سيناريوهات جلسات المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت

سيناريوهات جلسات المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت

14 ديسمبر 2020
من المفترض أن يستجوب صوان رئيس حكومة تصريف الأعمال اليوم (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

تتركَّز الأنظار، اليوم الاثنين، إلى "السراي الحكومي" حيث من المُفتَرَض أن يتّجهَ المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوان، لاستجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، المُدعى عليه بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص.

ولا يزال مصير "الجلسة" غامضاً، بعد "الانتفاضة السياسية والطائفية" التي رفعت شعار "موقع الرئاسة الثالثة خط أحمر"، ووجهت سيلاً من الاتهامات إلى القاضي صوان ووضعت خطوته في إطار "المؤامرة، والانحياز والاستهداف السياسي المقصود". 

ولم يسلَم من الاستهداف أيضاً رئيس الجمهورية ميشال عون، إذ يُتهم بالتدخل في التحقيقات الأمر الذي نفاه مكتبه الإعلامي، وأن "أي ادعاء يجب أن يبدأ من رأس الهرم أي الرئاسة الأولى".

وقال مصدر مقرّب من دياب، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس حكومة تصريف الأعمال سيحسم قراره صباح اليوم، وأي كلام إعلامي آخر حول تأكيد مسألة عدم المثول أمام القاضي صوان، رُبط بإشارة دياب في بيانه، إلى أنه قال "ما عنده في هذا الملف ونقطة على السطر".

وشدد على أنّ "دياب لا يحاول التهرّب وهو غير خائف لكونه مؤمنا بنظافة كفّه، كما يتمسّك بالقانون والدستور وهما المعياران الأساسيان لأي موقف يتخذه". وأوضح المصدر نفسه، أن دياب انتقل للإقامة في منزله بعد أسبوع من وقوع انفجار مرفأ بيروت، وليس صحيحاً أنه غادر السرايا أمس الأحد قصداً لعدم استقبال صوان.

علامات الاستفهام نفسها تُطرَح أيضاً بشأن ما إذا كان سيحضر الوزراء الثلاثة السابقون المُدعى عليهم أيضاً غازي زعيتر، وعلي حسن خليل، ويوسف فنيانوس، إلى مكتب القاضي صوان حيث حدّد يومي الثلاثاء والأربعاء لاستجوابهم، علماً أنّ الأجواء الراهنة توحي برفضهم المثول أمامه بذريعة دياب نفسها، "التجاوزات القانونية التي ارتكبها المحقق العدلي، والاستهداف السياسي".

وقال مصدر في "تيار المردة" (يرأسه سليمان فرنجية)، لـ"العربي الجديد"، إن فنيانوس الذي ينتمي إلى المردة، لم يحسم قراره بعد، وإنه لا يخشى شيئاً رغم أنه على يقين بتعرّضه لاستهداف سياسي وهو سيترقّب خطوات دياب وخليل وزعيتر.

وقال المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد"، إنّ خطوة "تحريك المحقق العدلي للإجراءات الجزائية ضد وزراء، وهم نواب حاليون مثل زعيتر وخليل، جاءت متأخرة جداً وخاصةً أن مجلس النواب يُعتبر حالياً في دورة انعقاده الثانية الحُكمية، والتي تبدأ، بحسب المادة 32 من الدستور، من يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول وتستمر حتى نهاية العام.

وأوضح عزو إن خطوة تحريك الإجراءات الجزائية تصطدم بالمادة 40 من الدستور التي تنصّ على "عدم جواز اتخاذ إجراءات جزائية، أثناء دور الانعقاد، بحق أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً إلاّ بإذن من المجلس، باستثناء حالة الجريمة المشهودة المتلبّس بها"، وهو بالتأكيد ليس حال النائبين المذكورين لانعدام التلبس الجرمي بشأنهما.

لم يسلَم من الاستهداف أيضاً رئيس الجمهورية ميشال عون، إذ يُتهم بالتدخل في التحقيقات الأمر الذي نفاه مكتبه الإعلامي

 

ويشير عزو إلى أنه تبعاً لذلك، فإنه يكون لزاماً على المحقق العدلي الشروع بإجراءاته الجزائية نحوهما؛ إمَّا من خلال الحصول على إذن مسبق من مجلس النواب للتمكن من توجيه الإجراءات الجزائية ضدهما أو انتظار انتهاء حالة الانعقاد الحكمي لمجلس النواب، وإلاَّ فإن التحقيق الموجّه نحوهما سيكون مخالفاً للنص الدستوري المذكور. 

ويلفت إلى وجود عائق قانوني آخر يحول دون حق المحقق العدلي في الشروع باستجواب مباشر لبعض الوزراء المنتمين لنقابة المحامين (زعيتر وفنيانوس وخليل)، إذ يتوجب على المحقق العدلي أن يُبلغ أولاً نقيب المحامين لكون الجرم ليس مشهوداً، وذلك استناداً لأحكام المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة.

ويوضح المحامي عزو أنه، من حيث المبدأ وبعيداً من مسألة العائق القانوني المذكور، إذا تعذر حضور المدّعى عليهم أو لم يرسلوا محامين عنهم للاستمهال بغية تقديم دفوع شكلية، فإنه يكون للمحقق العدلي إما إرجاء الموعد لتاريخ لاحق في حال تثبّته من عذرٍ مشروعٍ حري بالقبول حال دون حضورهم أمامه، كوجود خطر صحي أو أمني على تنقّلهم، وإما الانتقال بصحبة كاتبه إلى المكان الذي من الممكن استجوابهم فيه. 

ولفت إلى أنه في حال انعدام العذر المذكور، فإنه يحق للمحقق العدلي تسطير مذكرة إحضار في حقهم تتضمن أمراً خطياً لقوى الأمن بتأمين إحضارهم بالقوة العامة قبل 24 ساعة من موعد الجلسة المقرّرة لاستجوابهم، باعتبار أن المحقق العدلي يمارس في الواقع دور قاضي التحقيق وهذه الصلاحيات استناداً لأحكام المادتين 75 و106 معطوفة على أحكام المادتين 362 و363 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

ويشدد عزو على أن "الأهم من ذلك كله، ونظرًا لعدم قيام المجلس النيابي بممارسة صلاحيته تلقائياً في التحقيق مع الوزراء المشتبه بتورطهم في جريمة المرفأ نتيجة إهمال أو تقصير في مهامهم، فإنه يصبح لزاماً تولي القضاء العدلي هذه الصلاحية، غير المحصورة فقط بالمجلس النيابي وحده بحسب الصياغة التشريعية للمادة 70 من الدستور". 

وفي سيناريو آخر، يبقى احتمال تنحي القاضي صوان وارداً جداً، وفق تعبير مصدر قضائي مطلع على الملف، لـ"العربي الجديد"، ولا سيما بعد الهجوم السياسي الذي تعرّض له مع وقوف "نادي رؤساء الحكومة السابقين" إلى جانب دياب وإعلانهم تضامنهم معه، وهي خطوة أقدمت عليها كذلك دار الفتوى. 

وعلاوة على ذلك، تعد الثقة الشعبية مفقودة بالتحقيق المحلي، والذي بطبيعة الحال يتولّاه صوان، منذ تعيينه في 13 أغسطس/آب الماضي. 

 وكان محيط منزل صوان شهد تحرّكات احتجاجية كثيرة اعتراضاً على مسار التحقيقات البطيء الذي يشوبه الكثير من علامات الاستفهام والغموض، والتوقيفات التي لم تطاول، بعد مرور أربعة أشهر على الانفجار، أي شخصية سياسية.

وفي حال تنحى المحقق العدلي عن الملف، يقول المحامي عزو، "تعاد الأمور إلى نقطة الصفر بحيثُ يتوجب تسمية قاضٍ جديد محله لإكمال المهمة القضائية، وذلك يكون بقرار تصدره وزيرة العدل، بناءً على قرار يتوافق عليه مجلس القضاء الأعلى، استناداً إلى المادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية".

وأردف عزو "قرار المجلس في هذا الشأن ملزم لوزيرة العدل الذي يكون قرارها بتسمية المحقق العدلي مجرد إجراء شكلي تُعلن فيه ما توافق عليه المجلس المذكور بكون النص المنوّه عنه أوجب على وزيرة العدل تسمية المحقق العدلي بناءً على موافقة هذا المجلس، دون وجود ما يفيد فيه بصلاحيتها في مشاركتهم بهذا الأمر، وذلك لاستقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية".

وتأتي هذه التطورات مرفقة بمعركة بيانات رفعت سقف الخلافات الداخلية والاتهامات المتبادلة، لا سيما على جبهة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، الذي هاجمت كتلته النيابية "المستقبل" أمس الأحد، سياسات التعطيل التي انتهجها عون "كرمى لعيون الصهر"، أي النائب جبران باسيل. 

وتقول الكتلة إن عون يواصل سياسات التعطيل من خلال "فرض المعايير والتمسّك بالثلث المعطّل" على حدّ قولها، الأمر الذي يزيد من العراقيل التي تحول دون ولادة الحكومة قريباً، خصوصاً أن هناك تشكيلة مقدّمة من الحريري للرئيس عون، قابلها طرح متكامل من رئيس الجمهورية، ما ضاعف التعقيدات قُبيل زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المرتقبة إلى لبنان الأسبوع المقبل.