مصر: تبدد التفاؤل بالجلسة الافتتاحية لـ"الحوار الوطني"

مصر: تبدد التفاؤل بالجلسة الافتتاحية لـ"الحوار الوطني"

30 مايو 2023
الجلسة الافتتاحية لـ"الحوار الوطني"، 3 مايو الحالي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

سرعان ما تبدد التفاؤل الذي خلفته الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني في مصر، في 3 مايو/أيار الحالي، بعد كلمتين وصفتا وقتها بـ"الناريتين"، إحداهما للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وزير الخارجية السابق عمرو موسى، والأخرى للسياسي حسام بدراوي، مستشار الحوار الوطني.

وبعد أسبوعين من الجلسات على صعيد المحاور الثلاثة (السياسي والاقتصادي والمجتمعي)، بدا الأمر، بحسب سياسيين وحزبيين، "مكلمة" (جلسة أحاديث) وليس حواراً كان مخططاً له أن يضع حلولاً للأزمة السياسية والاقتصادية، وحالة الانغلاق التي تفرض نفسها على المشهد.

وحول مجريات هذا الملف، يشير الناشط الحقوقي جمال عيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رأيي أن الحوار الوطني خطوة شكلية، مثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أو لجنة العفو الرئاسي، أو قرار وقف حالة الطوارئ. وهي كلها خطوات شكلية لمحاولة إرضاء الخارج، في حين أن الداخل يتم قمعه".

ويبدي أسفه لأن "البعض مهما كان حسن النية، يعرف جيداً أنه جزء من تجميل المشهد، ويتذرع بمحاولات الإفراج عن سجناء الرأي، في حين أن الكثير من المشاركين يتجنب غضب الدولة ويحاول تأمين نفسه بالمشاركة في الحوار الوطني الذي لا يفيد إلا الدولة، ويعطي فرصة لبعض المعارضين لتجنب غضب الدولة أو الدوران في آلة القمع الموجودة".


علاء الخيام: الجميع يؤدي بالحوار دوراً لكن لا تأثير حقيقياً للمعارضة

ويضيف عيد أنه "بعد أكثر من عام من الترتيبات، وبعد بدء الحوار، من المؤسف أن حالات القبض السياسي من النظام لا تزال مستمرة ومتصاعدة، ومن الحزين أن يكون سوء ظني في هذا النظام في محله".

ويرى أن "فكرة أن البعض يقدم نفسه على أنه مضطر للمشاركة في الحوار من أجل محاولة الإفراج عن المعتقلين، في الحقيقة أنك لا تساهم في الإفراج عن أحد، لكنك تحاول حماية نفسك أو تحاول الاستفادة بقربك من الدولة، لأن من يضغط على نفسه هو الشخص المصمم على كشف هذا الزيف حتى ولو تعرض لبطش الدولة".

لا حوار سياسياً فعلياً

من جهته، يقول عضو الحركة المدنية الديمقراطية، رئيس حزب الدستور السابق، علاء الخيام لـ"العربي الجديد": "قراري من البداية هو رفض المشاركة في الحوار الوطني بهذا الشكل، لأنه ابتعد عن المسار الذي اتفقنا عليه في بيان 8 مايو/أيار 2022، وبعد مرور أسبوعين تحول الحوار الوطني إلى مكلمة، ولا يوجد حوار سياسي بمعنى وجود أطراف مختلفة في الآراء يتناقشون معا، أحدهم لديه السلطة والقدرة على التغيير إذا اقتنع بالآراء. ما يحدث مجرد مكلمة في مشهد حزين لا يمكنك أن تفرق فيه بين المعارضة والموالاة، بل مجرد تأدية لأدوار محددة، كل شخص يقرأ ورقة لمدة 4 دقائق لتسجيل المواقف، وليس بها أي نقاش أو رؤية سياسية أو حوار يُثار حول الأفكار المطروحة".

ويضيف الخيام أن "الأمر أصبح شكلياً، والجميع يؤدي به أدوارا لكن لا تأثير حقيقياً للمعارضة، بل مجرد عنوان بمشاركة المعارضة في الحوار، حتى عندما أتابع الإعلام الرسمي للدولة لا أجد أي ذكر للمعارضة، إنما مجرد كيانات وهمية لا يعلم عنهم المصريون شيئاً".

ويوضح: "منظمات مجتمع مدني لأول مرة أسمع عنها، وأحزاب لا أحد يعرف عن وجودها في مصر من الأساس.. تاهت فكرة الحركة المدنية وتاهت أحزاب المعارضة من أمام أعين المواطن، الذي لا يرى فارقاً بين المتحدثين أمامه".

ويتابع الخيام: "ليس هكذا يكون الحوار الذي وضعنا له بعض الشروط والضمانات في بيان 8 مايو، فالحوار يجب أن يكون جدياً وبين طرفين مختلفين حول نقطة واحدة للخروج بحلول محددة، لكن ما يحدث الآن عبارة عن ناظر مدرسة يعطي الكلمة لكل تلميذ لقراءة نص مكتوب".

ويعتبر أن "النظام وحده المستفيد من الحوار الوطني، فأمام الإعلام توجد مشاركة للمعارضة، والمشهد الوحيد الذي يتذكره الناس منذ بدء الحوار، هو مشهد الكلمة التي ألقاها السيد عمرو موسى".

وينوّه الخيام إلى أن "النقطة الأهم، تتمثل في تدخل المستشار محمود فوزي في إدارة الحوار وتوجيه القاعات، كما ثبت أن الجلسات لا يتم بثها بشكل مباشر كما كان متفقاً عليه، فبث الجلسات يتأخر أحياناً لمدة ساعة كاملة ويتم اقتطاع بعض الكلمات".

ويلفت إلى أنه "تواصلت مع بعض الزملاء المشاركين، الذين كان بيننا التزام بالإشارة إلى سجناء الرأي في بداية الكلمة والمطالبة بإخلاء سبيلهم، وألقيت اللوم عليهم لعدم التزامهم بما اتفقنا عليه، فأخبروني بالتزامهم بالاتفاق، ولكن كلمتهم تم اقتطاعها، ولاحظنا تأخير بث الجلسة لحوالي ساعة، وهذا أمر غير متفق عليه". ويلفت إلى أن "التغطية الإعلامية الرسمية للدولة تسوّق لتوافق الأحزاب السياسية على نظام القائمة المغلقة، وهو أمر مناف للحقيقة وبعيد تماماً عما يدور في الجلسات".

ويضيف الخيام أن "بعض أعضاء الحركة المدنية والأحزاب المحسوبة على الثورة، لم يلتزموا بالكلمة المتفق عليها بالإشارة إلى سجناء الرأي والمطالبة بالإفراج عنهم، وصدمت بوجود البعض من المحسوبين على أرضية مشتركة من الأفكار ولم يلتزم بالكلمة في تصرف غير مقبول".


خالد داود: لا أحد يتخيل أن الممارسات الأمنية يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها

بدوره، يعتبر المتحدث الإعلامي باسم الحركة المدنية، المقرر المساعد للجنة الأحزاب السياسية بأمانة الحوار الوطني، خالد داود، في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "بعد فترة طويلة من المنع في المجال العام، كان الحوار الوطني فرصة جيدة للتعبير عن أفكارنا ومواقفنا ورؤانا، والطريقة التي تم تنظيم الجلسات بها، أن كلا من المشاركين ألقى كلمته، وحاولنا أن ننبه المشاركين لأن تكون كلماتهم بها رؤى وأطروحات سياسية وليست تسجيلًا للمواقف. ومن المفترض أن يقوم كل من المقرر والمقرر المساعد بكل لجنة، بصياغة أهم الأفكار والتوصيات ورفعها إلى مجلس الأمناء الذي بدوره يرفعها إلى رئاسة الجمهورية بما أنها الجهة الداعية للحوار".

جمود في ملف النظام الانتخابي

ويوضح داود أنه "بالنسبة للنظام الانتخابي لم يحدث تحريك للمواقف، فأحزاب الموالاة تتمسك بنظام القائمة المطلقة وترفض نظام القائمة النسبية، بينما تطالب أحزاب المعارضة بالقائمة النسبية في الانتخابات، فهناك إدراك بصعوبة الوضع في الحالة الحالية".

ويضيف أنه "بالنسبة لملف المعتقلين، فهناك اتفاق في الحركة المدنية على أن كل شخص يبدأ حديثه يجب أن يشير إلى ملف سجناء الرأي والمطالبة بالإفراج عنهم، وتم الالتزام بهذا القرار من غالبية المشاركين بنسبة تصل إلى 80 في المائة على الأقل، لدرجة أن إدارة الحوار أخبرونا بأن رسالتنا وصلت بوضوح".

ويتابع داود: "البعض يطالب بتعليق المشاركة في الحوار الوطني لحين ظهور الناشط الطلابي معاذ الشرقاوي، لكن في الحقيقة، الأمر ليس مقتصراً فقط على معاذ الشرقاوي، فهناك من قبله محمد الباقر وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وغيرهم، حتى بالتزامن مع إطلاق الحوار أُلقي القبض على أقارب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، والصحافي حسن القباني، وبعض من المنتمين لأحزاب الحركة المدنية".

ويؤكد داود أن "لا أحد يتخيل أن الممارسات الأمنية يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها بسبب إطلاق الحوار الوطني، حتى تجربة السنة الأخيرة لم تثبت ذلك، فنحن نشارك على أمل تغيير الممارسات، ونطالب الجهات الداعية للحوار ليس فقط بإطلاق سراح السجناء، ولكن بتوقف الممارسة نفسها، والتوقف عن القبض على المواطنين بسبب التعبير عن آرائهم".

ويشدّد على أنه "نبحث عن أي فرصة لإحداث ثقب في المجال العام، فمن الموت الكامل للحياة الحزبية وعدم وجود أي نقاش سياسي عام، أصبح لدينا أقله صوت ونستطيع طرح أفكارنا والتحدث علناً عن سجناء الرأي والمطالبة بتغيير الممارسات الأمنية".

ويضيف داود: "كنا أمام خيارين، إما أن نعلن مقاطعة الحوار وعدم المشاركة، وبالتالي يُغلق الباب تماماً أمام إطلاق سراح السجناء، وإما أن نشارك ونستمر في المحاولة والضغط. وفي النهاية كان قرار الأغلبية المشاركة، لكن لا أحد يتخيل بحسن نية أن تتبدل الأوضاع بشكل لحظي".