الانتخابات المحلية في الأردن: خدمات وأبعاد عشائرية

الانتخابات المحلية في الأردن: خدمات وأبعاد عشائرية

10 ديسمبر 2021
نسبة العزوف في الانتخابات النيابية السابقة تجاوزت 70% (Getty)
+ الخط -

قرّر مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن، الأسبوع الماضي، إجراء انتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلدية ومجلس أمانة عمّان في 22 آذار/ مارس المقبل.

وبحسب تصريح صادر عن المتحدث الإعلامي باسم الهيئة جهاد المومني، فإن تحديد موعد للاقتراع يأتي بعد مراجعة المدد القانونية للعملية الانتخابية، مؤكداً جاهزية الهيئة لإجراء هذه الانتخابات بالتعاون مع الشركاء.

ما هو واضح حتى اليوم، أن المواطنين الأردنيين لا ينتظرون من الانتخابات التغيير وتبديل واقعهم نحو الأفضل، وذلك بسبب تعمّق فقدان الثقة على مدار عقود في المؤسسات الانتخابية والرسمية. ولا أدل على ذلك من العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات النيابية السابقة بنسبة تجاوزت 70 في المائة.

الانتخابات لتزيين الإصلاح السياسي

يرى الشاب الثلاثيني محمد المناصير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لا شيء يشجع على الانخراط في الاستحقاقات الانتخابية، أو ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي، فنحن أمام المشاكل نفسها التي تؤرق حياتنا، من بطالة قاتلة، إلى مستوى اقتصادي متدن وضعف بالخدمات، أما الوجوه المرشحة للانتخابات فهي تتشابه في كل مرة".

ويشدد المناصير على أن الأردنيين "لا يبحثون فقط عن مجلس محلي أو بلدية تعتقد أن واجبها ينحصر بجمع النفايات. نحتاج للتغيير نحو الأفضل، وإيجاد فرص عمل"، معتبراً أن "الانتخابات هي محاولة لتزيين ما يسمى بالإصلاح السياسي وتحسين صورة الأردن في المحافل الدولية".

بدوره، يعتبر المواطن محمود الزعبي أن انتخابات البلديات ومجالس اللامركزية "من دون موازنات للتنمية هي مجرد عرض دعائي"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن أغلب المجالس المحلية في المحافظات "يسيطر عليها العجز في ظل انهيار البنية التحتية مع تفشي البطالة وسط غياب المشاريع المنتجة".

ويتساءل الزعبي في هذا الإطار: "متى نتخلص من سياسة بناء الديكورات الديمقراطية؟"، مؤكداً أن "لا عمق سياسياً حقيقياً لهذه الانتخابات، خصوصاً في المحافظات بعيداً عن العاصمة، فأغلب المرشحين يبحثون عن الوجاهة الاجتماعية، ما يجعل النكهة السياسية غائبة والأمل بالتغيير مفقوداً".

من جهته، يشرح المرشح لانتخابات أمانة عمّان عن منطقة وادي السير منصور العبادي، الذي تقاعد من العمل الحكومي أخيراً بعد 30 عاماً من العمل الرسمي، أن قراره بالترشح ارتبط ببعدين متوازيين: العلاقات الشخصية التي كوّنها خلال السنوات الماضية، والبعد العشائري، مشيراً إلى عدم وجود حافز حزبي أو سياسي خلف إعلان ترشحه.

الانتخابات المحلية لها أبعادها الخدمية التي تتفوق على السياسية

ويوضح العبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القرار جاء أيضاً بعد الاطلاع على القانون الانتخابي وتفاصيل العمل المحلي، لافتاً إلى أنه يسعى إلى تحقيق طموحاته بعد خروجه من العمل الحكومي، وخدمة الناس في موقع آخر.

ويرى المرشح أن الانتخابات المحلية لها أبعادها الخدمية التي تتفوق على السياسية في مختلف أنحاء الأردن، وحتى في العاصمة.

لا مشاركة للأحزاب

أما الحزب الوحيد الذي يمكن أن يخوض معركة الانتخابات المحلية، فهو حزب "جبهة العمل الإسلامي"، بحسب العبادي، ويقول إنه يختلف فكرياً مع هذا الحزب، لكنه يرى أنه "لا توجد حالياً أحزاب جماهيرية ناضجة، وربما نفكر مستقبلاً في الانضمام إلى حزب برامجي، قادر على وضع حلول للمشاكل التي يعانيها الناس".

رئيسة بلدية لواء الحسا (في محافظة الطفيلة) السابقة، المهندسة رنا الحجايا، تؤكد بدورها في حديث مع "العربي الجديد"، أن الانتخابات المحلية في الأردن موجهة لتكون خدمية، مقدمة مثالاً على ذلك "عدم التعاون والتضييق من وزارة البلديات في الانتخابات السابقة على رئيس بلدية الزرقاء السابق علي أبو السكر، المنتمي إلى "جبهة العمل الإسلامي"، وهو ما تعده "مؤشراً من الحكومة على توجهها لإبعاد النكهة السياسية عن الانتخابات المحلية".

الحجايا، التي كشفت عدم نيّتها الترشح للانتخابات المقبلة، ترى أن هناك توجهاً حكومياً لجعل هذه المجالس "حتى أقل من خدمية"، بتركيز السلطات والقرارات بيد وزير الإدارة المحلية، الذي يستهدف أحيانا رؤساء بلديات لا يحظون بالترحيب الرسمي.

وتصف الحجايا القانون الحالي بأنه لا يلبي الحد الأدنى من طموحات الناس، وأعطى صلاحيات كبيرة للوزير على حساب المجالس المنتخبة. وتشرح الحجايا أن المساحة السياسية ترتبط بالصلاحيات الواسعة لرئيس المجلس المحلي، لكن عندما تسيطر الحكومة عبر الوزارة على القرارات المفصلية، لا تكون هناك مساحة لحركة رئيس البلدية، وبالتالي يصبح تأثيره ضعيفاً.

وتجزم الحجايا بأنه من الصعب حصول تغييرات في الانتخابات المقبلة في الأردن، لافتة إلى "وجود عناوين براقة دائماً حول الإصلاح السياسي، لكنها لا تتطابق مع الواقع".

الحجايا: التوجه هو لجعل المجالس أقل من خدمية، بتركيز السلطات بيد وزير الإدارة المحلية

وتذكّر رئيسة بلدية لواء الحسا السابقة بأن أغلب أعضاء تشكيلة لجنة تحديث المنظومة السياسية، المتعلقة بالحكم المحلي، ليسوا من الخبراء في الموضوع، وتقول "إننا في الأردن معتادون على إطلاق الشعارات من دون تنفيذها، والشارع الأردني غير مقتنع، بعد تجارب كثيرة لم تطبق مخرجاتها على أرض الواقع".

وتلفت الحجايا إلى عاملين يؤثران على الانتخابات: الأول امتياز عشائري خصوصاً في المناطق النائية، والثاني ضعف زخم الإقبال على الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات في هذه المناطق هذا العام، خصوصاً أن هذه المناصب منزوعة الصلاحيات، وتحديداً في الأمور المتعلقة بالموازنة والتوظيف، أما في البلديات الكبيرة فمن الممكن مشاركة الأحزاب، لكن ليس بزخم أيضاً.

التشريعات الانتخابية لم تتغير

من جهته، يوضح أستاذ القانون في جامعة العلوم الإسلامية في الأردن حمدي قبيلات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات نوع من المشاركة السياسية على المستوى المحلي، وربما أشبه بالتدريب على العمل السياسي للمرشحين والناخبين.

ويؤكد قبيلات أن "البعد الديمقراطي موجود، فهناك اعتبارات سياسية، وليس اعتبار التنظيم المحلي وتقديم الخدمات فحسب، لتعزيز المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.

لكن قبيلات يرى أيضاً أن الانتخابات المحلية، والترشح لها في الأردن، يعتمدان على أبعاد عدة، منها الخدمي، فأغلب الأدوار المرتبطة بالإدارات المحلية ترتبط ببعد خدمي، ولكن من الضروري الالتفات إلى البعد السياسي والانتخاب وفق برامج حزبية، فالخدمات المقدمة يجب أن تكون حقّاً، وخدمة روتينية تقدمها الأجهزة التنفيذية بالدولة.

أما البعد المسيطر في الأردن، وفق قبيلات، فهو البعد العشائري، والذي لا علاقة له بالخدمي أو السياسي، والاختيار يتم بشكل كبير على أساس الفرز العشائري، الغالب والمتجذر في الممارسات الانتخابية في البلاد.

ويشدد أستاذ القانون على أن الأهم في أي انتخابات هو النزاهة، وعدم انحياز السلطة لأي مرشح بشكل مباشر أو غير مباشر، وترك الناس تنتخب بطريقة ديمقراطية.

ورأى أنه إذا استمر دعم السلطات لأشخاص معينين أو تيارات، لترهيب الناس، فهذا لا يخدم الديمقراطية، بل يدفع الناس للبعد العشائري أحياناً، خصوصاً في ظل قانون التقسيم وفق الدائرة الواحدة بمرشح واحد.

وبناء على ذلك، لا يتوقع قبيلات أن تشهد الانتخابات المقبلة بعداً سياسياً حقيقياً، "خصوصاً أن تحديثات اللجنة الملكية لم تقر بعد، وتحتاج وقتاً لتطبيقها، كما أن تشريعات الإدارة المحلية لم تتغير، وعندما لا تتغير المدخلات، لا نتوقع تغير المخرجات".

ويضيف: "في العادة يتجه المتقاعدون إلى الترشح للانتخابات المحلية، خصوصاً في المحافظات، وليس الشباب من أصحاب الكفاءة، لأن لا أحد يرغب بالمغامرة بالاستقالة من وظيفته للمشاركة في الانتخابات"، معتبراً أن الإدارات المحلية مديريات تنفيذية تتبع للوزير، ما يفقدها جزءاً كبيراً من أهميتها في صناعة القرار.


 

المساهمون