خريطة المبادرات المناهضة لانقلاب سعيّد في تونس... لماذا لا تتوحد؟

خريطة المبادرات المناهضة لانقلاب سعيّد في تونس: لماذا لا يتوحد المعارضون؟

16 ديسمبر 2021
دعوات لتشكيل جبهة موحدة للتصدي لانقلاب الرئيس التونسي (شادلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

عرفت تونس بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي عديد المبادرات والحركات المعارضة لتفرّد سعيّد بالحكم، ورغم تقارب أهدافها وتقاطع توجهاتها، فإنها تعجز عن إيجاد إطار تنظيمي مشترك جامع.

وتعددت المبادرات السياسية والأشكال النضالية المعارضة لقرارات الرئيس التونسي، رغم تقاطعها في أهداف استعادة الديمقراطية وإنهاء الحكم الفردي، إذ يواجه سعيّد معارضات متنوعة تختلف مطالبها وتتمايز مقترحاتها لإنهاء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.

ويضم حراك "مواطنون ضد الانقلاب" أساتذة جامعيين ونشطاء عرضوا خرطة طريق للخروج من الأزمة، فيما طرحت مجموعة من المحامين والحقوقيين في مبادرة "محامون لحماية الحقوق والحريات" رؤية أخرى لمناهضة الانقلاب وممارساته.

إلى ذلك، اجتمعت أحزاب "الحزب الجمهوري" و"التيار الديمقراطي" و"التكتل" و"آفاق تونس" في مبادرة "تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية"، قبل أن ينسحب الأخير من المبادرة الرباعية.

وعرفت الساحة السياسية منذ يومين إعلان تأسيس "التحالف المدني الوطني" الذي يضمّ بدوره حقوقيين ونشطاء مناهضين للانقلاب أعلن ذهابه في برنامج لتجميع القوى الرافضة لقرارات 25 يوليو/تموز دون نتائج تذكر، ليُعلَن منذ أيام تشكيل "اللقاء الوطني للإنقاذ" الذي يضم نواباً وأحزاباً دعت إلى توسيع قاعدة المعارضين.

"مواطنون ضد الانقلاب" يتظاهرون بتونس

ولم تقف المبادرات عند الأحزاب والكيانات السياسية والتنظيمات الحزبية لتتشكل حركات سياسية وأخرى مواطنية معارضة على غرار "توانسة من أجل الديمقراطية"، التي تضم نواباً وسياسيين، أغلبهم من المستقيلين من حركة "النهضة" وأحزاب أخرى.

تصورات ومواقف مشتركة

وأكد الأمين العام لـ "الحزب الجمهوري"، عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ "الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية لديها تصورات ومواقف مشتركة، وأعلنت تحركاتها، وهناك تقاطعات مع كل مناهضي الخروج على الدستور وإرساء الحكم الفردي"، مشيراً إلى أنّ "هناك تواصلاً مع الأحزاب المعارضة لخيارات قيس سعيّد".

حتى الأحزاب التي باركت في البداية قرارات 25 يوليو/ تموز، منها من تراجع وهناك من أخذ مسافة عنها

وأضاف الشابي، الذي يُعَدّ حزبه أحد مكونات "تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية"، أنّ "التنسيق يتزايد بحكم تطور المواقف، مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل عدة أشهر، بما يكشف عن تقاطع وتقارب بين الأحزاب اليوم، فحتى الأحزاب التي باركت في البداية قرارات 25 يوليو/ تموز، منها من تراجع، وهناك من أخذ مسافة منها".

ولفت إلى "أن هذا يُعَدّ خطوة مهمة في اتجاه تكثيف الضغط من أجل العودة إلى المسار الدستوري الديمقراطي"، مستدركاً بالقول: "لكن نحن نعي أنّ هذا غير كافٍ، مع إدراكنا أنّ هذا المسار تصاعدي ويحتاج لنفس طويل".

وتابع الشابي: "هناك تقاطعات حول الأهداف نفسها ووعي للمخاطر التي تهدد البلاد، وهناك اتصالات بين مختلف الأطراف، ولكن ليس هناك تنسيق كافٍ، وهذا نتيجة عمق الأزمة التي تمرّ بها البلاد والمقاربات المختلفة"، مضيفاً أنّ "هذه الخطوات ستتعزز في الأسابيع المقبلة لنرى جبهة وطنية ديمقراطية للتصدي للانقلاب والدفاع عن الديمقراطية".

وحول تشتّت المعارضات في اتجاه إضعاف مسار التصدي لانقلاب سعيّد، علّق الشابي، بالقول: "هذا التنوع لا يضعف مسارات معارضة الانقلاب، ولكنه لن يعطي القوة والزخم الكافي والحجم المطلوب، لأنّ هناك اتفاقاً على الأصل وعلى المشترك من خلال المساهمة الجماعية كل من موقعه في توعية الرأي العام ضد الانقلاب وتعبئة الرأي العام بشأن المخاطر المحيطة بالبلاد".

وأردف الشابي أنّ "ما كان مستحيلاً خلال الأشهر الماضية، أصبح اليوم ممكناً، فهناك دعوات للنزول إلى نفس الشارع وفي نفس اليوم وتحت نفس الشعار الرافض للانقلاب"، قبل أن يضيف: "نحن لا نلعن المستقبل، بل متفائلون بأنّ جبهة المعارضين للانقلاب ستتسع وستجد الزخم المطلوب في الأيام القادمة".

ونفى الأمين العام لـ "الحزب الجمهوري" أن تكون مشكلة تزعم المعارضة هي السبب في تشتّت المعارضين، قائلاً: "لا أعتقد أننا أمام مشكل زعامة لأننا لسنا في طرح وتدافع انتخابي، بل إننا اليوم في لحظة نضال وتضحية جماعية معاً من أجل استرجاع الديمقراطية".

الشابي: 17 ديسمبر/ كانون الأول ستكون مناسبة للتجميع ومحطة في النضال وليست نهايته

وفيما شدد الشابي على أنّ "هذه المحطة مرحلة بذل وعطاء وتضحية أكثر منها تنازع زعامات"، عزا سبب تشتّت المعارضين إلى وجود "اختلاف في المقاربات وفي القراءات ورواسب المرحلة السابقة والمواقع المختلفة لجميع الأطراف لم تسهل الالتقاء".

وأشار إلى أنّ "17 ديسمبر/ كانون الأول ستكون مناسبة للتجميع ومحطة في النضال وليست نهايته سيراكم عليها الجميع النضال والتقدم في الطريق الذي اخترناه".

وأعلنت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" في وقت سابق انطلاق تحركاتها الاحتجاجية خلال "شهر الثورة" في ذكرى اندلاعها عام 2011، بداية من يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وحتى 14 يناير/ كانون الثاني 2022، للمطالبة بإسقاط انقلاب سعيّد وعودة الديمقراطية.

وبيّنت المبادرة أنّ أبرز مطالبها تتمثل بإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية التي أقرها الرئيس التونسي في 25 يوليو/ تموز الماضي، وما تبعها من قرارات وإجراءات للإمساك بجميع السلطات التنفيذية والتشريعية وتعليق العمل بالدستور وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه ووقف منحهم.

بلورة برنامج إنقاذ وطني

من جانبه، قال أحد قيادات مبادرة "اللقاء الوطني للإنقاذ"، رئيس كتلة "تحيا تونس" في البرلمان، مصطفى بن أحمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "مبادرة اللقاء الوطني هي إطار غير حزبي، تنسيقي لدفع الأمور نحو إيجاد قاعدة واسعة من أجل بلورة برنامج إنقاذ وطني"، مشيراً إلى أنه "ليس من مهام اللقاء تقديم برنامج بقدر ما يدفع نحو توسيع قاعدة المشاورات بين مختلف الفعاليات في تونس من خلال طرح روزنامة لقاءات ومشاورات".

وأضاف أنّ "سبب التشتت في المعارضة يعود إلى حالة انحدار كامل في الواقع السياسي التونسي وإلى عدة عوامل، منها التخلّي عن عقلية البناء الفكري والسياسي، وإلى عقلية الحكم واختصار الطرق للوصول للحكم".

وبيّن بن أحمد أنّ سبب تشتت المعارضة، وجود نوعين من المعارضين، موضحاً بقوله: "هناك معارضون لقرارات 25 يوليو/ تموز برمتها (من يعتبرون أن ما حصل انقلاب) ومعارضون انطلاقاً من 22 سبتمبر/ أيلول (بعد تعليق سعيّد العمل بالدستور وانفراده بالسلطات)"، مشيراً إلى أنّ "معارضي 22 سبتمبر أوسع، وأنا من بينهم، بسبب رفضي للانحراف بالدستور وتكريس الحكم الفردي واستحواذ الرئيس على كل السلطات".

واعتبر أنّ ما حصل قبل ذلك في 25 يوليو/ تموز هو "انقلاب إيجابي، وهو ضروري لإنهاء لمرحلة وإيقاف مزيد انهيار الدولة والمؤسسات".

"مواطنون ضد الانقلاب" يتظاهرون بتونس

وحول استحالة تجمّع المعارضين بسبب الخلاف حول توصيف الانقلاب وتقييم مدى خطورته، قال بن أحمد: "تونس تجاوزت مرحلة 25 يوليو/ تموز وجدل الفصل 80 أمام واقع جديد، فاليوم لم يعد مطروحاً الوضع الاستثنائي، ونحن اليوم نحن إزاء مرحلة 14 ديسمبر/ كانون الأول بعد طرح مشاريع متناقضة تماماً مع الدستور، فالرئيس يطرح مشروعاً كاملاً".

بن أحمد: الجهود يجب أن تتحد على الدفاع على الدولة أمام مشروع اللادولة

وكان سعيّد قد قرر، الاثنين الماضي، إبقاء البرلمان التونسي معلقاً إلى تاريخ تنظيم انتخابات تشريعية جديدة وفق قانون انتخابي جديد يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول من سنة 2022، وإعلان تنظيم استشارة شعبية إلكترونية بداية من يناير/كانون الثاني المقبل، وتكليف لجنة يتولى أعضاؤها التأليف بين مختلف المقترحات والإجابات، مؤكداً عرض "مشاريع الإصلاحات الدستورية" على الاستفتاء يوم 25 يوليو/ تموز 2022، إلى جانب "إصلاحات" أخرى تتعلق بتنظيم الانتخابات.

وأكد بن أحمد أنّ "الجهود يجب أن تتحد على الدفاع عن الدولة أمام مشروع اللادولة، فالرئيس يطرح مشروع اللادولة أو الدولة المفتوحة التي تفيض على المؤسسات بنظرة هلامية لا توجد إلا في فكره وحده".

وبيّن المتحدث ذاته أنّ "المعركة من أجل إنقاذ الدولة وحول طبيعة هذه الدولة القائمة على الفصل بين السلطات وتعترف بالتنوع والتعدد والخاضعة لحكم المؤسسات أو ستكون دولة خاضعة لحكم الفرد الواحد".

وحول تجاوز الاختلافات بين قيادات المعارضة من أجل إعلاء المشترك، قال بن أحمد: "الأمل في تجميع المعارضين لا ينتهي"، مستدركاً بالقول: "لكن الأمر ليس بالهيّن".

تنوّع المسارات المناهضة للانقلاب "نقطة قوة"

بدوره، أكد عضو تنفيذية حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، لمين البوعزيزي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "تنوع المسارات المناهضة للانقلاب نقطة قوة، وليس نقطة ضعف، فمهما كانت الأطر وأشكال التنظيم والكيانات على أهمية الشكل، الأهم هو التقاطع حول المحتويات والأهداف المعارضة للانقلاب ودحضه".

وبيّن البوعزيزي أنه "سيحسب لـ(مواطنون ضد الانقلاب) نجاحها بداية في كسر حاجز الخوف من سلطة الانقلاب منذ 25 يوليو/تموز ثم تمكنها من حشد الرأي العام ضد الانقلاب وتشكيل شارع معارض لسردية الانقلاب".

وأوضح أن "تغير مواقف شخصيات وأحزاب من دعم الانقلاب إلى معارضته، وتشكل مبادرات رافضة للانقلاب حتى وإن لم تتجمع في جبهة وطنية، وهو ليس من أهداف حراك (مواطنون ضد الانقلاب)، فإنه يُعَدّ عاملاً إيجابياً نحو مزيد من عزل سلطة الانقلاب ومحاصرتها حتى يسقط تماماً".

واعتبر البوعزيزي أنّ "تشتت المعارضين يعود لعدة أسباب وخلفيات، منها الإيديولوجي والفكري ومخلفات سنوات من التشتت والتناحر السياسي والانتخابي وصراعات الحكم والمعارضة".

المساهمون