الأحزاب الأردنية على هامش الحياة السياسية: نفورٌ رسمي وشعبي

الأحزاب الأردنية على هامش الحياة السياسية: نفورٌ رسمي وشعبي

30 ديسمبر 2019
استبعاد الأحزاب عن المؤسسة التشريعية بالأردن (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
تلعب الأحزاب في الأردن دوراً هامشياً في الحياة السياسية، وسط حالة عزوف شعبي عن الانضمام إليها، لأسباب تتعلق أولاً بالأحزاب ذاتها وببرامجها وخطابها النمطي، وبإشكالية، قد تكون مهمة للمواطن العادي، وتتمثل في الموقف السلبي والمعادي للعمل الحزبي من قبل مؤسسات الدولة، على أرض الواقع، بعيداً عما يُنظّر له في المناسبات والاحتفالات الرسمية، ما يستدعي عملاً جاداً لتعديل قانون الانتخابات من بين إجراءات رسمية أخرى، من جهة، لدمج الأحزاب في العمل البرلماني، وأن تعمل الأحزاب الأردنية، من جهة أخرى، على تحديث خطابها، ليتماشى مع طموحات بيئتها، وخصوصاً الشابة منها. في الأردن 48 حزباً مرخصاً. وبحسب تقريرٍ للمركز الوطني لحقوق الإنسان صدر العام الماضي، فإن عدد المنتسبين لهذه الأحزاب بلغ 34957 منتسباً في العام 2018، من أصل حوالي 6.5 ملايين أردني. وسجّل التقرير عزوفاً للشباب الأردني عن الانضمام إلى الأحزاب، ورصد أن البيئة السياسية ليست صديقة لها. ووفق التقرير، لا يتجاوز عدد الشباب المنتسبين للأحزاب في الأردن 12748 شاباً، بنسبة 36.47 في المائة من عدد المنتسبين، فيما تبلغ نسبة النساء اللواتي يتولين مناصب قيادية في هذه الأحزاب 0.35 في المائة من إجمالي المواقع القيادية، علماً أن الأحزاب الأردنية لا تفصح عادةً عن عدد منتسبيها.

وتستظل الأحزاب في الأردن بثلاث مظلات رئيسية هي: التيار المحافظ والوسط (القريب من السلطة)، والتيار الإسلامي أو ما يصنف باليمين، والتيار القومي واليساري، كما توجد خمسة ائتلافات حزبية هي: تيار الأحزاب الوسطية (12 حزباً)، تيار الأحزاب اليسارية والقومية (6 أحزاب)، تيار الأحزاب الإصلاحية (4 أحزاب)، ائتلاف الأحزاب الوطنية (8 أحزاب)، وتيار التجديد (3 أحزاب).

ويعتبر حزب "جبهة العمل الإسلامي "الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين، وله 10 نواب في البرلمان، وهو الأقدم من حيث التأسيس، والأكبر بعدد الفروع في المحافظات والحضور بين المواطنين، حيث بلغ عدد فروعه 23. ويلي "جبهة العمل" حزب الوسط الإسلامي، وله أربعة نواب في البرلمان، و14 فرعاً في المحافظات، ثم حزب "جبهة النهضة الوطنية" بـ11 فرعاً، وحزب "حشد" الذي لديه تسعة فروع، بالإضافة إلى عشرة أحزاب لديها مقر واحد. وهناك أحزاب غير ممثلة رسمياً في البرلمان.


في العموم، يرى المواطن الأردني في الانتساب الحزبي باباً لـ"وجع الرأس"، بحسب ما يقوله المواطن عماد عبد الله، لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنه لم يفكر يوماً في الانضمام إلى أي حزب، وهو ما يصفه بـ"الترف" الذي لا يبحث عنه، في ظلّ سعيه الدائم وراء لقمة عيشه. ويضيف عبد الله: "لا أريد أن أتأثر سلبياً، أو أيٌّ من أبنائي مستقبلاً لدى التقدم إلى أي وظيفة. نحن في غنى عن وجع الرأس". من جهته، يقول محمد العبادي، وهو أحد المنتمين إلى "جبهة العمل الإسلامي"، إنه سار خلف قناعته في ضرورة الإصلاح والتغيير، على الرغم من إدراكه احتمال تعرضه وعائلته للتضييق. ويرى العبادي أنه يتوجب على المواطن أن يكون فاعلاً، من خلال الانضمام إلى أي حزبٍ يتوافق مع قناعاته، خصوصاً أن الهدف النهائي المرجو هو الوصول إلى الإصلاح السياسي، الذي سيشكل الخطوة الأولى في طريق محاربة الفساد المالي والإداري. لكنه يلفت إلى أن ذاكرة الناس حيّة، وهي لا تنسى التضييق الذي مارسته الحكومات الأردنية على الحزبيين، من اعتقال وخنق في تفاصيل حياتهم.

وفي المقلب الحزبي، ترى الأمينة العامة لحزب الشعب الديمقراطي الأردني، "حشد"، النائبة السابقة في البرلمان، عبلة أبو علبة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تنمية دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة مهمّة تقع على عاتق الدولة، لأن الأحزاب في الدولة الوطنية جزءٌ أساسي من مكوناتها، لافتة إلى أنها لا تجد مبرراً أبداً لتفادي الحديث عن الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تحجيم دور الأحزاب في الحياة السياسية والعامة في الأردن. وهنا، تجزم أبو علبة، أنها لا تريد العودة "إلى الماضي البعيد"، لكن "منذ أن ألغيت الأحكام العرفية وصدر قانون الأحزاب الجديد في الأردن عام 1992، لم تتوقف الإجراءات والسياسات (التي اعتمدتها مؤسسات الدولة) المحاصرة لدور الأحزاب السياسية، سواء من خلال التشريعات الواردة في قانون الأحزاب نفسه، أو في التعليمات والأنظمة التي تقيّد نشاط الأحزاب في التجمعات الطلابية والعمالية والمعلمين وغيرها".

وتوضح الأمينة العامة لـ"حشد"، أن "البيئة السياسية في الأردن لم تنفتح على الأحزاب مطلقاً، إلا في حدود اللقاءات الفوقية المتفاوتة بين الحكومة وممثلي هذه الأحزاب، وهو وضعٌ لا يؤمن المناخات الديمقراطية اللازمة لتشجيع أبناء وبنات الوطن على الانتساب الحزبي والعمل من خلاله".

وتعتبر أبو علبة أن إصرار الحكومة على عدم تعديل قانون الانتخابات على الرغم من المطالبات الحزبية والشعبية الواسعة، إنما يعبرّ "عن استمرار النهج الرسمي في استبعاد الأحزاب السياسية عن المؤسسة التشريعية في البلاد، وعدم الإقرار الفعلي بالتعددية السياسية"، واصفة القانون الحالي بـ"القانون الإقصائي والمنحاز فقط للرأسماليين الكبار وأصحاب النفوذ الاجتماعي".

من جهته، يقول الأمين العام للحزب الوطني الدستوري الأردني، الدكتور أحمد الشناق، لـ"العربي الجديد"، إن تفعيل دور الأحزاب يتطلب أيضاً إعادة ترتيب بيتها الداخلي، ومراجعة خطابها السياسي، مع التركيز على التحديات الداخلية التي تواجه المواطنين. ويعتقد الشناق بوجوب اعتماد هذه الأحزاب على ماكينة تكنوقراطية لوضع خطط وحلول للتحديات التي تواجه الأردنيين، خصوصاً تلك المتعلقة بالاقتصاد في الوقت الراهن، بالإضافة إلى البطالة والصحة والتعليم، وألا تبقى الأحزاب معتمدةً على خطاب سياسي بالٍ. وبشكل عام، يعتبر الأمين العام للحزب الوطني الدستوري الأردني أن المواطن العربي يبحث اليوم عن تحسين وضعه المعيشي، وهو أمر توضحه الأحداث في العراق ولبنان والجزائر.

وبرأي الشناق، فإن الحزبية لم تعد عملاً مكتبياً، أو رقماً لأعداد المنتظمين في إطارها، بل هي عبارة عن مواطنين يؤازرون برنامجاً انتخابياً يمثلهم، ويحقق مصالحهم وطموحاتهم، مشيراً إلى أن الوصول إلى القوائم الحزبية، وبرلمان ممثل للأحزاب، هو الضمانة الحقيقية لاستقرار الحكومات، وكذلك الاستقرار العام في البلد.

ويوافق الشناق على ضرورة مراجعة قانون الانتخاب، ومنح جزءٍ من المقاعد البرلمانية للقائمة الحزبية، لتطوير آلية العمل السياسي، لافتاً إلى أن المطلوب تشكيل ائتلافات انتخابية حزبية تتفق على برامج. وأخيراً، يعتبر الكاتب والصحافي ومدير تحرير الشؤون المحلية في صحيفة "الغد" الأردنية ماجد توبة، أنه يتوجب على الدولة النظر إلى الأحزاب كشريكٍ إيجابي في الحياة السياسية، وذلك بعدما ظلت هذه الأحزاب دائماً محاربة ومقاطعة من السلطة وأجهزتها، ويُنظر إليها بعين الريبة. وبحسب توبة، فإنه "لا يختلف اثنان على ضعف الحياة الحزبية وتشظيها، وعلى حالة العزوف الشعبي عنها لأسباب ذاتية لها علاقة بالأحزاب نفسها، وموضوعية تتمثل في موقفٍ رسمي سلبي ومعادٍ للعمل الحزبي، تجلّى دائماً من خلال اعتباره ملفاً أمنياً لا سياسياً، وترجم في أزمنة سابقة بمحاربة الحزبيين بأرزاقهم وأعمالهم ومصالحهم، مع تكييف القوانين والتشريعات لمزيد من الإقصاء للأحزاب، والسعي لإغراقها في أزمتها".

ويشدد توبة، بدوره، على أن "الأهم من تعديل قانون الأحزاب، وتعديل نظام تمويلها، هو تعديل قانون الانتخاب"، وعلى ضرورة أن يطرأ تبدل على الذهنية الرسمية في التعاطي مع الأحزاب ونشاطها، من دون النظر إليها كعدو.