مساعي أردوغان لاستعادة شعبيته: إصلاحات اقتصادية وعودة للشارع

مساعي أردوغان لاستعادة شعبيته: إصلاحات اقتصادية وعودة للشارع

15 نوفمبر 2020
تداعيات كورونا وتراجع الليرة أثّرا على الحزب الحاكم (براق كارا/Getty)
+ الخط -

يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استعادة شعبيته، بعدما تراجعت أخيراً نتيجة تدهور سعر صرف الليرة التركية، وتداعيات وباء كورونا الكبيرة على الاقتصاد التركي. وهو اختار لذلك العودة إلى التواصل المباشر مع الشارع، واتخاذ خطوات اقتصادية سريعة شملت إحداث تغييرات في حكومته، بعدما أثبتت التجارب أن التأثيرات الاقتصادية دائماً ما كانت تساهم في انخفاض شعبية أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم. هذا الأمر كان واضحاً بشكل كبير في انتخابات الإدارة المحلية عام 2019، والتي خسر فيها الحزب مدناً كبرى كانت تعتبر معاقل له، وصُنّفت الأزمة الاقتصادية في عام 2018 أحد أبرز أسباب تلك الخسارة.
وسارع أردوغان لإحداث تغييرات وإصلاحات في الاقتصاد، لتنعكس تحسناً في سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، مع تقديمه تعهدات بمتابعة هذا المسار، وهو ما لاقى صدىً إيجابياً واسعاً في الشارع التركي. وتضمنت كلمة الرئيس التركي، التي ألقاها أمام الكتلة البرلمانية لـ"العدالة والتنمية"، يوم الأربعاء الماضي، أيضاً، تعهدات بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والقضائية، وعقد لقاءات مع المستثمرين الأتراك والأجانب، والاستماع إليهم بما يضمن استقرار استثماراتهم وتوفير بيئة آمنة.

انعكست إجراءات أردوغان سريعاً تحسناً في سعر صرف الليرة التركية

وتأتي كلّ هذه الجهود بعد تراجع شعبية الرئيس التركي وحزبه في الفترة الأخيرة وفق استطلاعات الرأي، بسبب تداعيات كورونا وتراجع الاقتصاد. وبات التحالف الجمهوري الحاكم، الذي يجمع حزب "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، يواجه خطر فقدان النسبة الكافية من المؤيدين المطلوبة في الحكم، وهي أكثر من 50 في المائة، بعدما انخفضت نسبة التأييد له وفقاً لأرقام استطلاعات الرأي الأخيرة، لتصل إلى حدود 51 في المائة.
وسعى أردوغان خلال الفترة الأخيرة للتقارب مع الشارع التركي، كما في سنوات حكمه الأولى، مكثفاً حضوره في الأماكن العامة، ومتواصلاً مع الأتراك في كلّ مكان للاطمئنان عليهم، كما حصل في اتصاله بشابين تركيين ساعدا في إنقاذ شرطي في النمسا خلال العمل الإرهابي الذي وقع أخيراً في البلاد. واتصل الرئيس التركي كذلك بالمصابين جرّاء زلزال إزمير وقام بزيارة بعضهم، فضلاً عن إرسال الوزراء إلى مواقع الأزمات وحشدهم، كما حصل تماماً في فيضانات ريزة، وزلزال إزمير.

اقتصادياً، استهل أردوغان حملته الجديدة بتعيين محافظ جديد للمصرف المركزي، وهو ناجي آغبال، الذي وُصف بأنه يعتمد سياسات أقرب للاقتصاديين الذين ساهموا بنهضة البلاد، مثل وزير المالية السابق محمد شيمشك، وهو ما أعطى الإشارة الأولى للتغيير. تبع ذلك استقالة صهره، وزير الخزانة والمالية براءت البيرق، والتي شكّلت مفاجأة أثارت الجدل محلياً، كونها جاءت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجاء الرد عليها بعد أكثر من 24 ساعة بقبولها. لكن هذه الاستقالة، وتعيين لطفي علوان وزيراً جديداً للخزانة والمالية، مع تغيير محافظ المصرف المركزي، كلها عوامل ساهمت ببدء تحسن الليرة التركية، بعد فترة من انهيارها. تبع ذلك خطاب أردوغان أمام الكتلة البرلمانية لحزبه، متحدثاً عن أن الفترة المقبلة ستشهد إصلاحات جديدة وتأسيس بيئة اقتصادية آمنة، وإصلاح القضاء، الأمر الذي تفاعل معه الشارع التركي، لا سيما أن مسلسل تحسن الليرة التركية تواصل، ما ترك انطباعاً إيجابياً لدى المواطنين. كما أن هذه التطورات ترافقت مع الاتفاق الذي حصل بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ، والانسحاب الأرميني من الإقليم، ما اعتُبر في تركيا نصراً للبلاد، يحاول أردوغان توظيفه، باعتبار أن تركيا قدمت دعماً كبيراً لأذربيجان، فجاءت الخطوتان في صالح الرئيس.
الكاتب التركي في صحيفة "خبر تورك" المعارضة، محرم صاري كايا، قال في مقال له قبل أيام، إن الاقتصاد التركي اتجه نحو منحنى جديد، خصوصاً بعد كلمة أردوغان الأربعاء، والتي أدّت إلى تحرك الأسواق بشكل كبير، متوقعاً أن يواصل الاقتصاد المحلي هذا الاتجاه بعدما رسم الرئيس الخطة الجديدة، مع الثقة التي تأسست بقدوم المحافظ الجديد للمصرف المركزي والوزير الجديد للخزانة والمالية. وأوضح كايا أن وزير العدل عبد الحميد غل سيكون الرجل المقبل في الخطة الموضوعة لتحسين الاقتصاد عبر تعديلات وإصلاحات يتوجب عملها في قطاع القضاء. واعتبر أن اللقاء الذي جرى في وقت متأخر من مساء الأربعاء مع جمعية رجال الأعمال الدوليين خطوة في اتجاه التواصل مع المستثمرين، كما أن أردوغان ركّز في كلمته على إصلاحات وفق متطلبات قواعد الاقتصاد العالمية وتطوراتها، معتبراً أنه في حال مواصلة الاعتماد على الأسماء الفعّالة والمؤثرة في الاقتصاد فإن عجلة الإصلاح واستعادة الثقة بالأسواق ستكون أسرع.

تأسست الثقة بقدوم محافظ جديد للمصرف المركزي ووزير جديد للخزانة والمالية

كذلك كان هذا الموضوع حاضراً لدى الكاتب المعروف في جريدة "حرييت" عبد القادر سيلفي، الذي رأى أن كلام أردوغان يعطي إشارات جديدة للأسواق عبر الحديث عن أسواق آمنة ودولة القانون، ولهذا يجب تقييم كلمة الرئيس أمام كتلته البرلمانية بشكل إيجابي. وبرأيه، فإن أردوغان عمد إلى القيام بحملة سياسية في الوقت المناسب. وأضاف الكاتب، الذي كان حاضراً خلال إلقاء الرئيس التركي كلمته، أن ملامح التغيير كانت بادية على أردوغان أثناء دخوله القاعة ملقياً التحية، فيما قال مغادراً إن "القادم سيكون جيداً". وتوقع سيلفي أن تتضمن خطوات المرحلة المقبلة استقراراً في الأسعار، وخلق فرص عمل نوعية، ووقف التضخم والعجز الميزاني، والتوجه لدعم الاستثمارات الخارجية.

تقارير دولية
التحديثات الحية