تتزايد المطالب الدولية بضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في سورية، فيما أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية أن لديها ما يكفي من المعلومات الموثوقة عن تورط أكثر من 120 شخصا في سورية بارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، بدأت كندا بالتحرك رسمياً لمحاسبة النظام السوري على ارتكابه انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوري منذ عام 2011، وذلك عبر طلبها إجراء مفاوضات رسمية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب لمحاسبة النظام على انتهاكاته التي وصفتها بأنها "لا تحصى".
وقال وزير الخارجية الكندي مارك غارنو إنه "في بيان له أمس الخميس على مدى العقد الماضي، شن النظام السوري هجمات وحشية ومروعة على شعبه، وأمل كندا أن يخدم عمل اليوم لتقريبنا من الحقيقة والعدالة والمساءلة. شعب سورية لا يستحق أقل من ذلك"، وفق "رويترز".
وأضاف غارنو أن "كندا دعت مراراً نظام الأسد إلى إنهاء الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ضد مواطنيه، من خلال قيادة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه تجاهل ذلك"، وهو ما يدفع كندا لـ"طلب التفاوض بشأن نزاعها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب، وضرورة محاسبة النظام في سورية على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي".
وأكد غارنو أن "موقف كندا الراسخ بأن حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض"، وأن "السوريين عاشوا عقدا من المعاناة التي لا توصف على يد نظام الأسد، وسيكون السلام المستدام ممكناً فقط بعد محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات".
وكانت هولندا تقدمت بطلب مماثل في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، وتم توثيقه من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن سورية.
وكانت اللجنة الدولية المستقلة المعنية بسورية أعلنت أن لديها ما يكفي من المعلومات لإدانة 121 شخصا من جميع أطراف النزاع في البلاد، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غالبيتهم من النظام السوري.
وقالت اللجنة، في تقرير لها قدمته قبل أيام لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن "لديها ما يكفي من المعلومات الموثوقة عن تورط 121 من هؤلاء الأفراد في ارتكاب جريمة أو انتهاك على نحوٍ يفي بمعيار الإثبات الذي وضعته من جميع الأطراف"، مشيرة، في مقدمة تقريرها، إلى أن معظمهم من قوات النظام السوري، عندما قالت "كانت اللجنة قد وثّقت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها القوات الحكومية، ومجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان ارتكبتها الجماعات المسلحة غير الحكومية".
كانت اللجنة الدولية المستقلة المعنية بسورية أعلنت أن لديها ما يكفي من المعلومات لإدانة 121 شخصا من جميع أطراف النزاع في البلاد، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غالبيتهم من النظام السوري
وأوضحت اللجنة أنه "منذ بدء عملها بتجميع قوائم سرية بأسماء مرتكبي الانتهاكات والجرائم في سورية من جميع أطراف النزاع، جمعت معلومات أولية عن أكثر من 2003 أشخاص من الجناة المزعومين".
ولفتت إلى أن ما تملكه من معلومات عن هؤلاء سوف تستخدمه لمساعدة عمليات المساءلة الدولية وتلك التابعة لدول ثالثة، بما في ذلك الآلية الدولية المحايدة، للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة، وفق تصنيف القانون الدولي.
ويقول حقوقيون سوريون إن الأسماء الواردة في التقرير عن النظام السوري تضم، إلى جانب ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، 8 أسماء من القوى الجوية التابعة للنظام، والذين أُدينوا سابقا بتنفيذ ثلاث ضربات كيماوية على اللطامنة 2017 بريف حماة، يتصدرهم الطيار محمد الحاصوري، فضلا عن اللواء جميل الحسن، رئيس المخابرات الجوية سابقا، وعلي مملوك رئيس "مكتب الأمن الوطني"، واللواء عبد السلام محمود رئيس فرع التحقيق في المزة.
وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية باولو سيرجيو بينيرو أكد، خلال ندوة رفيعة المستوى أقيمت في جنيف الثلاثاء الماضي، أن مطالب الضحايا بتحقيق العدالة والمساءلة "تعد عنصرا جوهريا لإقامة السلام الدائم في سورية".
وشدد على "ضرورة فعل المزيد لإطلاق سراح المعتقلين تعسفيا، وتحديد أماكن وهويات المفقودين، واستعادة التوثيق المدني وحماية حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمسكن والأرض والممتلكات من بين أمور أخرى".
وذكر رئيس لجنة التحقيق المستقلة أن "الأطراف المتحاربة في سورية تحاول منذ عقد من الزمن حل الصراع بالسبل العسكرية، مما سمح بانتهاك جميع حقوق الإنسان". وقال إن "أطراف الصراع ارتكبت تقريبا كل الجرائم ضد الإنسانية المدرجة في ميثاق روما الأساسي للعدالة الجنائية، وجرائم الحرب التي تنطبق على الصراعات المسلحة غير الدولية".
من جهتها، قالت السفيرة الأميركية المُعينة حديثا لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، خلال الندوة، إن بلادها تقف إلى جانب الشعب والمجتمع المدني السوري، وأكدت أن "مجموعة واسعة من الشركاء الدوليين يطالبون بالمساءلة، ويدعمون الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".
وطالبت بالكشف عن وضع عشرات الآلاف من المدنيين المحتجزين في سورية منذ عام 2011، مؤكدةً ضرورة إعادة جثث القتلى إلى ذويهم، وفق وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية.
والاثنين الماضي، نشرت "لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية" تقريرها حول انتهاكات وتجاوزات وصفتها بـ"التاريخية والمستمرة" خاصة بآلاف المدنيين الذين اعتقلوا تعسفيًا في سورية.
وتحدثت اللجنة، في تقريرها المؤلف مما يزيد على 30 صفحة، عن النطاق الهائل للاعتقال والاختفاء وأنماط الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها حكومة النظام السوري، والفصائل المعارضة المسلحة، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بالإضافة إلى انتهاكات من قبل فصائل مسلحة مصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة، مثل "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "داعش".
وقالت المفوضة الأممية كارين كونينج أبو زيد، في سياق التقرير، إن "غزارة الأدلة التي جُمعت على مدى عقد من الزمان مذهلة، ومع ذلك فإن أطراف النزاع قد فشلوا في التحقيق مع قواتهم، باستثناء حالات قليلة جدًا" فيما يخص قضايا الاعتقال التعسفي، لأنه "يبدو أن التركيز ينصب على إخفاء الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، وليس التحقيق فيها"، وفق المفوضة.
وأوضح التقرير كيف عمدت حكومة النظام، وبدرجة أقل الأطراف المسلحة الأخرى، إلى إطالة معاناة أفراد أسر المعتقلين وعائلاتهم.
وبحسب الأمم المتحدة، أسفر الصراع السوري عن مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، وتشريد نصف سكان البلاد، بما في ذلك خمسة ملايين لاجئ في الخارج.
وفي تقرير لها صدر أمس الخميس، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أبرز الانتهاكات في فبراير/ شباط الماضي، مشيرة الى مقتل 138 مدنياً، بينهم 23 طفلاً و11 سيدة، إضافة إلى مقتل 14 شخصاً بسبب التعذيب.
ووفقاً للتقرير، فإن ما لا يقل عن 171 حالة اعتقال تعسفي واحتجاز، بينها 11 طفلاً و7 سيدات، تم تسجيلها في فبراير/شباط على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سورية، كانت النسبة الأكبر منها على يد "قوات سورية الديمقراطية" في محافظتي الحسكة ودير الزور.