ملامح مقايضة بين بايدن ونتنياهو: التحييد مقابل التجميد

ملامح مقايضة بين بايدن ونتنياهو: التحييد مقابل التجميد

19 فبراير 2021
لعله تم تحييد إسرائيل عن مفاوضات النووي الإيراني مقابل تجميد الملف الفلسطيني (فرانس برس)
+ الخط -

جاءت مكالمة الرئيس الأميركي جو بايدن أمس مع بنيامين نتنياهو بعد تأخير متعمّد، لافتة بتوقيتها ومدتها، والأهم بتلميحات الطرفين التي جاءت في بيانين مختلفين صدرا عنهما بخصوصها.

التوقيت، جاء عشية محادثات الوزير أنتوني بلينكن، عبر الفيديو الخميس، مع نظرائه البريطاني والفرنسي والألماني المجتمعين في باريس، والمتوقع أن تشمل الملف النووي الإيراني. الوزراء أنفسهم سبق للمبعوث الأميركي الخاص روبرت مالي، أن أجرى اتصالات معهم في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي حول الملف ذاته. وكان الوزير بلينكن قد أرسل قبل يومين إشارة تشجيع، عندما قال إن "طريق الدبلوماسية سالكة الآن"، ولو أنه ربط ذلك بتطلع الإدارة إلى صفقة "أوسع وأطول"، من دون شرح أو وضع اشتراطات.

وتعكس هذه التحركات والإشارات والتصريحات التي تلاحقت منذ الأيام الأولى لإدارة بايدن؛ السعي للعثور على مدخل إلى الطاولة، بما يحفظ ماء الوجه للجانبين. ولتسهيل هذه المهمة وتأمين انطلاقة دبلوماسية نووية من دون عوائق إضافية؛ مطلوب تحييد إسرائيل ومشاكساتها عبر تحريض الكونغرس وتأليبه، كما فعلت أثناء مفاوضات اتفاق 2015. فالرئيس بايدن بغنى عن الاصطدام بالكونغرس حول قضية خارجية، في وقت هو بحاجة إلى تعاونه لتمرير ما أمكن من أجندته الداخلية. وبخاصة مع زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور شاك شومر ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس السيناتور بوب مينينديز، المعترضين على الاتفاق، والمحسوبين من أشد أنصار إسرائيل في الكونغرس.

ومن المعروف أن تدخّل نتنياهو، وبكثير من التحدّي، لعرقلة تلك المفاوضات، كان ولو لم تنجح محاولته آنذاك؛ أحد أسباب نفور بايدن (نائب الرئيس وقتذاك) منه. ويُعتقد أن الرئيس بايدن لا بدّ أنه استحضر تلك الواقعة بصورة أو بأخرى خلال حديث أمس، لضمان عدم تكرارها هذه المرة لو سارت الأمور نحو التفاوض مع طهران. وهذا من جملة ما يفسر امتداد المكالمة لحوالي ساعة صدر بنتيجتها بيان مقتضب من البيت الأبيض، الذي اكتفى بوصف الاتصال بأنه " كان جيداً" وليس "ودّيّاً" كما قال نتنياهو.

وعلى الرغم من صيغة بيان البيت الأبيض؛ فإنه جاء أيضاً بصيغة ترضي نتنياهو وإسرائيل، من ناحية إشارته الخجولة الأقرب إلى رفع العتب، والأبعد عن أي التزام جدّي بخصوص القضية الفلسطينية، المفترض أن تكون البند الأهم في الحديث مع رئيس وزراء إسرائيل الذي امتهن تكريس الاحتلال. في البيان، ذُكرت هذه القضية بإشارة عابرة، نصّت على "أهمية العمل على دفع مسيرة السلام في المنطقة وبما يشمل إسرائيل والفلسطينيين". من دون ذكر "حل الدولتين"، مع التنويه بـ"اتفاقات أبراهام".

لقد خلا البيان الإسرائيلي من ذكر كلمة "السلام". ولعل ذلك يشي بوجود توافق على وضع الملف على الرف، وحتى إشعار آخر، وكأن أقصى طموح لإدارة بايدن في الوقت الحاضر لا يتعدى تجميد الوضع الاحتلالي على ما هو عليه؛ بحيث يظهر عدم تفاقمه وكأنه مكسب تحقق على يديها.

ولم تكن المواقف والخطوات السابقة مفاجئة، فقد أوحت المقدمات بذلك، عبر نسف غالبية، إن لم تكن كل خطوات ترامب وسياساته الخارجية، ما عدا هباته المجانية التي قدمها لإسرائيل في القدس والضفة والجولان. فمنذ البداية، بَصَمت الإدارة بلسان الوزير بلينكن على تلك الهبات. بل إن الوزير عاد قبل أيام قليلة إلى الخطاب المتوارث نفسه بشأن الأمور الأساسية، مثل العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية، حيث قال إن الأمر "متروك للمفاوضات"!

لقد حرص البيت الأبيض على تعيين مبعوث خاص لأكثر من ملف شرق أوسطي ساخن، ما عدا الملف الفلسطيني. واحد لإيران وآخر لليمن وجدد للمبعوث الأفغاني زلماي خليل زادة. وكأنه يتحتم على الوضع الفلسطيني مواصلة الانتظار المتجدد بغير حدود. أو كأنه تمت مقايضة تحييد مفاوضات النووي الإيراني من حسابات إسرائيل؛ مقابل تجميد تحريك الإدارة الأميركية الموضوع الفلسطيني في المدى القريب، والاقتصار على استئناف بعض المساعدات، وربما إعادة فتح مقر البعثة الفلسطينية في واشنطن.