دعوات الحوار الوطني في الجزائر: أي مخرجات وأي سقف؟

دعوات الحوار الوطني في الجزائر: أي مخرجات وأي سقف؟

10 ديسمبر 2020
دعوات الحوار تشير إلى ظرف سياسي واقتصادي عصيب (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

يتشكّل إجماع سياسي ومدني في الجزائر، على ضرورة إطلاق مسار حوار وطني يجمع كل القوى الوطنية، لصياغة توافقات مشتركة تجنب البلاد مأزق أزمات أخرى وتكرار الخيارات نفسها المؤدية إلى الانسداد. واللافت أنّ هذه الدعوات إلى الحوار، التي تتزايد أكثر من أي فترة سياسية سابقة، تنطلق من قوى متباينة في توجهاتها السياسية، ومن المؤسسة العسكرية نفسها، بما يعطي مؤشرين أساسيين؛ الأول وجود قناعة داخلية مشتركة بجدية الأزمة المتعددة الأبعاد؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحدية تداعياتها المستقبلية، والثاني وجود تهديدات عميقة قد تضر البلاد وتوفر استنتاجات مشتركة بضرورة استدراك وتصحيح المسار الذي فرضه الجيش منذ صيف عام 2019.

أحدث الدعوات إلى حوار وطني، أطلقتها "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم أحزاب المعارضة الجزائرية تاريخياً (تأسس عام 1963). وقال السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش، في حوار تلفزيوني بث الأحد الماضي، إنّ "الجزائر توجد في منعرج خطير يحمل في طياته الكثير من التهديدات على الأمن القومي وعلى استمرارية الدولة الوطنية"، مؤكداً أنّ "على جميع الوطنيين أينما كانوا، تحمّل مسؤولياتهم التاريخية للتأسيس لعهد جديد وبناء الدولة الوطنية التي تكون نتاج عقد سياسي واجتماعي مشترك يمهد لتغيير جذري وسلس للنظام". ولفت أوشيش إلى "حاجة الجزائر إلى نقاش سياسي جدي وعميق، يذهب إلى لبّ المشكلات العالقة، بدلاً من أن تنساق الطبقة السياسية والمجتمع وراء النقاشات الأيديولوجية العقيمة والدنيئة. فالشعبوية لا تخدم الديمقراطية ولا تبني الدول. وفي المقابل، فإن التسيير الأمني لن يزيد الأزمة إلا حدة، والشعب الجزائري برفضه المشاركة في استفتاء تعديل الدستور، عبّر عن رفضه القاطع والتام لمنظومة حكم برمتها، وعبّر في الوقت نفسه عن تطلعاته وآماله في بناء جزائر الحرية والديمقراطية".


أوشيش: الجزائريون برفضهم المشاركة باستفتاء تعديل الدستور، عبّروا عن رفضهم القاطع والتام لمنظومة حكم برمتها

وفي السياق السياسي والتوقيت الزمني نفسه، أطلق رئيس "حركة البناء الوطني" والمرشح الرئاسي السابق، عبد القادر بن قرينة، دعوات متكررة لحوار وطني. وطرح في بيان نشره الإثنين الماضي "دعوة جديدة للحوار بهدف تمتين الجبهة الداخلية وتماسك النسيج المجتمعي ونبذ الفرقة وهو ما تتحمل مسؤوليته السلطة قبل غيرها، وكذلك الاستجابة للطموحات الشبابية المشروعة، واعتماد الشفافية في المعلومة لناحية تسيير الشأن العام لا سيما في الجانب الاقتصادي. فمن حق المواطن أن يخاف على ثرواته ومؤسساته ومستقبل أجياله، وهو مازال يقف على حجم الفساد السياسي الذي رافقه فساد مالي رهيب مختلف فصوله لم تتكشف بعد". ولفت بن قرينة إلى أهمية الحوار نظراً لطبيعة "الصعوبات والمخاطر التي يتعرض لها الوطن، والاستهداف لمؤسساته السيادية ومحاولات التوتير لكل حدودنا من أجل التأثير على القرارات السيادية للدولة الجزائرية". وهذه ثاني دعوة يوجهها بن قرينة الذي أعلن قبل أيام "استعداد الحركة لقبول أي مبادرة أو السعي فيها، من طرف الطبقة السياسية على اختلاف توجهاتها، إذا كان هدفها الجزائر ورفع الغبن عن شعبها وتمتين الجبهة الداخلية وإشاعة الحريات وتعميق الديمقراطية، ودعوة كل الطبقة السياسية إلى حوار فعال وجاد. وأدعو السلطة لأن يكون صدرها متسعاً لقبول وجهة النظر الأخرى مهما كانت مختلفة".

وفي مؤتمر صحافي عقده السبت الماضي، اعتبر رئيس حركة "مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري أنه "لا حلّ لحفظ البلاد من مخاطر وتهديدات وابتزاز المؤسسات الغـربية المنافقة، سوى بصناعة ديمقراطية حقة بأيدينا، وضمان الحريات لبعضنا البعض وللجميع، على أساس التوافق والتعاون الوطني ضمن الإرادة الشعبية، لنبني وطناً قوياً مزدهراً سيداً لا يخضع للابتزاز أبداً".

ويُرجع محللون للشأن السياسي في الجزائر تزايد دعوات الحوار إلى ثلاثة عوامل أساسية؛ أولاً غموض الأفق السياسي نتيجة الوضع الصحي الطارئ للرئيس عبد المجيد تبون والمفتوح على كل الاحتمالات. وثانياً، الخيبة الكبيرة التي مسّت السلطة بمختلف مكوناتها والطبقة السياسية والمدنية، إزاء المخرجات التي انتهى إليها المسار السياسي الذي فرضته السلطة والجيش منذ أغسطس/آب 2019، بعد إنشاء هيئة حوار بشكل لم يكن توافقياً، فيما لم تشارك في الحوار أبرز القوى المشكِّلة للطيف السياسي في البلاد، وصولاً إلى انتخابات رئاسية جرت في ظروف متوترة، ثمّ استفتاء شعبي كانت نتائجه ونسبة المشاركة فيه قاسمة لظهر السلطة، إذ لم تتجاوز 24 في المائة (5.4 ملايين ناخب من مجموع 24.5 مليون ناخب). فضلاً عن حاضر الاخفاق الحكومي اللافت في وضع خطط ناجحة لإنعاش الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية للجزائريين وتآكل احتياطات البلاد المالية وموجة الإضرابات العمالية المتصاعدة. وثالثاً، التوترات الإقليمية والضغوط الخارجية التي بدأت تلقي بظلالها على الجزائر.


خيبة كبيرة مسّت السلطة بمختلف مكوناتها والطبقة السياسية والمدنية، إزاء المخرجات التي انتهى إليها المسار السياسي

في السياق، رأى المحلل والكاتب السياسي أحسن خلاص، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "دعوات الحوار الأخيرة المتزامنة لافتة للانتباه، وهي تؤكد على ظرف سياسي واقتصادي عصيب، وتأتي في ظلّ الغموض القائم حول مصير الفترة الرئاسية المتبقية للرئيس عبد المجيد تبون، الغائب عن المشهد منذ ما يقارب الشهرين لأسباب صحية، من جهة. ومن جهة ثانية، يبدو بوضوح أنّ هناك إرادة لإعادة النظر في مسار 12-12 (مسار الانتخابات الرئاسية الماضية)". وأشار خلاص إلى "أننا بصدد دعوات أولية، لم تتبلور إزاءها آلية ومقترحات واضحة، وهناك اختلاف على ما يبدو في نوع التغيير الذي ينبغي أن يحدث كمخرجات لهذا الحوار. فهل سيتعلق بتقاسم السلطة في أحسن الأحوال؟ أم بتغيير النظام؟ خصوصاً أنّ السلطة الفعلية لا تزال متعصبة للمخارج الدستورية، وترفض بشكل مطلق فكرة المرحلة الانتقالية أو لجنة العقلاء، وهذا يفرض طرح سيناريوهات أخرى للحوار بعيداً عن ذلك".

ولفت خلاص إلى أنّ "القناعة بضرورة إطلاق مسار حوار وطني ورصّ الجبهة الداخلية، لا تقتصر هذه المرة على القوى السياسية، بل هي موجودة أيضاً داخل القيادة الجديدة للجيش، علماً أنّ المؤسسة العسكرية تعتبر الصانعة الفعلية للقرار والخيارات السياسية في الجزائر. إذ تبنى الجيش في الفترة الأخيرة دعوات حثيثة لتوحيد الجبهة الداخلية، مع حثّ مجموع القوى السياسية الوطنية على التعاون لتجاوز الأزمة الراهنة المتعددة الأبعاد، من دون أن يطرح آلية سياسية لكيفية تنفيذ ذلك، بحكم حرصه (الجيش) على استبعاد نفسه من التدخلات السياسية المباشرة". وكان قائد أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، قد دعا الأسبوع الماضي إلى "ترسيخ دعائم الوحدة ورصّ الصف الداخلي، وتضافر جهود الجميع لتجاوز الأزمة والخروج ببلادنا إلى برّ الأمان، لا سيما أنها تشهد هذه الأيام حملات مسعورة من قبل دوائر معادية معروفة"، مشيراً إلى ضرورة "تحويل قدرة الشعب الجزائري على الصمود في وجه الأزمات والمحن، لتوجيهها وتأطيرها من أجل تعزيز اللحمة الوطنية".

إلى ذلك، تضمّن تقدير موقف نشره الباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، أخيراً، تحذيرات إلى قيادة الجيش بشأن "ضرورة قراءة الوضع الراهن بالشكل الصحيح، واتخاذ الخيارات المناسبة التي تتيح فتح مجال الحريات والإعلام وإشراك المواطنين فيها، والارتكاز على منطق التحولات الاجتماعية والثقافية الإيجابية التي عبّر عنها الحراك الشعبي، حتى لا تخطئ القيادة العسكرية مرة أخرى في فرض حلول من بنات أفكار النظام السياسي المأزوم". ويقصد جابي حثّ الجيش على المساعدة في إطلاق مسار حوار وطني واتخاذ خطوات تهدئة.