معبر العوجا: لا أمن ولا تطبيع ولا استيطان

معبر العوجا: لا أمن ولا تطبيع ولا استيطان

25 يونيو 2023
دار عزاء باستشهاد المجند المصري محمد صلاح في مدينة نابلس (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

لا شكّ في أنّ عمليّة معبر العوجا أو "نتسانا" على الحدود المصريّة؛ في بداية شهر يونيو/حزيران الماضيّ، مثّلت حقيقةً واحدةً مفادها فشل نظريّة العدو الصّهيوني الأمنيّة، حيث كانت تعد من الجبهات الآمنة والمضمونة طيلة سنواتٍ طويلةٍ، وهو ما انعكس على تصريحات المحلّلين السياسيّين والخبراء العسكريّين الإسرائيليّين، على الأخص من جهة توقيتها ودلالاتها.

كان توقيت العمليّة؛ التي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنودٍ إسرائيليّين على الحدود، واستشهاد الجنديّ المصريّ، أمراً بالغ الخطورة للعدو، الّذي كان يرمّم الردع، ويستعيد ثقة جمهوره، بعد صواريخ المقاومة، الّتي أجبرت الصّهايّنة على البقاء لأيامٍ في الملاجئ، خلال الحرب القصيرة جداً، الّتي انطلقت من الجبهة الجنوبيّة من غزّة، في مايو/أيّار الماضيّ، والهجوم الّذي طاله على الجبهة اللبنانيّة في الوقت نفسه، والّذي حرص على عدم التصعيد معه.

كما جاءت العمليّة في توقيت مناورةٍ عسكريّةٍ لجيش الاحتلال، كان الهدف منها التدريب على حربٍ متعددة الجبهات، وعلى كيفيّة فصل الساحات، والاشتباك على أكثر من جبهةٍ، والدعايّة والترويج لقوّة الجيش الإسرائيليٍ وعتاده، واحتمال فتح جبهةٍ خارجيّةٍ، لإخفاقه في السيطرة على المقاومة الفلسطينيّة؛ الجبهة الداخليّة.

تؤثر العمليّة على مستقبل الاستيطان في النقب المحتل، خاصّةً بعد إقرار مشروع إقامة مستوطنةٍ تحمل اسم نتسانيا

 لعل أهمّ ما أسفرت عنه عمليّة معبر العوجا هو كشف ضعف عمل الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة وكفاءتها وتقديراتها، خاصّةً خلال "مناورة اللكمة الساحقة"، الّتي شملت ثلثي الجيش الإسرائيليّ وكلّ الأجهزة الأمنيّة والسياسيّة المعنيّة بحربٍ محتملةٍ قادمةٍ.

لذا فوجئ العدوّ بأنّ الجبهة الجنوبيّة على الحدود المصريّة جبهةٌ غير آمنةٍ أيضاً، رغم الجدار الفولاذيّ والشائك الّذي بنته على طول الحدود المصريّة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحت ذريعة الحرب على الإرهاب في سيناء، وتأمين الحدود والحدّ من ظاهرة التهريب وتجارة المخدرات.

العمليّة ليست الأولى من نوعها على الحدود المصريّة، وتحمل بصماتٍ وطنيّةٍ وعقيدةٍ مقاومةٍ فشلت كلّ اتّفاقيات التسويّة في القضاء عليها، كما حصل في عمليّتي الشّهيدين سليمان خاطر وأيمن حسن، رغم التباعد الزمنيّ بينهم، لكن تدلّل هذه العمليّات على بديهيّتين لدى الشّعب المصريّ، الأولى مفادها أنّ هذا الكيان عدوٌ وهذا العداء لن يسقط بالتقادم. والثّانية؛ أنّ مسار التّطبيع مع دول المنطقة، الّذي يروج الاحتلال عبره أنّه مقبولٌ ووجوده طبيعيٌ ومشروعٌ، هو مسارٌ زائفٌ وحبرٌ على ورق. وعليه تشير عمليّة الشّهيد محمد صلاح إلى أنّ الشّعب المصريّ قد لا يكتفيّ بالرفض فقط، بل يمكن أنّ يبادر إلى الهجوم والاشتباك، مشكلًا بذلك جبهةً مفتوحةً، لا يمكن اسقاطها بسهولةٍ.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

عمليّة معبر العوجا من نمط العمليّات الفرديّة؛ كمثيلاتها في السّنوات السابقة على الحدود المصريّة، ولا تؤشر إلى نمطٍ أو ظاهرةٍ يمكن أنّ تتكرّر سريعاً أو بانتظامٍ، لكنها تعني أنّ الجبهة المصريّة غير آمنةٍ، وستظلّ جبهة صراعٍ مع العدوّ، وبالتالي تكشف العوار في المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة لسهولة اختراقها وضعفها وفشلها.

كشف سير العمليّة وتفاصيلها، والتّخبّطات في التصريحات الرسميّة والعسكريّة الإسرائيليّة عن ضعف الإجراءات والتدابير العسكريّة الصّهيونيّة على الحدود المصريّة، وعن ضعف التّواصّل والدّعم بين قوات جيش الاحتلال، وضعف مستويّات جنوده القتاليّة. إلى جانب الخلل في منظومة المراقبة الأمنيّة الحدوديّة، وكفاءة الكتائب؛ كتيبة الفهد، وقدرتها القتاليّة وتدريباتها، فقد أثير الجدل حولها في الأوساط السياسيّة والعسكريّة الصّهيونيّة، واتهامها بممارساتٍ غير أخلاقيّةٍ، بسبب تجنيّد النساء فيها، الأمر الّذي يرفضه المتشدّدون اليهود؛ شركاء بنيامين نتنياهو في الحكومة، ما يمثّل ضغطاً سياسيًّا جديداً داخل الكيان الصّهيونيّ.

استدراكاً للموقف وتفاديّاً للضّعف الأمنيّ أرسل العدو كتائب النّخبة ناحال إلى الجبهة المصريّة، وأعاد تنظيم وتوزيع الجنود على مستويَي التشكيلات وساعات الخدمة، لكن لا يزال موضوع تجنيد الإناث محل إرباكٍ، ويؤثر على كفاءة توزيع المجندين على الجبهات الساخنة؛ جبهة لبنان والضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة.

فوجئ العدوّ بأنّ الجبهة الجنوبيّة على الحدود المصريّة جبهةٌ غير آمنةٍ أيضاً، رغم الجدار الفولاذيّ والشائك الّذي بنته على طول الحدود المصريّة

علاوةً على ذلك؛ تؤثر العمليّة على مستقبل الاستيطان في النقب المحتل، خاصّةً بعد إقرار مشروع إقامة مستوطنةٍ تحمل اسم نتسانيا، تضم 2200 عائلةٍ صهيونيّةٍ، ضمن ما يعرف بمشروع تطوير النقب. كانت منطقة النقب؛ الواقعة في جنوب إسرائيل، محوراً لمبادرات الاستيطان الإسرائيليًة لعقودٍ عدّةٍ، إذ شجعت الحكومة الإسرائيليّة المستوطنين اليهود على الانتقال إلى النقب، وقدّمت حوافز كثيرةً، مثل المساعدة الماليّة، وتطوير البنية التّحتيّة، من أجل تعزيز الوجود الإسرائيليّ فيها، وتعزيز سيطرته على الأرض، وضمان التّفوّق الدّيموغرافيّ اليهوديّ.

واجه مشروع استيطان النقب تحدّياتٍ وخلافاتٍ كبيرةٍ منذ بدايته، منها تهجير المجتمعات البدويّة وتهميشها، ذات الروابط التّاريخيّة طويلة الأمد مع المنطقة. أدّى المشروع إلى إعادة توطين القرى البدويّة، كما أدّى في كثيرٍ من الأحيان إلى نزاعاتٍ على الأراضيّ، وتوتراتٍ اجتماعيّة.

سلطت عمليّة المجند المصري الأخيرة الضوء على ضعف أمن المنطقة، وأثارت تساؤلاتٍ حول فاعليّة الإجراءات الأمنيّة الإسرائيليّة، الأمر الذي أجبر الحكومة الإسرائيليّة على إعادة تقييم مقاربتها لمشروع الاستيطان في النقب، ودراسة انعكاساته على الاستقرار الإقليمي.