أثار مقتل الناشطة الحقوقية حنان البرعصي على أيدي مسلّحين مجهولين في مدينة بنغازي شرقي ليبيا (الخاضعة لسيطرة قوات خليفة حفتر)، يوم الثلاثاء الماضي، مخاوف ناشطات أخريات، اعتبرن أنّ الجريمة تندرج في إطار مصادرة الرأي بقوة السلاح.
دولٌ عدّة أدانت الجريمة، في وقت لم تعلن سلطات شرق البلاد اعتقال الجناة حتى اليوم. وتقول الناشطة في مجال الحريات آمال. ع، إن هناك محاولات لتسجيل القضية ضد مجهول، مستندة إلى بياناتها ومواقفها. ويشير العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن ما قالته البرعصي في فيديوهاتها الأخيرة، والتي عادة ما تنتشر بشكل كبير بين الليبيين، عن تلقيها تهديداً من قبل مليشيا تابعة لصدام نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قد يكون خيطاً يؤدي للوصول إلى الجناة.
وعُرفت البرعصي، التي تدير منظمة "الرحمة لرد المظالم" (منظمة حقوقية أهلية)، على مدار العامين الماضيين، بنشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال فيديوهات كانت تسجّلها تباعاً وتنشرها على منصات التواصل الاجتماعي، تستنكر فيها ممارسات المليشيات والفساد المستشري في أجهزة الدولة، بل وتسمي بعض المسؤولين وتتّهمهم بالفساد.
وأقفلت آمال صفحة جمعيتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وفضّلت عدم ذكر اسمها كاملاً. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها اتخذت قرارها بتعليق نشاطها الحقوقي بناء على طلب أقربائها وبعض صديقاتها.
واكتفت مديرية أمن بنغازي بنشر بعض تفاصيل حادثة مقتل البرعصي، موضحة أنها مستمرة في "التحقيق إلى حين الوصول إلى ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة". وقالت إنّ "عدداً من الملثّمين حاولوا خطف المواطنة حنان محمد البرعصي من داخل أحد المحال التجارية في شارع 20 بنغازي، ثم أطلقوا النار عليها ما أدّى إلى مقتلها، قبل أن يلوذوا بالفرار".
من جهة أخرى، انتظرت وزارة الداخلية في الحكومة الموازية، شرق البلاد، وقيادة قوات حفتر ومجلس نواب طبرق، يوماً كاملاً قبل التعليق على الحادثة، مكتفية بالمطالبة بفتح تحقيق وملاحقة الجناة بسرعة.
واستدعت الجريمة إدانات دولية، صدر أبرزها عن سفارات الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وكندا في ليبيا. فيما رأت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنّ "الطريقة الوحيدة لإنهاء دوامة العنف في البلاد هي بدء السلطات فعليّاً محاسبة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب هذه الفظائع". أما بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، فاعتبرت مقتل البرعصي "تذكيراً قوياً لمن هم في موقع المسؤولية بوضع خلافاتهم جانباً، والتوصل إلى حل للأزمة التي طال أمدها".
في هذا الإطار، تقول المحامية الليبية المقيمة خارج البلاد، بدرية الحاسي، إن بيانات قادة شرق البلاد جاءت فقط بعد الإدانات الدولية الواسعة، وبهدف إخلاء مسؤوليتها، مؤكدة أنه "لن يحدث شيء وسيكون مصير البرعصي كمصير من سبقها".
ومنذ عام 2014، شهدت بنغازي ومدن في شرق ليبيا، حوادث مشابهة، منها اغتيال الناشطة الحقوقية سلوى سعد بوقعيقيص، والناشطة سارة الذيب، والصحافية نصيب كرنافة، وزميلتها انتصار الحصائري. وما زال مصير عضوة مجلس النواب سهام سرقيوة مجهولاً، وذلك منذ اختطافها في يوليو/ تموز من العام الماضي.
وبينما استنكرت نقابة المحامين الحادثة مطالبة السلطات بضرورة فتح تحقيق عاجل والقبض على من وصفتهم بـ "خفافيش الظلام الملثمين"، تؤكد الحاسي، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنها وعددا من زميلاتها وجهن مذكرة إلى الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تضمنت تفاصيل تتعلّق بمقتل البرعصي استناداً إلى شهود عيان، مضيفة: "لدينا هامش من الحرية كوننا موجودات خارج البلاد، ونكاد نجزم بأن المسلحين الذين أردوا البرعصي قتيلة على علاقة بمليشيات صدام".
تضيف أن الجريمة "دليل صريح على غياب حرية الرأي، وهي تهديد صريح بقوة السلاح لإسكاتنا ومصادرة حقّنا في التعبير"، مشيرة إلى أن "هذه الممارسات طاولت ناشطين رجالا أيضاً".
وفي وقت تقول الحاسي إن الجريمة لم تزدها إلا إصراراً على مواصلة نشاطها الحقوقي، تُعرب العضوة في جمعية رفد للتنمية الريفية أسمهان بودريرة، عن "خوفها من المجهول في ميدان الحريات والحقوق"، مؤكدة أنها حولت نشاطها إلى العمل الخيري في إطار بعض الجمعيات التطوعية الناشطة في هذا المجال.
إلى ذلك، أعربت منبر المرأة الليبية من أجل السلام، في بيان، عن قلقها إزاء تكرار "الاعتداءات العنيفة على ناشطات بارزات لهن مواقف ناقدة للسلطات والمليشيات التابعة لها"، مشيرة إلى أن تقاعس السلطات عن "فتح تحقيقات جادة وفعالة حول هذه الاعتداءات أشاع بيئة من الإفلات من العقاب". كما أدانت منظمة حقي للنساء الحقوقيات الليبيات الجريمة، مستنكرة صمت السلطات حيال تزايد الجرائم المسلحة. من هنا، تؤكد بودريرة أنها باتت مقتنعة بنصائح أصدقائها، بأن مواقع التواصل الاجتماعي قد تجعل عملها أكثر أمناً. وعلى الرغم من ابتعاد بودريرة عن مجال الدفاع عن الحقوق والحريات، تشير إلى أن العمل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، يساعدها على التواصل مع ضحايا العنف المنزلي بسهولة أكبر. وتؤكّد أن آلاف النساء يخترن لأنفسهن أسماء وهمية للتعبير عن مشاكلهن، ويطلبن العون والمساعدة من خلال بعض المجموعات العلنية وأخرى غير علنية على وسائل التواصل الاجتماعي كونها أكثر أماناً من التعامل مع مؤسسات الدولة التي تخضع بغالبيتها لسيطرة المسلحين.