تقسيم الدوائر الانتخابية في الأردن: الأحزاب أكبر المستفيدين

تقسيم الدوائر الانتخابية في الأردن: الأحزاب أكبر المستفيدين

19 اغسطس 2023
شارك 30 في المائة في انتخابات 2020 (ليث الجنيدي/الأناضول)
+ الخط -

في وقت تقدّم فيه الحكومة الأردنية نظام تقسيم الدوائر الانتخابية لسنة 2023 على أنه يستهدف زيادة المشاركة في الانتخابات التي لم تتجاوز 30 بالمائة في انتخابات 2020، وتحقيق العدالة في توزيع المقاعد والحفاظ على وزن الصوت الانتخابي العادل، فإن سياسيين ومختصين يعتبرون أن الأحزاب ستكون الرابح الأكبر من هذا النظام، مقابل تقليل تأثير الروابط العشائرية والفئوية.

ويقسم النظام، الذي أقره مجلس الوزراء الأردني أخيراً، المملكة إلى 18 دائرة انتخابية محلية، إضافة إلى دائرة انتخابية عامة، على الرغم من أن عدد الحزبيين في الأردن لا يتجاوز 2 في المائة من عدد السكان.

وقال العاهل الأردني عبد الله الثاني، خلال لقاء الثلاثاء الماضي مع رئيس وأعضاء مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان ونقيب الصحافيين راكان السعايدة، إنّ "الأردن سيشهد العام المقبل انتخابات برلمانية بمشاركة حزبية واسعة"، مضيفاً أن "الانتخابات تؤكد التزامنا بالتحديث السياسي كضرورة، على الرغم من التشكيك في ذلك من قبل بعض الفئات".

عامر بني عامر: التوزيع الجديد للدوائر سيعزز التحالفات ويعطي فرصة أكبر للأحزاب والتكتلات

ويأتي النظام، وفق ما أعلن مجلس الوزراء، استكمالاً لسلسلة التشريعات الناظمة لمنظومة التحديث السياسي، ونظراً لصدور قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2022، الذي أوجب إصدار نظام يحدد الدوائر الانتخابية وفق أحكام القانون من الناحية الجغرافية، وتحديد عدد المقاعد لكل منها.

تقسيم المملكة إلى 18 دائرة انتخابية

وجرى تقسيم المملكة إلى 18 دائرة انتخابية محلية ودائرة انتخابية عامة، تُخصص لها جميعا 138 مقعداً، بواقع 97 مقعداً للدوائر المحلية، و41 مقعداً للدائرة العامة، بحيث تقسم العاصمة عمّان إلى ثلاث دوائر انتخابية محلية، ومحافظة إربد إلى دائرتين محليتين، فيما تخصص لكل من بقية المحافظات دائرة محلية واحدة، إضافة إلى تخصيص ثلاث دوائر لبدو الشمال والوسط والجنوب، لكل دائرة منها ثلاثة مقاعد.

يقول مدير مركز الحياة (راصد لمراقبة الانتخابات) عامر بني عامر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الرابح الأكبر من هذا التقسيم هو الأحزاب الأكثر تنظيماً وحضوراً جماهيرياً، وسيكون هناك تأثير لا بأس به لتقسيم الدوائر الانتخابية الجديدة على نتائج الانتخابات المقبلة من حيث نوع المخرجات، بعد أن أصبحت الدوائر الانتخابية أكبر، وبالتالي يقل تأثير الروابط العشائرية والفئوية على نتائج الانتخابات.

ويضيف: يكون هناك حضور وأهمية أكبر للأحزاب السياسية كلما كانت أكثر اتساعاً، وهو ما يزيد التنافسية، ما سيغير المخرجات المتوقعة للبرلمان المقبل. ويشير بني عامر إلى أن التوزيع الجديد للدوائر سيعزز التحالفات، ويعطي فرصة أكبر للأحزاب والتكتلات، وتأسيس كتل برلمانية متماسكة قبل الدخول إلى البرلمان وعمل أكثر تنظيماً، وليس كتلاً ضعيفة وغير متماسكة كما كان يحدث سابقاً.

ويلفت إلى أن هناك جانباً قد لا يكون واضحاً، فمثل هذا التقسيم للدوائر سيعزز العدالة الانتخابية خصوصاً في ظل تقليص الدوائر المحلية ووجود دائرة حزبية عامة في المملكة، موضحاً أن وجود الدائرة الوطنية يخلق نوعاً من التوازن في وزن المقاعد الانتخابية لمجلس النواب.

من جهته، يقول أستاذ القانون الإداري والدستوري حمدي القبيلات، لـ"العربي الجديد"، إن الجديد في النظام هو حدود الدوائر، كتقسيم العاصمة عمّان إلى 3 دوائر بدلاً من 5 دوائر سابقاً، وإربد إلى دائرتين والزرقاء دائرة واحدة، معتبراً أن تقسيم الدوائر أمر تنفيذي ولا يؤثر على جوهر قانون الانتخاب، ولا يضيف أي شيء على القانون.

ثلاثة معايير لتقسيم الدوائر الانتخابية

ويضيف: من الطبيعي عند تخصيص 41 مقعداً للأحزاب أن يكون ذلك على حساب حصة المحافظات وسكانها، لافتاً إلى أن النسبة والتناسب غير موجودين في ذهن المشرّع الأردني، فهناك ثلاثة معايير لتقسيم الدوائر الانتخابية هي: البعد الجغرافي المرتبط بالمساحة والموقع، والبعد الديمغرافي "السكاني"، والبعد التنموي، كما هو حاصل عند تحديد محافظات جنوب الأردن أكثر بالمقارنة مع وزن المقعد من حيث عدد الناخبين في محافظات عمّان والزرقاء وإربد.

ويرى القبيلات أن هناك انحيازاً من السلطتين التشريعية والتنفيذية للأحزاب على حساب العامة، وهو أمر بعيد عن العدالة والمساواة إذا ما قيس بعدد المتحزبين مقارنة مع غير الحزبيين، فالأحزاب ضامنة الحصول على 41 مقعداً في الانتخابات المقبلة، كما يحق للحزبيين التنافس على الدوائر المحلية. ويضيف: السؤال هل يتناسب عدد المقاعد المخصصة للحزبيين مع أعداد المنضوين تحت مظلة الأحزاب؟ والجواب في المرحلة الحالية لا، وهو انحياز لا يتناغم مع الإرادة الشعبية.

المشكلة في الأصل بقانون الانتخاب

وفي السياق، يقول النائب السابق نبيل غيشان، لـ"العربي الجديد"، إن المشكلة في الأصل تكمن في قانون الانتخاب، وليس في تقسيم الدوائر، فتقسيم الدوائر جاء لتطبيق القانون. ويستدرك: من الواضح أن التقسيم بهذا الشكل يهدف إلى ضمان رفع نسبة تمثيل جهات على حساب جهات أخرى في بعض المحافظات والمناطق، موضحاً أن التمثيل على سبيل المثال للعاصمة عمّان والزرقاء سيكون مختلفاً عما كان عليه سابقاً بسبب التقسيم الجديد للدوائر.

عبلة أبو علبة: التقسيم الجديد للدوائر لا يحل مشكلة المحاصصة الفئوية والجهوية

ويلفت إلى أن أعداد سجلات الناخبين في الانتخابات المقبلة سيكون حسب مكان الإقامة، وهذا يعني ترحيل أعداد كبيرة من ناخبي المحافظات والأطراف إلى العاصمة عمّان بعدد يقدر بحوالي 300 ألف ناخب، لكن هؤلاء الناخبين القادمين من المحافظات على الأغلب لن يذهبوا إلى المشاركة في الانتخاب، فهم يصوّتون لمن يعرفونهم، فالبعد العشائري والمناطقي يبقى مؤثراً في اختيار الناخبين نوابهم.

ويعتقد غيشان أن توزيع المقاعد (41 مقعداً للأحزاب و97 مقعداً للدوائر المحلية) سينعكس سلباً على مجلس النواب المقبل، خصوصاً أن هناك أحزاباً لا يتجاوز عمرها العام، وتجربتها السياسية غير ناضجة، سيكون لها العديد من المقاعد في المجلس الجديد، مقدراً أنه كان هناك استعجال لإعطاء الأحزاب هذه النسبة، على الرغم من أنه لا يمكن أن تكون هناك حياة ديمقراطية وسياسية حقيقية من دون الأحزاب، لكن جرى الاستعجال بتخصيص المقاعد لها.

تقسيم الدوائر الانتخابية أفاد الأحزاب

أما الأمين العام لحزب الشورى فراس العبادي فيؤكد، لـ"العربي الجديد"، أن تقسيم الدوائر الانتخابية الجديد أفاد الأحزاب بشكل كبير، وهذا يسهل عليها ترويج برامجها الانتخابية بشكل أكثر سلاسة وسهولة، ففي السابق كانت التقسيمات عشائرية ومناطقية، مضيفاً أنهم كحزب كانوا يفضّلون حتى أن تكون العاصمة عمّان دائرة واحدة وكذلك إربد، فالنائب هو نائب وطن ودوره الحقيقي تشريعي رقابي وليس خدمي.

وحول الانتقادات المرتبطة بتخصيص 41 مقعداً للأحزاب، يوضح أن الحزبية فكرة جديدة قديمة بالنسبة للمواطن الأردني، فقد كان الناس أكثر تخوفاً من الانضمام إلى أي حزب، لكن تحسنت الأمور، وسابقاً عندما كنا تتحدث عن برنامج انتخابي لحزب يتخوف بعض المواطنين ويعتبرون الحديث عن الأحزاب من المحرمات.

ويضيف: من يرى أن الأحزاب ستأخذ مقاعد أكبر من حجمها عليه أن يبادر للانضمام إلى حزب قريب من أفكاره والمشاركة في الانتخابات من خلاله، معتبراً كتجربة أولى أنه يمكن لغير المنتمين إلى حزب معين التصويت للأشخاص الذين يرون أنهم يمثلونهم لثقتهم بهم بسبب سمعتهم وتاريخهم الجيد.

لكن الأمينة العامة لحزب الشعب الديمقراطي (حشد) عضو مجلس النواب السابقة عبلة أبو علبة ترى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مشكلة ديمقراطية الانتخابات وتصويب دور البرلمان وفقاً للمنصوص عليه في الدستور لن تُحل إلا بقانون يعتمد الأردن كله دائرة واحدة.

وبحسب أبو علبة، فإن التقسيم الجديد للدوائر لا يحل مشكلة المحاصصة الفئوية والجهوية التي نشأت في عهد قانون الصوت الواحد. وتوضح أنه بالعودة إلى التعديلات الجديدة في القانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات، فإن حصة القائمة الوطنية 29 بالمائة فقط، وباقي المقاعد سيجرى انتخابها على أساس جهوي وكوتات.

وتضيف: "علينا أن نسعى بسرعة أكبر نحو اعتماد الأردن كله دائرة انتخابية واحدة، تنصهر فيها الاختلافات الفئوية وتحل محلها الاختلافات السياسية والفكرية. هذه هي التعددية التي ننشدها".

المساهمون