سعيّد يوسّع تصفية الخصوم... والمعارضة التونسية صامدة بوجه القمع

سعيّد يوسّع تصفية الخصوم... والمعارضة التونسية صامدة بوجه القمع

23 فبراير 2023
أوقفت قوات الأمن عصام الشابي أمس (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

تعيش تونس اليوم حالة من التوتر الشديد، بسبب دخول البلاد مرحلة قد تحسم الصراع السياسي بين الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه، إذ دخل سعيّد ما يصفها "معركة التحرير الوطني"، بينما يرى معارضوه أن هيستيريا الاعتقالات الأخيرة دليل على آخر أيام هذا المسار الذي خسر كل معاركه، الشعبية الانتخابية من جهة، والاقتصادية الاجتماعية من جهة أخرى.

وشن سعيّد حملة غير مسبوقة من الاعتقالات والملاحقات القضائية والتحقيقات، بدأت تتوسع لتشمل العشرات من كل الطيف المعارض، سياسيين وإعلاميين ونقابيين ومدوّنين وقضاة ومحامين ورجال أعمال.

وأضيفت إلى القائمة الأولية، قائمة جديدة تشمل الوزير الأسبق رئيس حزب آفاق تونس، فاضل عبد الكافي، الذي دعي للتحقيق مجدداً بسبب بيان لحزبه بشأن الاستفتاء، وكذلك نقيب الصحافيين مهدي الجلاصي، والناشط السياسي وائل نوار، والحقوقية نورس الدوزي، والحقوقية أسرار بن جويرة، بتهمة التحريض على العصيان والاعتداء على موظف عمومي، وذلك بسبب تنظيم وقفة احتجاجية في 18 يوليو/تموز 2022 ضد الاستفتاء.

وأُضيف إليهم رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، الذي دعي للتحقيق الثلاثاء الماضي بسبب شكوى أمنية، وسيمثل اليوم الخميس للتحقيق بسبب شكوى من مجهول، بحسب حركة النهضة، وسط مخاوف حقيقية من أنصاره من إمكانية توقيفه هذه المرة.

أما آخر الملاحقين، فهو الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، الذي أوقفته قوات الأمن مساء أمس الأربعاء، علماً أن الشابي شارك في ندوة سياسية، نظمتها جبهة الخلاص الوطني، السبت الماضي.

وكان عصام الشابي، قد قال لـ"العربي الجديد" قبل توقيفه، إن "حضوره في ندوة السبت تؤكد رؤية الحزب الجمهوري الذي لم يعد مقتنعاً بالتباعد لأن الديمقراطية مستهدفة والجميع مستهدف"، معتبراً أن "كل من يريد الانتصار للديمقراطية عليه أن يمد يديه ويتضامن من أجل تقديم بديل مدني سلمي ديمقراطي يقوم على إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات، والبحث عن حلول للأزمة الاجتماعية والاقتصادية".

عصام الشابي قبل اعتقاله: كل من يريد الانتصار للديمقراطية عليه أن يمد يديه ويتضامن من أجل تقديم بديل مدني سلمي ديمقراطي

ولفت إلى أنه "لا بد من توفر الحد الأدنى بين المعارضة، وهو موضوعياً موجود، ولكن المعارضة لم تلتقِ، ومطلوب تقديم بدائل سياسية تقنع التونسيين بالانخراط في هذا العرض"، مؤكداً أن "الطريق الحالي مسدود وإنقاذ البلاد يكون بمجهود كل أبناء هذا الوطن".

ولاحظ الشابي أن "خروج اتحاد الشغل والنقابيين في مسيرات في محافظات عدة السبت الماضي، في إطار سلسلة أولى من التحركات، هو رد مدني سلمي ديمقراطي من اتحاد فرحات حشاد (أحد قياديي الاتحاد التاريخيين) الذي يدافع عن نفسه وعن كامل البلاد"، مضيفاً أن "كل هذه التحركات تندرج في خانة الإنقاذ والانتصار للحقوق النقابية والاقتصادية والاجتماعية وللديمقراطية عموماً".

تونس أمام منعطف حاسم

وتُطرح أسئلة كثيرة على الساحة السياسية التونسية اليوم بسبب الغموض الشديد الذي يلف مستقبل البلاد ومستقبل التجربة الديمقراطية، فكيف يمكن توصيف الوضع اليوم، وهل تقف تونس في مفترق الطرق؟ هل دقت ساعة الامتحان الحقيقية فعلاً بين الديمقراطية والاستبداد، كما يتصور معارضو سعيّد؟

كما تبرز تساؤلات عن هذه الحملة التي يقودها سعيّد ضد الجميع، من سياسيين ورجال أعمال وإعلاميين ونقابيين، وما هي حظوظ نجاحها؟ وبالتالي هل سيصمد المجتمع التونسي أمام محاولة إعادته إلى مربع الخوف؟ وبعد تحركات الاتحاد العام التونسي للشغل في أكثر من منطقة، هل بات اجتماع الشارعين السياسي والاجتماعي قريبا؟

وعن ذلك، اعتبر رئيس جبهة الخلاص الوطني، أحمد نجيب الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تونس بالفعل في منعطف، لأن حملة التوقيفات رفعت الستار عن حقيقة النظام الذي انتصب منذ 25 يوليو 2021، ولكن هذه الحملات جعلت رقعة الغضب تكبر والمقاومة تتسع وتتحد".

أحمد نجيب الشابي: حملات التوقيف جعلت رقعة الغضب تكبر والمقاومة تتسع وتتحد

وأوضح الشابي أن "تونس في وضع لا تحسد عليه، وهي في أزمة سياسية خانقة تتعفن، وفي أزمة اجتماعية وعزلة دولية وخيبة أمل شعبية، ولكن هذا الاشتداد في الأزمة قد يقود إلى الانفراج"، معتبراً أنها "محطة على طريقة تعديل القوى حتى تنقلب موازين القوى وتتحرر تونس".

صورة عن دكتاتورية ناشئة

من جهته، رأى القيادي في حركة النهضة، محمد القوماني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "حملة الاعتقالات السياسية الأخيرة تكمل مشهداً طالما أنكره سعيّد، وهو أننا نعيش في دكتاتورية ناشئة، وأن حقوق الإنسان مهددة، وأن أجندة سعيّد هي تصفية خصومه منذ البداية".

وأضاف: "بعد المحاكمة الغيابية للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وبعد الزج برئيس الحكومة السابق علي العريض داخل السجن، وملاحقة سياسيين، والمحاكمات العسكرية التي استهدفت نواب البرلمان، وحملة الاعتقالات الأخيرة التي شملت وزير داخلية سابقا ووزير عدل سابقا وعدة مسؤولين، كل هذه المحاكمات لا يمكن إلا أن توضح صورة نظام يريد تصفية خصومه بجميع أنواعهم، ليمتد الأمر إلى مدير إذاعة خاصة نور الدين بوطار، ورجل الأعمال كمال اللطيف، والناشط السياسي خيام التركي، ووليد جلاد، والقائمة طويلة".

ولفت إلى أن "الضحايا كثر ومنهم قضاة، ومن بينهم اثنان من أكبر قضاة تونس، وعلى الرغم من إطلاق سراحهما من قبل قاضي التحقيق سابقاً إلا أنه يتم إيقافهما من جديد، وأحدهما نُقل إلى المستشفى بسبب الغبن والضغط الكبير في التحقيقات والتهجمات الواضحة من قبل رئيس الجمهورية"، معتبراً أن "هناك خلفية واضحة في حملة الاعتقالات لتصفية كل الخصوم الفاعلين والمحتملين".

في المقابل، أكد القوماني أن "هذه الحملة لن توقف حركة المعارضة المتنامية، وأغلب المعتقلين مروا بتجربة السجون وسيصمدون، ولديهم خبرة في مقارعة الظلم من خلال التجارب ومقارعة مثل هذه الاتهامات". ورأى أن "سعيّد لا يعبأ بالتهديدات ويعتبر أن البلاد ليست في أزمة، محاولاً إقناع الداخل والخارج بذلك، ولكنه لا يقنع إلا نفسه والقليل من أنصاره بعد أن أصبح عدد مهم منهم في المعارضة، وكذلك الشعب الذي صبر سينفد صبره".

وأضاف أن "الحديث عن مؤامرة ومحاولة اغتيال الرئيس أو قلب نظام الحكم غير مجدية، لأن جل المحامين تأكدوا من أن الملفات فارغة، فجلسة في مقهى بين المحامي الأزهر العكرمي والناشط السياسي خيام التركي مهما كان موضوعها لا يمكن أن تغيّر نظاماً أو ترفع الأسعار".

وتابع: "تدوينة لنور الدين البحيري عن الانقلاب، مهما كانت قيمتها، هل يمكن أن تتحوّل إلى مؤامرة لقلب نظام الحكم؟"، معتبراً أن "مثل هذه الأطروحات قديمة متجددة ولا تحتوي أي شيء يدين أصحابها".

وتوقع القوماني أن "تتسع دائرة الاعتقالات لتشمل ربما نقابيين، فهناك قضايا مجمدة ستتم إثارتها"، معتبراً أن "قيس سعيّد يحارب الجميع إلا الفساد، ومهما كانت شماتة البعض أو خصومتهم مع السياسيين فإنهم يعرفون أن التوقيفات لم تشمل فاسدين أو ناهبي أموال الدولة، لأن هؤلاء نشطاء من مواقع مختلفة ومعارضين، ولن تنطلي الحيلة لا في الداخل ولا الخارج، وأكبر دليل الإدانة الدولية الواسعة لما يحصل".

نحو توحّد المعارضة؟

من جهتها، رأت نائبة رئيس البرلمان المنحل، سميرة الشواشي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه تم الوصول إلى ساعة الحسم الحقيقية بين من هو ديمقراطي ومن ليس ديمقراطياً، مبينة أن "الصورة كانت واضحة منذ 25 يوليو 2021، ومن كان له بُعد نظر كان يعرف منذ البداية أن من يهدم المؤسسات الشرعية لن يؤدي إلى أي مسألة إيجابية"، موضحة أن "من ارتأى أن تلك كان فرصة للتحسين وفقَدَ اليوم كل ذلك الأمل، بإمكانه دعم الديمقراطية".

الشواشي: المعارضة كانت مشتتة فكرياً، ولكن الوضع اليوم مختلف وهناك وحدة وطنية في التقييم بأن هذا انقلاب ومسار نحو المجهول يجب إيقافه

وأضافت الشواشي أن "ما يحصل اليوم هو أول رجة قوية بعد الثورة وأول امتحان حقيقي للديمقراطية، وسيتم تثبيتها لأن الشعب الذي تذوّق الحرية لن يقبل بالاستبداد مجدداً".

ولفتت إلى أن "المعارضة كانت مشتتة فكرياً، خصوصاً في التقييم، ولكن الوضع اليوم مختلف وهناك وحدة وطنية في التقييم بأن هذا انقلاب ومسار نحو المجهول يجب إيقافه". وتابعت أن هناك "وحدة في المواقف، ولكن الخطوة الجدية، مثل التي قام بها الناشط السياسي خيام التركي وكانت أساساً حول مشروع توحيدي للعائلات السياسية التي بدأت تقترب من بعضها البعض وهي ذاهبة نحو الوحدة".

المساهمون