عودة قريبة لتبون: ملفات عالقة وتعهدات للتطبيق

عودة قريبة لتبون: ملفات عالقة وتعهدات للتطبيق

05 ديسمبر 2020
بدأت الرئاسة الجزائرية بإجراء الترتيبات اللازمة لعودة تبون (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -

يسجل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال الأيام القليلة المقبلة شهرين كاملين من الغياب السياسي، منذ الإعلان في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن إرجاء اجتماع لمجلس الوزراء، وبعدها دخوله المستشفى العسكري في العاصمة الجزائرية، قبل أن يتقرر نقله نهاية الشهر ذاته إلى ألمانيا للعلاج. وهو وضع أفرز حالة من الجمود، وعزز المخاوف من غموض الأفق السياسي للبلاد، لا سيما لناحية التأثيرات المحتملة للوضع الصحي لتبون على المدى الزمني لمشروعه السياسي.
وبدأت الرئاسة الجزائرية بإجراء الترتيبات اللازمة لعودة تبون إلى البلاد في الأيام القليلة المقبلة، بعد رحلة علاجية دامت أكثر من 40 يوماً في ألمانيا. وذكرت مصادر جزائرية مسؤولة لـ"العربي الجديد"، أنّ "تبون بات في وضع صحي جيد، يسمح له بالعودة إلى البلاد، والأطباء استخلصوا نتائج إيجابية من العلاج، وفترة النقاهة التي تلت خضوعه للعلاج كانت مفيدة جداً". ورجحت المصادر أن "يتلقى تبون زيارة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل مغادرته ألمانيا عائداً إلى الجزائر".

أول الملفات العالقة التي تنتظر تبون، هو توقيع الدستور الجديد

وبغض النظر عن الظروف الصحية التي يعود فيها تبون، فخلال فترة غيابه الطويلة عن المشهد في بلد مثل الجزائر تتمركز فيه السلطات الحيوية بيد رئيس الجمهورية، بدت البلاد في حالة من الترقب والجمود السياسي، إذ توقفت فيها كل الديناميكية التي أحدثتها خطوات إصلاحية سياسية واقتصادية كان أطلقها تبون في الفترة الأولى التي تلت تسلمه السلطة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019. وزادت أعباء الأزمة الصحية وتآكل احتياطي الصرف وضعف الموارد المالية للدولة، وتعطل الحركية الاقتصادية، في تعقيد الأزمة الاجتماعية، وتصاعد القلق وغموض الأفق بشأن مصير ملفات سياسية عالقة.

أول الملفات العالقة التي تنتظر تبون، هو توقيع الدستور الجديد، والمعلّق منذ الاستفتاء الشعبي الذي جرى في الأول نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وبغض النظر عن المقاطعة الشعبية الواسعة التي ميزت هذا الاستفتاء وتدني نسبة المشاركة إلى 23 في المائة، فإنّ الرئيس لن يأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل، ولن يفرّط في دستوره الذي أقر لاحقاً المجلس الدستوري صحة ونتائج الاستفتاء بشأنه. ويوفر الدستور لتبون قاعدة سياسية أساسية لإطلاق خطوات إصلاحية لاحقة، كانت معلقة على حبل الدستور الجديد، أبرزها تعديل جملة من القوانين ذات الصلة بالتنظيم الجديد للعلاقات الوظيفية بين المؤسسات والسلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، وبإعادة ترتيب المشهد السياسي، كقوانين الانتخابات والأحزاب والجمعيات والبلدية والولاية والإعلام وغيرها.

ويفتح تعديل هذه القوانين، لا سيما قانوني الانتخابات والأحزاب، الباب واسعاً لبدء تبون تنفيذ أبرز تعهداته السياسية التي أعلنها قبل فترة، ولا سيما اعتزامه إجراء انتخابات نيابية ومحلية مسبقة، كان قد تعهد بتنظيمها قبل نهاية السنة، لكنها ظلت عالقة بسبب الأوضاع الطارئة المتعلقة بوضعه الصحي والموجة الثانية لوباء كورونا. ويُرجح أن تتم إعادة برمجة هذه التعهدات في الثلث الأول من السنة المقبلة، لا سيما أن تبون ينوي بناء مشروعه السياسي على مؤسسة نيابية جديدة ذات تمثيل وشرعية شعبية، مقارنة بالبرلمان الحالي. وكان تبون قد حاول استباق الوقت، بتكليفه في 19 سبتمبر/أيلول الماضي (قبل الاستفتاء على الدستور) لفريق من الخبراء في القانون الدستوري، أغلبهم من اللجنة التي تولت صياغة مسودة الدستور، بصياغة مشروع قانون جديد للانتخابات، يتضمن تحديد مقاييس انتخابية جديدة تخص شروط وضوابط الترشح على ضوء التجارب السابقة، وإنهاء تدخل المال السياسي في الانتخابات، مما يتيح إنشاء مؤسسات منتخبة بشكل ديمقراطي وذات مصداقية تعبر عن الإرادة الشعبية، وتشجع الشباب على الولوج في العمل السياسي.

تبون ينوي بناء مشروعه السياسي على مؤسسة نيابية جديدة

وقبل أيام، كشف رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، عن قرب إجراء الانتخابات النيابية والمحلية، بعد تعديل قريب لقانون الانتخابات، "لتجديد المؤسسات المنتخبة وحماية المسار الوطني، والمحافظة على استقلالية القرار الوطني". ودعا قوجيل "كل القوى الوطنية، بما فيها المعارضة، إلى تجاوز الخلافات والإشكاليات، استعداداً للمرحلة المقبلة ولبناء دولة قوية".
وإضافة إلى ملف الدستور والانتخابات النيابية المسبقة، وقانون الموازنة الجديد الذي يستوجب التوقيع الرئاسي قبل 31 من الشهر الحالي، وملفات الإصلاح الاقتصادي التي وعد بها تبون لإطلاق سراح البلاد من قيود التبعية للنفط، هناك ملفات خارجية على طاولة الرئيس، تجمد الموقف الجزائري بشأنها بسبب تمركز صلاحيات السياسة الخارجية بيد رئيس الجمهورية، كالأزمة في مالي وليبيا والتطورات الطارئة في منطقة الصحراء.

لكن هذه الملفات، على أهميتها، لا تلغي في المقابل طرح سيناريوهات مستقبلية، تتعلق بمدى تطور الحالة الصحية لتبون، وتأثيراتها على مستقبله ومشروعه السياسي، وما إذا كان دخول العامل الصحي بشكل طارئ يفرض على المؤسسات الضالعة في صناعة القرار، البدء مبكراً في التفكير في ما بعد تبون عشية السنة الأولى من حكمه.
وفي السياق، قال المحلل السياسي ناصر حدادي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن بعض التحليلات تذهب "إلى التفكير في سيناريو ما بعد تبون، كأحد الاحتمالات القائمة سياسياً والممكنة واقعياً، وبحكم العامل الصحي والتأثيرات السلبية التي أفرزتها الحالة التي عاشتها الجزائر في السنوات السبع الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في أذهان الجزائريين". لكن حدادي أضاف أنّ "تكرار تلك الحالة غير ممكن تماماً، خصوصاً أن الشارع متأهب ولم تخمد حركيته المطلبية بعد".

المساهمون