لبنان: اتهامات بعرقلة "مفتعلة" لتشكيل الحكومة قبيل لقاء عون والحريري

لبنان: اتهامات بعرقلة "مفتعلة" لتشكيل الحكومة قبيل لقاء عون والحريري

24 ديسمبر 2020
خلاف بين عون والحريري على وزارات العدل والداخلية والدفاع(حسين بيضون)
+ الخط -

قال رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، أمس الأربعاء، بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، كلمته ومشى، من دون أن يُحدِّد موعد الزيارة الخامسة عشرة إلى قصر بعبدا، مُكرّراً في تصريحه إلى الصحافيين، حرص "القائمين" على التشكيلة على ولادة حكومة تعمل على وقف الانهيار في لبنان، ومنبهاً من خطورة إهدار الوقت والفرصة الفرنسية في ظلّ الأزمات التي تجتاح البلاد على مختلف الأصعدة.

وبالتزامن مع تحسّن حالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان ينوي زيارة لبنان يومي 22 و23 ديسمبر/كانون الأول الجاري لولا إصابته بفيروس كورونا في خطوة حملت آمالاً بكسر الجمود الحكومي، انتكست العلاقة بين الرئيسين عون والحريري من جديد رغم "الأجواء الإيجابية" التي أشاعها كلّ منهما بعد لقائهما الثالث عشر، يوم الثلاثاء الماضي، والمرفقة بوعود "عيدية الميلاد الحكومية"، في "بشرى" انطلت أيضاً على تجار العملة الذين سارعوا إلى خفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 7900 ليرة لبنانية للدولار الواحد بعدما كان قد لامس 8500 ليعود ويرتفع، الأربعاء، متجاوزاً عتبة 8300 إثر الحديث عن تطيير الملف الحكومي إلى ما بعد رأس السنة.

"الساعة العاشرة صباحاً من يوم الأربعاء، كان التحرّك في الكواليس الذي غيّر مسار لقاء الرئيسين ولبّد أجواءه قبيل انعقاده"، يقول مصدر قيادي في "تيار المستقبل" لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، ويشير إلى أنّ فريق رئيس الجمهورية وأوساط "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، "سارعوا في ساعات الصباح إلى نشر معلومات وأخبار تفيد بأنّ الخلاف لم ينتهِ بعد، وهناك عقد كثيرة لا تزال معلّقة ويجب البحث بها، وقالوا صراحةً للناس بأن لا يستبشروا خيراً بولادة الحكومة، أمس".

ويتّهم المصدر القيادي باسيل بـ"التدخل دائماً لتعكير الأجواء بين عون والحريري والدخول على خطّ مضمون اللقاءات لتغييره، وذلك في كلّ مرة يغادر فيها رئيس الوزراء المكلف قصر بعبدا، والذي عادةً ما يصرّح للإعلام بالتفاهم القائم مع رئيس الجمهورية واقتراب الحلّ، قبل أن يُفاجأ لاحقاً بالنقلة السلبية السريعة"، مشيراً في المقابل، إلى وجود قرار إقليمي بعدم تشكيل حكومة في لبنان، حيث إنه إضافة إلى العقد الداخلية، هناك الاستحقاقات الخارجية وفي المنطقة، سواء إيرانياً أو أميركياً، التي دائماً ما تُعلَّق عليها ملفات لبنان، ولكن في جميع الأحوال إن لم تشكّل الحكومة في بداية شهر يناير/كانون الثاني المقبل، فإنّ الاستحقاق الحكومي سيدخل في نفق مظلم وخطير قد ترافقه ضربة موجعة للبلاد".

من جهته، يلخّص مصدر متابع للملف الحكومي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الخلاف بين الرئيسين عون والحريري بإصرار الأول على وزارات العدل والداخلية والدفاع، الأمر الذي يرفضه الحريري باعتبار أنه لا يريد لرئيس الجمهورية أن يمسك بالقرار الأمني والقضائي وحتى العسكري في البلاد، علماً أنّ الحريري أبدى طرحاً بالمشاركة معاً في الأسماء المطروحة لهذه الوزارات والشخصيات المسيحية. كما أنّ الرئيس عون، الذي يعتبر أنه تنازل عن الحكومة العشرينية ورضيَ بمجلس من 18 وزيراً، يريد تمثيلاً واسعاً في الحكومة العتيدة، أقلّه بالحقائب الأساسية في حال تخليه عن الثلث المعطل الذي يرفض الحريري منحه لأحد؛ أي إعطاء أي حزب 7 أو 8 وزراء منعاً للسيطرة على الحكومة.

في المقابل، يقول المصدر، إنّ "الحريري مهما تحدث عن حكومة من أصحاب الاختصاص تضم وزراء مستقلّين فهو عاجز عن تحقيق ذلك، لكنه جمَّل شكل الحكومة بأسماء من أصحاب الاختصاص والكفاءة والسيرة الذاتية المبنية على الكفاءة وشخصيات غير مستفزة أو ملتزمة حزبياً، معطياً الأحزاب الحق في اختيار بعض منهم من بوابة المشاركة ربطاً بالتقاليد السياسية والطائفية".

هذه المعطيات والاتهامات بالتعطيل لفريق رئيس الجمهورية، تنفيها نائبة رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون السياسية مي خريش، جملة وتفصيلاً، وتقول لـ"العربي الجديد": "هذا الكلام هو مجرَّد شمّاعة ليعلّق هؤلاء فشلهم عليها".

وتؤكد خريش أنّ "التيار" لا يتدخل على الإطلاق في المشاورات الثنائية، لا بل يضع ثقته بالرئيس عون الذي بحسب الدستور هو شريك مع رئيس الوزراء المكلف في الملف الحكومي، "لكنهم لا يريدون قراءة الدستور وتفسيره بالشكل الصحيح وربما اعتادوا على رؤساء باش كاتب يوقعون فوراً مراسيم تشكيل الحكومة"، بحسب قولها، لافتة إلى أنّ المُشرِّع استعمل عبارة "بالاتفاق" في الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور، بما يعني الشراكة، أي التشاور والتفاهم والرضى بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف.

وترى نائبة رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون السياسية أنّ الحلّ الوحيد لولادة حكومة في وقتٍ سريعٍ وفي خلال ساعة حتى، يكمن في احترام الدستور ووحدة المعايير.

في السياق، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي، في رسالة عيد الميلاد المجيد، اليوم الخميس، إنّ "مسؤوليتنا التاريخية والوطنية دفعتنا إلى القيام بمبادرة تهدف إلى حث المسؤولين على تأليف حكومة سريعاً منعاً للانهيار الشامل، ومنذ اللحظة الأولى كنا ندرك الصعوبات الداخلية والخارجية ووجود أخرى خفيّة ومفتعلة تعيق التشكيل، لكننا أخذنا بعين الاعتبار مصلحة المواطنين ومآسيهم وكنّا نراهن على الضمير عند المسؤولين. وكان المبدأ ألّا يتحكم أي طرف بمفاصل الحكومة خارج المساواة بين الطوائف".

وأضاف: "الشعب، ونحن معه، يريد حكومة اختصاص محصّنة بوجه التسييس تتولى ورشة النهوض والإصلاح، وتعيد لبنان إلى منظومة الأمم. كنا في معرض انتظار حكومة تصلح الدولة، لا في معرض تأليف حكومة يسيطر البعض من خلالها على مفاصل الدولة".

وأسف الراعي "لسقوط الوعود التي أعطيت لنا فعاد تأليف الحكومة إلى نقطة الصفر"، في حين توجه إلى المسؤولين بالقول: "فكّوا أسر لبنان من ملفات المنطقة وصراعاتها ومن حساباتكم ومصالحكم المستقبليّة الخاصة"، مضيفاً: "حبّذا لو يبادر المعنيون إلى مصارحة الشعب في أسباب عدم تأليف الحكومة. فمن حقّه أن يعرف واقعه ومصيره. إن لدى بعض المسؤولين الجرأة في الفشل، فلتكن لدى البعض الآخر الجرأة في النجاح ومصارحة الشعب. ومع كل ما جرى، نحن مستمرون في مساعينا بكل ما أوتينا من قوة وإيمان ومن ثقة الشعب وشبابه".

بدوره، عايد الرئيس عون اللبنانيين بـ"حلول عيد الميلاد المجيد والسنة الجديدة على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد". وكتب الرئيس عون على حسابه عبر "تويتر": "ويبقى الميلاد بشارة الرجاء الذي لا ينقطع مهما اشتدت الصعاب، ويبقى العام الجديد بداية نأملها أن تكون واعدة".

البابا فرنسيس يعتزم زيارة لبنان

إلى ذلك، أعلن البابا فرنسيس أنه يعتزم زيارة لبنان "في أقرب فرصة ممكنة"، وذلك في رسالة دعم وجّهها، اليوم الخميس، إلى جميع اللبنانيين من كافة الطوائف بمناسبة عيد الميلاد.
وكتب الحبر الأعظم "أيّها الأحبّاء أبناء لبنان وبناته، كبيرٌ ألمي عندما أرى الوجع والقلق الذي يخنق روح الإقدام والحيويّة التي فطرت عليها بلاد الأرز".
وأضاف: "أشعر اليوم في عمق نفسي، بهول خساراتكم، خصوصاً عندما أفكّر بالكثير من الشباب الذين انتُزع منهم كلّ رجاء بمستقبلٍ أفضل".
واعتبر البابا أن هوية لبنان تحمل "إلى العالم بأسره شذا الاحترام، والعيش معاً والتعدّديّة" مضيفاً: "إنّها هوية شعب لا يترك بيوته وميراثه".
ووجّه نداءً جديداً إلى المجتمع الدولي لمساعدة لبنان "على البقاء خارج الصراعات والتوتّرات الإقليميّة" وكذلك "على الخروج من الأزمة الحادّة وعلى التعافي".
وجاء في المقطع: "أنتم أيّها المتسلّطون، أنتم يا قضاة الأرض، أنتم يا نوّاب الشعب، الذين تعيشون نيابة عن الشعب أنتم مُلزَمون، بصفتكم الرسميّة ووفقًا لمسؤوليّاتكم، أن تسعوا وراء المصلحة العامّة. وقتكم ليس مكرّساً لمصالحكم، وعملكم ليس لكم، بل للدولة وللوطن الذي تمثّلونه".