لماذا لا تزال الاستطلاعات تخفق في تقدير شعبية ترامب؟

لماذا لا تزال الاستطلاعات تخفق في تقدير شعبية ترامب؟

12 نوفمبر 2020
يبدو تصويت الجاليات اللاتينية لترامب الأكثر وضوحاً (إيثان ميلر/Getty)
+ الخط -

أخفقت استطلاعات الرأي الوطنية في الولايات المتحدة، وتلك التي جرت على مستوى الولايات طوال أشهر قبل الانتخابات الرئاسية، مجدداً، في أرقامها، بعدما أشارت إلى فوز كبير، تجاوز مرّات عدة نسبة الـ10 في المائة، للمرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي عاد وتمكن من الفوز على الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، ولكن بنسب مقلّصة جداً، لا سيما في ولايات الشمال الثلاث المصيرية، ويسكونسن وميشيغن وبنسلفانيا. وحتى الاستطلاعات التي أجرتها الولايات ذاتها، بعيداً عن الشركات المتخصصة، لم تقارب أبداً النتيجة النهائية. وإذا ما أُخذت فلوريدا مثالاً، حيث يُرصد تصويت الجاليات اللاتينية، فإن الاستطلاعات فشلت في رصد مدى دعم الناخبين فيها لترامب. هذا السبب، أي التصويت اللاتيني الضخم الذي صبّ لصالح الرئيس في فلوريدا وتكساس، هو من الأكثر وضوحاً، حتى الآن، لشركات الاستطلاعات التي تحاول تفسير أسباب فشلها، لكن هناك تفسيرات أخرى بدأت تتضح، على أن تصبح أكثر وضوحاً مع نشر الولايات كافة البيانات حول الناخبين الذين صوتوا أخيراً في انتخابات 2020. وتجدر الإشارة إلى أن الإخفاق ينسحب أيضاَ على انتخابات الكونغرس. وفي المحصلة، تجزم صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير لها نشر أمس الأربعاء، أنه ليس من المبكر أبداً القول إن سوء التقدير المنهجي للتأييد الذي يتمتع به ترامب، ظلّ مشابهاً هذا العام لما حصل في 2016 (حين فاز ترامب على هيلاري كلينتون بخلاف ما توقعت استطلاعات الرأي)، وقد يكون هذا السوء، بحسب رأيها، قد تفاقم في العام الحالي. ورأت مجلة "أتلانتك" أن قطاع الاستطلاعات قد أحدث كارثة، وكذلك المحللين ووسائل الإعلام التي عملت على نشر الاستطلاعات للرأي العام، مثل موقع "538"، و"نيويورك تايمز"، ووحدة الانتخابات في مجلة "إيكونوميست".

ظلّ سوء التقدير المنهجي للتأييد الذي يتمتع به دونالد ترامب مشابهاً لما حصل في 2016

ما سبب هذا الإخفاق؟
يحاجج مديرو استطلاعات الرأي بأنها "لن تكون مثالية" بكل الأحوال، وأن الاستطلاع الوحيد الذي يصيب هو "يوم الاقتراع". لكن الحجة الأساسية التي سيقت في العام 2016، في معرض تفسير الفشل في التنبؤ بفوز ترامب، كان عدم اشتمال الاستطلاعات حينها على عيّنة معتبرة من المواطنين غير المتعلمين، بالإضافة لعدد كبير من المترددين الذين صوّتوا في النهاية للملياردير الجمهوري. لكن خلال العام الحالي، بدأ أن هذين السببين قد جرى تداركهما، لا سيما أن عدد المترددين، في مواجهةٍ كانت شديدة الاستقطاب، بدا أقل. إلا أن تدارك الخطأ لم ينفع، لا على مستوى الولايات، ولا على الصعيد الوطني. وكانت أكثر مؤسسات استطلاعات الرأي موثوقية قد منحت كلينتون في 2016 تقدماً على الصعيد الوطني بحدود 4 نقاط مئوية أو أقل، وهو رقم ظلّ قريباً من الـ2.5 نقطة مئوية التي ربحتها على ترامب في التصويت الشعبي.

وفي انتظار بيانات أكثر دقة، ترى "نيويورك تايمز" أن هناك طريقتين حتى الآن لفهم تكرار تجربة 2016. الأولى هي أن المستطلِعين أخطأوا أساساً في تقييم أسباب الإخفاق في 2016، بمعنى أن اختيارات غير المتعلمين، والذين شملتهم عيّنات أكثر هذا العام، ليست وحدها سبب الفشل. أما السبب الثاني، فهو أن أبحاث الاستطلاعات قد واجهت هذا العام تحديات أكبر، بمعنى أنه مهما كانت الخطوات التي اتخذت للتصحيح، فإنها لم تنجح بسبب مجموعة جديدة من المشاكل. وبرأي الصحيفة، فإن التفسير الثاني أكثر منطقية، وهو أن التحديات غلبت التحسينات.
ولم ينفع هذا العام الاهتمام الذي أبدته شركات الاستطلاعات للفوارق في المستوى التعليمي. إذ أظهرت أرقامها أن تأييد بايدن لدى البيض غير الحاصلين على شهادة تعليم ثانوي، أعلى من التأييد الذي منحه هؤلاء لكلينتون. لكن ذلك خاب بعد صدور النتائج. فقد أظهرت النتائج الإحصائية النهائية في 2020 أن ترامب يتقدم بهامش 58 في المائة مقابل 37 في المائة لمنافسه لدى هذه الشريحة التعليمية. حتى أن بايدن أظهر أداءً أسوأ لدى هؤلاء، من كلينتون، في ولايات بعينها ومقاطعات داخل الولايات. وكانت استطلاعات الرأي في 2016 قد كشفت تبدلاً في مزاج غير المتعلمين، لكنها فشلت في التنبؤ بمدى تأثيره.
إلى ذلك، خابت بدورها الاستطلاعات حول توجهات الأميركيين من كبار السن، إذ إنها أظهرت باستمرار تقدماً مريحاً لبايدن لدى هؤلاء، وصل في استطلاع مشترك لـ"أن بي سي" و"وول ستريت جورنال" لحدود 23 نقطة، وهو ما لم يُترجم على أرض الواقع.

غلبت التحديات التي طرأت خلال العام الحالي التحسينات التي اعتمدتها شركات الاستطلاعات

واعتبرت "نيويورك تايمز" أن سبب الخطأ الأعمق هو "سوء تقدير جوهري لأمزجة مجموعات ديمغرافية كبيرة، وليس فقط لحصّتها من مجموع الناخبين". ورأت أنه حتى مع شمول الاستطلاعات نسبة أكبر من غير المتعلمين، أو من اللاتينوس، فإن النسبة المستطلعة منهم يجب أن تتطابق مع توجهات النسبة غير المستطلعة. وتحدثت عن بعض الاحتمالات لتفسير الإخفاق، منها أن ترامب نفسه أضرّ بالاستطلاعات، إذ إنه في 2016، لم تكن هناك إشارات مسبقة تدل على وجود "كتلة صامتة" ستصوت له، أما اليوم، فيبدو أنها موجودة، وأنها لم تدل بدلوها لشركات الاستطلاع، بعدما ظلّ ترامب يهاجمها طوال سنوات، إلى جانب تحذيره من وسائل الإعلام التقليدية. كما أن فكرة "المقاومة" الشعبية تضرّ بالاستطلاعات، التي أساءت التقدير مجدداً حين اعتبرت أن ارتفاع نسبة الناخبين الموجهين سياسياً في معسكر اليسار، ستقابله نسبة أخرى موجهة يميناً لترامب، وستكون أكثر قابلية للإفصاح عن توجهاتها الانتخابية. أما بالنسبة إلى نسبة الإقبال النهائية، ومقارنتها بين الديمقراطيين والجمهوريين، فمن المبكر إحصاؤها، إلا أنه بالإمكان أخذ فلوريدا كعيّنة، حيث ظهر أن نسبة الناخبين المسجلين الذين اقترعوا لدى الجمهوريين تخطت بنقطتين نظيرتها لدى الديمقراطيين، في حين أن بايدن كان متقدماً لدى "الناخبين المسجلين" بنسبة أقل من تقدمه لدى "الناخبين المحتملين".  
بدوره، رأى ديفيد شور، وهو محلل بيانات مستقل، أن حيادية الاستطلاعات أصبحت موضع شك، لأن المستطلعة آراؤهم ممن يجيبون الشركات هم مختلفون عن أولئك الذين يمتنعون عن الكشف عن توجهاتهم. وقال شور، لموقع "فوكس"، إن هذا الاختلاف توسع اليوم لعوامل كثيرة، منها الجنون الذي أحدثه فيروس كورونا، والانخراط السياسي الأكبر للديمقراطيين، وكذلك انخراطهم الأوسع في تمويل الاستطلاعات.