لم يكن قرار المحكمة العليا في لندن مساء الإثنين، السماح بترحيل أول دفعة من طالبي اللجوء إلى رواندا اليوم الثلاثاء، عادياً ولا متوقّعاً. بدت منظّمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والكثير من المحامين المتطوّعين في قضية ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، متفائلة خيراً قبل يومين، بعد أن وافق القاضي في نهاية الجلسة الطارئة التي عقدت في هذا الشأن يوم الجمعة على استئناف الحكم مطلع الأسبوع، أي قبل يوم واحد فقط من إقلاع أول رحلة إلى كيغالي.
وسبق لمستشار قانوني مشارك في تلك القضية أن ذكر لـ"العربي الجديد" أن موافقة المحكمة على استئناف الجلسة، أمر مطمئن بعض الشيء، خاصة وأن قاضياً مختلفاً سيبتّ في القضية خلال الجلسة المقبلة (جلسة الإثنين)، مضيفاً أن "القاضي المكلّف بدراسة القضية في الجلسة الأولى الطارئة، كان الأسوأ على الإطلاق حرفياً".
وعلى الرغم من تفاؤلها، لم تتوقف المنظمّات المدنية والحقوقية عن جهودها في حشد الرأي العام خلال عطلة نهاية الأسبوع. نُظمّت العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام المفوضية العليا لرواندا وسط لندن، وأمام "بروك هاوس" مركز الاحتجاز المحاذي لمطار "غاتويك"، وأيضاً أمام وزارة الداخلية التي للمرة الأولى تضيّق المساحة أمام المحتجّين عبر إقامتها العديد من الحواجز والمصدّات.
وجاءت جلسة الإثنين بعد ثلاثة أيام من التسريبات التي نشرتها "ذا تايمز" حول تصريحات الأمير تشارلز الذي وصف في جلسة خاصة خطة رواندا بـ"المروّعة". ما دفع رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى الردّ خلال لقاء تلفزيوني بالقول: "مهمة الحكومة هي منع المواطنين من خرق القانون".
يُذكر أن جونسون متّهم بـ"خرق القانون" بعد أن نظّم في مقرّ إقامته الكثير من التجمّعات خلال الإغلاق العام الذي فرضه هو بنفسه خلال جائحة كوفيد-19.
وشهد الأسبوعان الفائتان الكثير من التجاذبات بين الحكومة البريطانية ومعارضيها حول قانونية هذه الخطة، ما دفع المحكمة العليا إلى عقد جلسة طارئة نهاية الأسبوع الماضي استمرت أكثر من سبع ساعات، رفض القاضي في نهايتها إيقاف الرحلة الأولى المقرّرة اليوم الثلاثاء.
وكان محامي الدفاع عن وزارة الداخلية قد تحدّث خلال جلسة الإثنين عن "المصلحة العامة التي تقتضي ردع الرحلات غير الآمنة وغير الضرورية وغير القانونية من بلدان آمنة إلى المملكة المتحدة".
وحتى اللحظة، لا تجيب وزارة الداخلية ولا الحكومة عن تعريفها لـ"البلد الآمن" خاصة وأن معظم من كانت تضمّهم الرحلة الأولى يحملون جنسيات بلدان تعيش على الأقل حالة من عدم الاستقرار إلى جانب الاضطهاد الممنهج لحقوق الإنسان فيها، كسورية ومصر والسودان وإيران.
ومع أن وزارة الداخلية ماتزال متحفّظة حتى اللحظة بشأن إعطاء المزيد من التفاصيل المهمة حول أعداد من تضمّهم الدفعة الأولى وجنسياتهم وأعمارهم، إلا أن المحامين المتطوّعين أكّدوا أن الرحلة الأولى كان من المفترض أن تضمّ ما يقارب مئة وثلاثين شخصاً، تضاءل عددهم مع موعد الجلسة الطارئة قبل ثلاثة أيام إلى 33 شخصاً، ثم مع جلسة الإثنين بات عدد المرحّلين ثمانية أشخاص فقط.
مصادر خاصة أكّدت لـ"العربي الجديد" أن اثنين من بينهم كرديان من العراق واثنين من إيران بينما لاتزال جنسيات الأربعة الآخرين مجهولة. وحتى الآن، لاتزال الأسباب التي دفعت المحكمة العليا لقبول الطعن في قضايا أكثر من 120 طالب لجوء بينما رفضت قضايا الثماني المتبّقين، مجهولة.
بدوره، رجح مصدر مطّلع لـ"العربي الجديد" أن قرار المحكمة إيقاف الرحلة الأولى أو تأجيلها، كان من شأنه أن يمثّل تحدّياً للحكومة البريطانية التي أعلنت على لسان رئيس وزرائها أن "الطائرة ستقلع حتى لو كان على متنها شخص واحد فقط".
ادّعاءات "فارغة"
وعن كيفية مواجهة تعنّت الحكومة البريطانية وإصرارها على المضي قدماً بهذه الخطة على الرغم من ردود الفعل المستنكرة، يقول بين فيليبس الكاتب والمستشار في الأمم المتحدة لـ"العربي الجديد" إن "أمله كبير في الجهود التي بذلها ويبذلها المجتمع المدني لحشد الرأي العام وأيضاً لتحدّي الخطة عبر المسار القانوني"، مضيفاً أن محاولات حثيثة تبذل حتى اللحظة لمحاولة إيقاف إقلاع طائرة اليوم عبر الضغط على شركات الطيران المتواطئة.
ويقول فيليبس إن التأكيدات التي أطلقتها الحكومة البريطانية عن أن تلك الخطة لن تشمل طالبي اللجوء من أوكرانيا تدلّ على إدراكها لـ"وحشية" هذا الاتفاق.
وإن كانت الخطة وحشية بالنسبة للأوكرانيين، فعليها أن تكون كذلك بالنسبة لأي طالب لجوء آخر بغض النظر عن الجنسية التي يحملها، بحسب فيليبس. هذا عدا عن أن الفائدة الاقتصادية التي ادّعت الحكومة أنها أحد الأسباب الأساسية التي دفعتها للمضي في الخطة، يبدو واضحاً الآن أنها ليست سوى ادّعاءات "فارغة".
خطة "مرعبة"
وفي سياق الحملات المرافقة لقرار الحكومة المضي في خطّتها اعتباراً من اليوم، قامت الشاعرة البريطانية هيلين وينغز بإنشاء عريضة للتوقيع عليها بعنوان "خذني بدلاً منه" تطلب فيها من الحكومة البريطانية استبدال طالب لجوء بها للسفر إلى رواندا. وتقول وينغز لـ"العربي الجديد" إن "هذه الخطة مرعبة جداً" وإنها على استعداد لركوب الطائرة غداً إلى رواندا حيث ستطلب اللجوء هاربة من بلدها الذي "لا يحترم حقوق الإنسان".
وفي الوقت الذي أعلنت فيه المحكمة العليا عن قرارها المضي في الرحلة الأولى، كان المكتب الصحافي لرئيس الحكومة يرسل تفاصيل اجتماعه بنظيره البرتغالي أنطونيو كوستا، الذي تركّز على أهمية حلف شمال الأطلسي وعلى "بربرية" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غزوه لأوكرانيا.