مستفيداً من رغبة غانتس الداخلية في التخلص من زعامة لبيد لمعسكر المعارضة) بالقبول بأحد خيارين: إما التوصل إلى تسوية وقاسم مشترك مع نتنياهو ومعسكره، وإما أن يتحمل تبعات الفوضى الداخلية والسياسية والأمنية  التي ستنجم عن استمرار "مقاطعة ورفض مشاركة الحكم مع نتنياهو" واضطرار الأخير (هكذا يصور نتنياهو سبب تشكيله الائتلاف الحالي) إلى الخضوع لابتزاز شركائه الحاليين في الحكم في مختلف المجالات، بدءاً من القضايا الاجتماعية والدينية وأسس الحكم داخلياً وحتى قضايا الأمن وعلاقات إسرائيل الخارجية بما فيها مع الولايات المتحدة الأميركية.