عودة نتنياهو واستراتيجية الرقص على حبال التنسيق الأمني

عودة نتنياهو واستراتيجية الرقص على حبال التنسيق الأمني

29 يناير 2023
صلاة الجمعة في وادي الربابة بسلوان، احتجاجاً على الاستيطان (سعيد قاق/Getty)
+ الخط -
اختتم وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، ولايته بدعوة رئيس سلطة رام الله، محمود عباس، إلى مواصلة التنسيق الأمني مع الاحتلال، محذراً، في السياق ذاته، من الخطوات التي تقودها السلطة في أروقة الأمم المتحدة، المتعلقة بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية، زاعماً أن "التحركات الدولية ضد إسرائيل، كتلك التي تسعى السلطة الفلسطينية لاتخاذها في الأمم المتحدة، ستضر في نهاية المطاف بالجمهور الفلسطيني، وفوق كل شيء ستجعل من الصعب الدفع، مستقبلاً، نحو عملية سياسية بين الطرفين".
كانت دعوة غانتس لعباس قبيل عودة اليميني المتطرف، بنيامين نتنياهو، إلى منصبه في رئاسة حكومة الاحتلال، التي دفعت الإذاعة الإسرائيلية العامة إلى التنويه بشأن "مخاوف تراود حكومة الاحتلال، حول اتجاه السلطة الفلسطينية، في ضوء التصعيد الحالي وسياسات حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، إلى وقف التنسيق الأمني"، فهل يتجرع رئيس سلطة رام الله حليب السباع ويتخذ هذه الخطوة؟

الإمعان في التنسيق الأمني، هو ببساطة انتحار سياسي سيقود حتماً إلى ثورة شعبية تفتح الباب على جميع الاحتمالات

 
ذكرت وسائل إعلام عبرية أخرى، أن السلطة الفلسطينية لا تعتزم وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، رداً على العقوبات التي فرضت عليها، إثر توجهها إلى محكمة لاهاي، "حتى لا يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة مع حكومة نتنياهو". وأضافت: "عباس ينتظر ضغط الرئيس الأميركي، جو بايدن، على حكومة نتنياهو لإلغاء تلك العقوبات". هذا التوصيف أكثر دقة، في الواقع، مما رددته الإذاعة الإسرائيلية عن "المخاوف" المتعلقة بوقف التعاون الأمني مع حكومة نتنياهو المتطرفة، إذ طالما لوّح رئيس سلطة رام الله، عند كل محطة سياسية، باتخاذ هذه الخطوة، قبل أن يتراجع على أرض الواقع، الأمر الذي جعل من تلك التهديدات أشبه ما تكون بطرفة تتداولها الصالونات السياسية.

التطورات الميدانية الأخيرة؛ بعيدًا عن تنبؤات وتحليلات صحف العدو، أرغمت رئيس سلطة رام الله على تعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل، إثر المجزرة التي اقترفها جيش الاحتلال في جنين، كما أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة؛ نبيل أبو ردينة، "التعاون الأمني مع إسرائيل لم يعد قائمًا بعد ما حدث في جنين".

لا يمكن اعتبار قرار الرئاسة الأخير أكثر من مناورة؛ لن يكتب لها الاستمرار، كما يثبت تاريخ السلطة الحافل بالمناورات التكتيكية البحتة، التي لا تستند إلى استراتيجية كفاحية بالمعنى الحقيقي. الرد الشعبي السريع، متمثلًا في العملية التي نفذها البطل خيري علقم في القدس المحتلة، ستفرض هي الأخرى تطورات جديدة، قد تتخذها سلطة عباس مبررًا؛ بطريقة ما، لاستئناف التنسيق الأمني لاحقًا، أو ربما نتيجة ضغوط واشنطن، التي سوف تمارسها على سلطة رام الله قريبًا، إذ تعتبر الأخيرة "العم سام" بمثابة صانع أقدارها.

الرهان على "اليانكيز"

الرهان على الولايات المتحدة هو الورقة الخاسرة حتماً، التي يريد رئيس سلطة أوسلو اللعب بها مهما كلف الأمر، متوهماً بأن حكومة بايدن قد ترغم الاحتلال يوماً على التراجع عن العقوبات، التي فرضها رداً على "تشويه" صورته، أو بالأحرى إزعاجه في المحافل الدولية، كأن الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي الأول للكيان الصهيوني، ستتوقف عن دعم كل خطوة يراها المتطرف نتنياهو مناسبة للمضيّ في مشروع ضمّ الضفة الغربية وغور الأردن، بل والذهاب إلى ما هو أبعد من حدود صفقة القرن.
ملحق فلسطين
التحديثات الحية
التوجه إلى محكمة لاهاي وفق استراتيجية حل الدولتين، التي تنكر وجود الاحتلال على كامل التراب الفلسطيني، أزعج الحكومة الصهيونية بعض الشيء، لكن ما الذي سيتغير حقاً على أرض الواقع؟ هل أرغمت الأمم المتحدة كيان الاحتلال على تنفيذ قرارٍ واحدٍ من قراراتها التي نجت من "الفيتو" الأميركي سابقاً؟ ما جدوى الضجة التي تثيرها سلطة رام الله في المحافل الدولية في الوقت الذي تستمر فيه بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، وقمع كل أشكال المقاومة، حتى تلك السلمية التي قد تعزز موقفها التفاوضي، أو حراكها السياسي ــ الدبلوماسي على المستوى الدولي؟
عاد المتطرف، نتنياهو، حاملاً في جعبته الكثير لقيادة سلطة رام الله، مع هذا من المستبعد تجرؤ، تلك السلطة، على التفكير جدياً في وقف التنسيق الأمني، الذي بات فعلياً أداةً بيد الاحتلال، في مواجهة أي حراك شعبي، أو أية صيرورات نضالية، سواء أكانت عسكرية أم حتى سلمية.

طالما لوّح رئيس سلطة رام الله، عند كل محطة سياسية، باتخاذ هذه الخطوة، قبل أن يتراجع على أرض الواقع

"التنسيق الأمني مقدس"، هذا ما سبق وأعلنه محمود عباس، دون أدنى تردد، سيستمر في ترجمته عبر أجهزته الأمنية على أرض الواقع، رغم كل ما قد تتخذه حكومة نتنياهو من خطوات، سلب المزيد من الأراضي، وبناء المزيد من المستوطنات، في سياق مشروع تحقيق التطهير العرقي الكامل على أرض فلسطين.

استراتيجية الانتحار

المشكلة، التنسيق الأمني الذي نشهده في فلسطين المحتلة يتجاوز مفهومه اللغوي، الذي يفترض أن يعني تنسيقاً بين كيانين بغرض تبادل المعلومات الاستخبارية، من أجل الحفاظ على أمن كلا الطرفين. عملياً، نحن أمام تعاون أمني مفروض على سلطة رام الله فقط، وتكليف بملاحقة المقاومين، وقمع النضالات السياسية، حفاظاً على استمرار الاحتلال وتمدده، بأقل كلفة ممكنة! فلماذا تصرّ سلطة عباس على المضي في هذا المسار وتعتبر الأمر مقدساً؟!
آداب وفنون
التحديثات الحية
في الواقع، لا تقتصر مخاوف قيادة السلطة على إمكانية استبدالها بأخرى، أكثر استعداداً لتقديم المزيد من التعاون الاستخباراتي مع الاحتلال، بل تكمن المشكلة جوهرياً في مقاربة استراتيجية حل الدولتين برعاية الإمبريالية العالمية، وبالطرق الدبلوماسية فقط، التي جعلت من الرهان على "العم سام"، والتزام كل إملاءاته واشتراطاته، بما فيها التنسيق الأمني، بديلاً من المقاومة المستمرة من أجل تحرير فلسطين. وفقاً لهذه الاستراتيجية، التي تتمسك بها سلطة أوسلو، فإن "المجتمع الدولي"، الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها، "سيرغم" الاحتلال على القبول بوجود دولة فلسطينية مستقلة، فيما تغدو المقاومة مسألة "عبثية"!
في ظل حكومة نتنياهو الجديدة، التي تعتبر تسريع إنجاز صفقة القرن وبلورتها مجرد بداية، سيكون التعاون الأمني أخطر من أي وقتٍ مضى، على واقع القضية الفلسطينية ومستقبلها، بل وعلى شعوب المنطقة كافة، إذ لن تكتفي الأجندة الصهيونية بتنفيذ قرار الضم، والمضي في التطهير العرقي والتوسع الاستيطاني، بل تتجاوز تطلعاتها حدود شرق نهر الأردن، والصحراء العربية، ما يعني أن استمرار تمسك سلطة رام الله باستراتيجية الحل المرحلي، والاستجداء الدبلوماسي، والإمعان في التنسيق الأمني، هو ببساطة انتحار سياسي سيقود حتماً إلى ثورة شعبية تفتح الباب على جميع الاحتمالات.