ملتقى الحوار السياسي الليبي بين آمال النجاح ومخاوف الفشل

ملتقى الحوار السياسي الليبي ن آمال النجاح ومخاوف الفشل

16 نوفمبر 2020
تفاؤل حذر يعقب جلسات الحوار (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

تباين ردود الأفعال حول ملتقى الحوار السياسي الليبي: آمال النجاح ومخاوف الفشل

 

تباينت وجهات نظر المراقبين والمشاركين في جلسات ملتقى الحوار السياسي الليبي، التي انتهت ليل أمس الاثنين في العاصمة التونسية، حيال ما نتج عنها، على الرغم من تعبير مبعوثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، عن سرورها حول نتائج الملتقى. 
وقالت وليامز، خلال مؤتمر صحافي في ختام جلسات الحوار التي امتدت لسبعة أيام، "لقد أنجزنا الكثير وأنا مسرورة جدا بنتائج المحادثات لكن لا يزال أمامنا عمل كثير"، معلنة عن جولة جديدة الأسبوع المقبل افتراضية، لـ"بحث آلية اختيار شاغلي المناصب وبحث إنهاء القضايا الخلافية".
وأبدت تفاؤلها بخصوص ما تم إنجازه "لدينا الآن خارطة واضحة لإجراء الانتخابات"، إلا أنها عللت عقد جولة أخرى بالقول "لا يمكن وضع حلول لصراع استمر 10 سنوات خلال أسبوع".
ووفقا لوليامز فقد اتفق المشاركون "على ثلاثة ملفات مهمة خلال الملتقى السياسي الليبي تشمل اختصاصات السلطة التنفيذية ومعايير الترشح وخارطة الطريق، فضلا عن الاتفاق على الفصل بين المجلس الرئاسي ورئاسة الوزراء".
وفيما ستبحث الجولة المقبلة آلية اختيار شاغلي السلطة الجديدة، أكدت وليامز أن على أعضاء الملتقى ضرورة "تغيير الوضع عبر حكومة تكنوقراط بصرف النظر عمن سيتولى رئاستها". 
لكن مصادر ليبية مسؤولة مطلعة على كواليس الملتقى في جلساته الأخيرة أكدت أن سبب فشل جلسة الأمس كان وراءه التنافس بين شخصيتين على شغل منصب رئيس المجلس الرئاسي، وهما عبد الجواد العبيدي رئيس محكمة الاستئناف السابق، وعقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق. 

وأوضحت المصادر في حديث مع "العربي الجديد"، مشترطة عدم ذكر أسمائها، أن عددا من الأعضاء المحاورين تعرضوا لضغوط كبيرة من أطراف إقليمية ومحلية لاختيار صالح رئيسا للمجلس الرئاسي وممثلا للشرق الليبي فيه، بالإضافة لمعارضة آلية التصويت المباشر داخل القاعة لاختيار شاغلي المناصب، وترجيح آلية المجتمعات الانتخابية حيث يختار كل إقليم ليبي من يمثله في المجلس الرئاسي. 
ورغم التنافس الشديد بين شخصيتي فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة على تولي منصب رئاسة الحكومة، مقابل انسحاب العارف النايض مرشح الإمارات وتراجع حظوظ رمضان هلالة، إلا أن الاختلاف لدرجة الصراع كان حول رئاسة المجلس الرئاسي، حيث تم التوافق على أن يكون رئيس الحكومة من الغرب الليبي، ورئيس المجلس الرئاسي من الشرق. 

وتبدو البعثة الأممية قد انصاعت لشروط أنصار صالح باعتماد آلية المجمعات الانتخابية في اختيار المسؤولين، عندما قالت بأنه "من المنطقي أن يرجع المشاركون إلى مناطقهم للتشاور وإطلاع الشعب على ما جرى". ويعزى ذلك إلى ضعف فرص عقيلة صالح في حصول الإجماع حوله بطريقة التصويت المباشر.
ووسط عدد من التسريبات من داخل القاعة طوال يوم الأمس، نقلت عضو ملتقى الحوار، آمال بوقعيقيص، حدة الخلافات حول الأسماء، من خلال منشور لها على صفحتها بموقع "فيسبوك"، جاء فيه "حفرة الأسماء اللعينة تدفع بنا إلى الأفق المسدود، ادعوا لنا وكثفوا رسائلكم أنكم تريدون الذهاب نحو الحلول ولو كانت مؤلمة".


وهو ما أكده فيما بعد العضو المشارك بالحوار، محمد الرعيض، بقوله إثر انتهاء جلسة الأمس "لم يتوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بآلية ترشيح واعتماد أسماء المرشحين لتولي المناصب التنفيذية لقيادة المرحلة التمهيدية"، موضحا أن "ذلك نتيجة تشبث مجموعة من أعضاء لجنة الحوار بترشيح شخصية جدلية كان لها دور رئيسي في إفشال المسار السياسي ودعم الحرب الأخيرة على طرابلس"، في إشارة لعقيلة صالح الذي شرعن عبر مجلس النواب بطبرق العدوان العسكري للواء المتقاعد، خليفة حفتر، على طرابلس في إبريل/ نيسان من العام الماضي. 


وأعرب الرعيض عن أمله في توصل الجولة المقبلة لـ "تسمية شخصيات قادرة على توحيد الحكومة وكافة المؤسسات والاستعداد لتوفير المناخ الملائم للوصول لإجراء انتخابات نزيهة وعادلة"، وهو الأمل ذاته الذي عبرت عنه عضو الملتقى، أم العز الفارسي، بقولها "جولة قادمة سنخرج والوطن بخير"، رغم إقرارها بالإخفاق "في الوصول إلى ما يريد أهلنا، لم يكن المد هيناً".
وعن ظروف جلسات الملتقى السبع كتبت على حسابها بـ "فيسبوك"، "صارعنا التيارات وأرسينا قواعد لكي لا نغرق جميعا، اكتشفنا كثيرا من الخفايا وأزلنا كثيرا من العراقيل ولكننا كنا نريد حلولا جذرية لا تنازلات ومجاملات على حساب الوطن". وطالبت الكفاءات الليبية بالترشح وقالت "سيكون كل شيء على ما يرام، فقط تقدموا ومن ير في نفسه القدرة على حمل هموم الوطن عليه أن يبادر، لم نرد لكم اجترار الفشل، كانت أياما صعبة هاجمنا فيها الوباء وخرجنا جميعا بسلام". 


أما عبد الرحمن السويحلي، عضو في الملتقى أيضا، فقد كتب "بفضل الله نجحنا في التوافق مع زملائنا على خارطة الطريق نحو إجراء الانتخابات". وأضاف: "عملنا بكل قوة على إعلاء المصلحة الوطنية والتوافق الشامل بعيدًا عن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة".


وفيما لم يصدر أي موقف رسمي من جانب مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حيال إعلان البعثة عن جولة أخرى للحوار، اعتبر عضو مجلس نواب طبرق، صالح فحيمة، أن إعلان البعثة "دليل جديد على أن الحلول المعلبة المستوردة لا تأتي بخير"، موضحا أن "محطة النهاية التي وصل إليها حوار تونس كان من المفترض أن تكون هي محطة الانطلاق لأننا (مجلسي النواب والدولة) سبق أن توقفنا عندها في حوارات سابقة لكن مبدأ تجيير نجاحات الغير كان هو المبدأ الحاكم لدى ستيفاني على ما يبدو". 

وإزاء ذلك، يرى الصحافي الليبي، سالم الورفلي، أن "حالة الخوف والرجاء التي سيطرت على تعليقات وردود فعل المشاركين لا تعكس إلا حالة الارتباك التي عاشوها طوال أيام الحوار"، مشيرا إلى أن وليامز حاولت كتم لهجة الفشل لكنها ظهرت جلية. 
ويضيف الورفلي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "إقرار وليامز، خلال مؤتمرها الصحافي، بفشل عملية التصويت على استبعاد قياديي المشهد الحالي من شغل مناصب في السلطة الجديدة يعني أن الأسماء وتدافع أصحابها كانت السبب وراء انهيار جلسة الأمس".
وتابع قائلا "وهو يعني أيضا أن الوجوه السياسية ذاتها لا تزال ترغب في البقاء في المشهد"، ما جعل سقف جهود وليامز في التغيير المنشود ينخفض إلى ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط بصرف النظر عمن يتولاها.
وزاد موضحا "سابقا نفت البعثة تمديد جولات الحوار والآن قالت إنه من المنطقي أن يرجع المشاركون إلى مناطقهم للتشاور وإطلاع الشعب على ما جرى، وهي تعرف أن حالة الصراع جرت بين أشخاص لمصالحهم الشخصية". وتساءل "هل يستطيع المشاركون حل المسائل الخفية عبر تطبيق الزووم بعد أن فشلوا في جلسات مباشرة؟".
ورجح استمرار العراقيل في الجولات المقبلة "التي ستستمر كما استمر حوار الصخيرات عبر آلية التمديد، وفي النهاية يعلن عن سلطة جديدة تلبي مصالح الدولة المتدخلة في الملف الليبي". 
في المقابل، يرى الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن الخلافات بين أعضاء الملتقى ليست كبيرة، وأن البعثة سعت لتطويق الخلافات منذ البداية بعدما استشعرت بأنها ستحدث في الجلسة الأخيرة.

وأشار في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن "إعلان البعثة عن الاتفاق على ثلاثة ملفات بشأن اختصاصات السلطة ومعايير الترشح وخارطة تنتهي بالانتخابات، شكل خطوطا عريضة حصنت الحوار، وما يدل على ذلك أن وليامز أعلنت أن البعثة ستنشر كل الوثائق التي توافق عليها الملتقى". 
وأوضح أنه حتى الخلافات حول الحكومة التي يمكن أن تمر للجولة المقبلة ستكون مقيدة بشرط البعثة التي أكدت أنها ستكون حكومة تكتوقراط، بل طالبت الوجوه السياسية الحالية بضرورة القبول بتغيير الوضع السياسي من خلال الانخراط فيما وصفته بـ "عملية التغيير"، بل هددتهم بأنهم "سينقرضون كما انقرضت الديناصورات". 
ويؤكد الأطرش أن استباق البعثة لنتائج الملتقى بالإعلان عن تحديد يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021 موعدا للانتخابات ونهاية الفترة التمهيدية يعد "نجاحا كبيرا لتقليص آثار المتصارعين على المناصب بل والاتفاق مسبقا أيضا على تحديد اختصاصات السلطة الجديدة وصلاحياتها والفصل بين الرئاسي والحكومة".