لوبيات الاحتلال تستنفر في أوروبا

لوبيات الاحتلال تستنفر في أوروبا: أدوات رديئة لتشويه الحراك المتضامن مع فلسطين

11 نوفمبر 2023
من تظاهرة داعية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في تولوز (العربي الجديد)
+ الخط -

تحاول البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الغرب، وخصوصاً في أوروبا، حيث تتوسع الحركة المتضامنة مع فلسطين والرافضة للمجازر الإسرائيلية وحرب الإبادة التي ترتكب في قطاع غزة، تدارك الخسائر الناجمة عن قدرة هذه الحركة على التحشيد في الشارع دعماً للفلسطينيين. وتعتمد هذه البعثات في ذلك خصوصاً على لوبياتها واليمين الأوروبي المتشدد، واتهام المتظاهرين بـ"معاداة اليهود والتحريض على الإرهاب". وتصطدم هذه المحاولات، بوعي جيل جديد من الناشطين الفلسطينيين ومؤيدي قضيتهم، بل وبمشاركة اليهود الأوروبيين الرافضين للاحتلال، في تلك الفعاليات، ما يساهم في اصطدام السرديات عن معاداة السامية بجدار مرتفع، مع توسع الفعاليات المتضامنة مع فلسطين ومشاركة الملايين فيها.

أدوات إسرائيلية لمواجهة التضامن

ورصد "العربي الجديد" بعض الآليات لمواجهة التضامن مع الفلسطينيين، وكيفية قيام الناشطين والمتضامنين في الساحات الأوروبية بمواجهتها.

فمنذ اللحظات الأولى لبدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدا واضحاً أن دولة الاحتلال استنفرت كلّ أنصارها في اللوبيات الضاغطة بالغرب، ومؤيديها في معسكر اليمين المتشدد. هكذا، بدا أيضاً أن حظراً سريعاً فُرض على التضامن مع غزة وفلسطين في ساعات العدوان الأولى، في عدد من الدول الأوروبية ومنها فرنسا، لتبدو التحركات بدايةً "شبه محلية"، أي في تجمعات سكنية تضم فلسطينيين وأنصارهم، قبل أن يتنبه جيل الشباب ويمسك بزمام المبادرة وحمل التضامن مع فلسطين إلى مستوى أعلى.

مشاركة يهود في حملات التضامن تُفشل المساعي الإسرائيلية

في الدنمارك، مثلاً، كانت مدينة آرهوس وسط غرب البلاد، تعيش ما يشبه الحصار لأي ردّ فعل على العدوان في الشارع، بما يشمل ذلك رفع العلم الفلسطيني. وفي الأيام التالية لعملية "طوفان الأقصى"، ومع اشتداد القصف والتدمير الإسرائيلي في غزة، ركزت وسائل إعلامية منساقة وراء السردية الإسرائيلية، أسئلتها لمشاركين في فعاليات شبابية متضامنة مع فلسطين على سؤال: "لماذا تحتفون بما قامت به حماس؟". وقال شاب دنماركي فلسطيني تصدى لإحدى القنوات التي طرحت مثل هذا السؤال، لـ"العربي الجديد"، إن "مجرد طرح السؤال بدا مقدمة لشيطنة أي عمل نبادر إليه لإظهار أن مواقف حكومة الدنمارك لا تعكس مواقف الشارع الدنماركي".

في السويد وألمانيا وإيطاليا، وبقية الدول التي لا تزال تشهد ذات الأجواء الضاغطة بحجة "معاداة السامية"، تنبه جيل جديد من الفلسطينيين والعرب والأوروبيين إلى "فخ" أن تذهب محاولات إظهار التعاطف والتضامن مع فلسطين وكأنها تستهدف اليهود. شبه اتفاق حصل، بحسب ما استطلع "العربي الجديد"، بين مجموعات شبابية أخذت مبادرة توسيع وتنظيم عملها، على التنبه لاستبعاد "عناصر التخريب"، وبما يشمل التصريحات والهتافات التي تُستَغل لتصوير التحركات بأنها تستهدف الجاليات اليهودية.

وطبيعة التخريب، منه "متعمد وآخر غير متعمد"، بحسب نشطاء. وفي هذا السياق، أوضحت الجامعية سميرة س. من برلين، لـ"العربي الجديد" أن مسألة "الانتباه جيداً للشعارات المطروحة جرت مناقشتها لحماية الأعمال التضامنية من الاتهامات بمعاداة اليهود وإبقاء الضغط السياسي على حكومة (المستشار الألماني) أولاف شولتز، بحيث نبقي على الهدف الرئيسي المتعلق بمعاناة الشعب الفلسطيني، وليس التركيز على ما حدث في 7 أكتوبر والخوض فيه". مثل سميرة، قال فائز من مدينة شتوتغارت: "في تحركاتنا التي شارك فيها ألمان متضامنون، لاحظنا أن البعض يريد طرح هتافات غير مناسبة، فجرى سريعاً احتواء الأمر".

وفي تولوز جنوب فرنسا، شرح المسؤول في حركة "صامدون"، توم مارتن، وهو عضو لجان المقاطعة الفرنسية لدولة الاحتلال، لـ"العربي الجديد"، أن محاولات "تشويه تحركاتنا على الأرض هي نتيجة عمل دؤوب منذ ما قبل الحرب الأخيرة على غزة، حيث يأتي بعض من يؤيدون رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو (من ليكوديي أوروبا – نسبة إلى حزب الليكود الإسرائيلي - كما يُطلق عليهم المتضامنون) ليصرخوا أمام الشارع المتضامن باعتبار تحركنا معاديا للسامية".

استنفار واستنفار مضاد

على ما يبدو، فإن توسع حركة التضامن مع فلسطين، من واشنطن إلى لندن، بات يؤرق دولة الاحتلال وممثليها ومؤيديها، خصوصاً مع بروز مواقف إسرائيلية متطرفة داعية لإبادة غزة وتهجيرها، وعدم قدرة الإعلام التقليدي على حجب حقيقة ما يتعرض له الفلسطينيون.

ولم تجد تل أبيب في وجه الشوارع المناهضة لها في الغرب، سبيلاً، سوى انتهاز أي فرصة لإلصاق تهمة معاداة السامية بأي تحرك أو حملة تضامن. هذا ما خلصت إليه مصادر متابعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، وتقاطعت معلوماتها مع وقائع حصلت في أكثر من ساحة. ويشمل ذلك، التذكير دائماً بما تعرض له اليهود في حقبة النازية، ومنها على سبيل المثال استغلال ليلة الكريستال (أو الزجاج المكسور) في ألمانيا مساء 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، لإحياء هذه الذكرى حين تعرضت متاجر اليهود للهجوم في ألمانيا في عام 1938، والخروج بمسيرات مشاعل صامتة من قبل مؤيدي الاحتلال، دون رفع العلم الإسرائيلي.

وبحسب متابعين، فإن "طرح المظلومية على هذا الشكل، هو ناظم دائم للعمل الصهيوني على مدار عقود ماضية، عمل فيها على محاصرة العمل الفلسطيني في الساحات الأوروبية". وخروج مسيرات مشاعل دون أعلام إسرائيلية، يأتي غالباً مصحوباً بتغطية إعلامية مشوهة للشارع الآخر. كما أن إظهار الصورة بهذا الشكل (دون علم دولة الاحتلال) يهدف إلى اعتبار أن الحركة المتضامنة مع فلسطين ترهّب اليهود وتمنعهم حتى من التعبير عن يهوديتهم.

لكن حلفاء "الليكود" فاتهم "أن عدداً كبيراً من اليهود أنفسهم ينسفون تلك السردية المعتمدة على استدرار العطف وممارسة انتهازية تعتمد على تأنيب الضمير في أوروبا"، بحسب الناشط اليهودي الإسكندينافي جونثان غولدشتاين، المؤيد للقضية الفلسطينية، والرافض للصهيونية ولوجود إسرائيل، في حديث لـ"العربي الجديد". وغولدشتاين، ناشط ومدافع في الدنمارك والسويد والنرويج عن ضرورة مقاطعة دولة الاحتلال.

وتشهد بعض التحركات التضامنية مع الشعب الفلسطيني محاولات تخريب، وفق منظمين لفعاليات من هذا النوع، على نحو بات "مرصوداً". وقالوا: "حتى قبل أن تنطلق الفعاليات، تأتي فجأة مجموعة لتبدأ أمام الجمهور رفع الصوت بنقاشات عن أن هذه الفعاليات تستهدف اليهود، وهي تندرج تحت بند العنصرية ومعاداة السامية".

استنجاد الاحتلال باليمين المتطرف يضعف حملاتهم المضادة

مواجهة هذا السلوك من قبل شبّان وشابات باتوا يدركون الهدف منه، جاءت وفق هؤلاء كما شرحوا لـ"العربي الجديد"، بعد رصد المزيد منه، وكأنه "عمل منظم أكثر مما كان عليه الوضع خلال التحركات الأولى، ما يعني أن الانزعاج في تل أبيب يتزايد مع توسع الحراك المتضامن على مستوى العالم". وذكر منظمو فعاليات في الدنمارك والسويد وألمانيا، أنه "لدرء الوقوع في هذا الفخّ، جرى الاتفاق على أن لا يجري التصدي لهؤلاء الساعين لتشويه التحركات من أشخاص لا يدركون الأبعاد، وتم الاتفاق على اختيار أشخاص بعينهم لمحاصرة محاولات التخريب والتشويه".

خسارةٌ بالمراهنة على التطرف الأوروبي

خلال الأيام الأخيرة، زادت المؤشرات على محاولات "استنفار أنصار إسرائيل" في الساحتين الأوروبية والبريطانية بحسب ما أكد صحافي مطلع في برلين، رفض ذكر اسمه لـ"العربي الجديد". ومن بعض المؤشرات، أن "توجيهات أشبه بتلك التي تصدر في أنظمة العالم الثالث، ومن خلال سفارات الاحتلال ووفود وصلت إلى بروكسل ولندن وغيرها، تطالب المؤيدين بحشد جمهور في الشارع ليقابل الشارع المتضامن مع فلسطين" وذلك لتوفير المبرر للسلطات من أجل إلغاء الفعاليتين.

مشكلة هذه التوجيهات، وفقا لحزبيين من اليسار الألماني والدنماركي تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أنها "تزيد الإساءة لصورة إسرائيل أكثر، فخروج يمينيين متطرفين، أو مشجعي كرة قدم من الهوليغانز (مجموعات عنيفة لتشجيع كرة القدم)، لتأييد قصف غزة، يعني بالفعل أن حالة يأس وصلت إليها دعاية تل أبيب في أكثر من مكان أوروبي".

وقالت ستينا أبيلغورد، المتابعة في كوبنهاغن لعلاقة "الليكود باليمين المتطرف"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الدفع بمثل هؤلاء ومعهم أقطاب الفاشية "يقابله ببساطة تمسك يساري أوروبي بتوسيع التضامن مع فلسطين وعدم السماح بظهور الأمر وكأنه شارع مقابل شارع، كما فعل نتنياهو في مواجهة الشارع المعارض له في تل أبيب قبل الحرب".

ويبدو أن محاولات دولة الاحتلال تدارك توسع موجات الدعم الدولية لفلسطين، تعتمد كذلك على بعض المواقف الرسمية لبعض الدول الأوروبية، عدا دعم البيت الأبيض. فكوبنهاغن، مثلاً، والتي توشك على التورط بمشاركة إسرائيل بجرائم حرب من خلال تزويدها ببعض التقنيات والمعدات في قصف غزة، تذهب إلى مناقشة ما إذا كان من الممكن تجريم التظاهرات والتضامن مع فلسطين بحجة "بروز مظاهر معاداة السامية"، كما عبّرت رئيسة الحكومة الدنماركية ميته فريدركسن.

الواضح من السجالات الأوروبية، أن اليمين المتشدد، وفي الحالة الدنماركية "حزب الشعب الدنماركي" (الذي تقوده شخصيات عضو في الحركة الصهيونية ولجان التضامن مع الاحتلال) هي التي تضغط لأجل حظر العمل التضامني مع غزة، واتهام الشوارع المتظاهرة بأنها "داعمة للإرهاب ومحرضة على اليهود".

لكن توم مارتن، من تولوز، رأى أن "محاولات مواجهة المد التضامني مع فلسطين بهذا الأسلوب الرديء، لم تعد قابلة للتطبيق مع خروج الملايين لرفض جرائم الحرب الإسرائيلية". كما أكد لـ"العربي الجديد"، المحامي عن قضايا ملاحقة ناشطين في ألمانيا، أحمد عابد، أن "استهداف العمل التضامني يصبح صعباً مع توضح أنه عمل يرفض وفق الدستور والقوانين ما يجري من حرب على المدنيين الفلسطينيين".

تبقى الإشارة، بحسب ناشط يهودي في الدنمارك، إلى أن "مشكلة اتهام الحركة المتضامنة مع فلسطين، سواء في أميركا أو أوروبا، تصطدم بجدار صلب من مشاركة الكثيرين من اليهود الرافضين للصهيونية والاحتلال في هذه التحركات". وهو ذات الأمر الذي تؤكده ستينا أبيلغورد التي تذكر أنه "ربما نشاهد البعض يحاول التخريب بدفع من أنصار إسرائيل، لكن ذلك معبِّر عن يأس وخوف من تهاو أوسع للسردية التي لا يمكنها بالطبع أن ترمي تهمة معاداة اليهود والسامية على تحركات يشارك فيها بقوة اليهود أنفسهم، وهو مؤشر قوي على مشكلة جدية مفادها أن إسرائيل باتت تواجه أزمة شرعية على مستوى الشوارع الغربية، رغم ما حاولت بعض الحكومات ووسائل الإعلام تقديمه من مساندة بعد 7 أكتوبر".

يبدو واضحاً أن موجات التضامن البشري في الغرب أصبحت تشكل عامل ضغط على مواقف الحكومات الأوروبية. ومع تحول علم فلسطين إلى أكثر الأعلام والرايات ارتفاعاً في الغرب هذه الأيام، يبدو مفهوماً كل هذا الجهد من قبل اللوبيات ومناصري الاحتلال لمحاصرة التضامن الدولي المتصاعد أسبوعا وراء أسبوع، بحسب ما يقوله منظمون للتظاهرات.

يوسف الدموكي
يوسف الدموكي

يوسف الدموكي

كاتب وصحافي مصري، مدوّن في موقع "العربي الجديد".

المساهمون