بعد ساعات قليلة من الإعلان عن التوصل إلى هدنة بين عشائر عدة في بلدة أبي صيدا، شمال شرق محافظة ديالى الحدودية مع إيران، والتي تخضع لنفوذ مليشيات مسلحة منذ سنوات، وتشهد عمليات قتل وخطف بين وقت وآخر، شكك زعماء محليون وسياسيون بإمكانية أن تفضي الهدنة لاستقرار أمني واجتماعي.
ويطالب هؤلاء بموقف أقوى للحكومة والتخلي عن أسلوب الهدنات والمصالحات وتحكيم القانون والدستور وفرضه بالقوة لحماية الاستقرار في المحافظة، وخاصة أن الأزمة ليست بين أفراد المجتمع بل بين عشائر متحالفة مع مليشيات ومتصارعة على مصالح مالية، من أبرزها المنفذ الحدودي البري مع إيران وتهريب النفط وأنشطة تجارية أخرى.
ومساء أمس، الخميس، أعلن قائد "فرقة الرد السريع" التابعة لوزارة الداخلية العراقية الفريق ثامر الحسيني، خلال بيان صحافي أعقب اجتماعا موسعا بالبلدة مع زعماء العشائر المختلفة، أنه قد جرى التوصل إلى هدنة بين العشائر المتنازعة في البلدة، مضيفا أنه اتفق مع العشائر المتنازعة على أن تكون هناك هدنة لفترة قصيرة لإنهاء المشاكل وإرضاء جميع الأطراف من أجل عودة الأمن إلى أبي صيدا.
ويؤكد سكان محليون أن الصراعات في البلدة لا علاقة لها بأي خلفيات طائفية أو حتى اجتماعية، بل تدور حول تقاسم نفوذ وصراع على مصالح تجارية ومغانم نشأت بسبب ضعف الدولة عموما في المناطق الحدودية مع إيران والتي تخضع لنفوذ عدة مليشيات مسلحة، أبرزها "بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، فضلا عن أنصار رجل الدين وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ضمن مليشيا "سرايا السلام".
وتعليقا على ذلك، اعتبر عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى، أيوب الربيعي، أن الهدنة "جاءت من أجل حل النزاعات العشائرية في البلدة"، مؤكدا في إيجاز صحافي، أن "المنطقة عانت لأشهر طويلة من النزاعات العشائرية المحتدمة التي كان لها تأثير سلبي على الأمن والاستقرار".
وبين أن الاجتماع الأمني، الذي عقد أمس الخميس، ناقش جميع الملفات التي من شأنها حسم النزاعات بشكل نهائي، موضحا أن أبرز المقررات الإيجابية للاجتماع هو الاتفاق على هدنة بين الأطراف المتنازعة تستمر حتى العاشر من الشهر المقبل، بهدف دعم السلم الأهلي، وتحقيق الاستقرار.
شهدت البلدة اشتباكات بين عشائر عدة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وسقط من الجانبين قتلى وجرحى
إلا أن زعيما قبليا في المدينة قال لـ"العربي الجديد"، إن "المسؤولين الأمنيين في البلدة والقادمين من بغداد تحدثوا عن كل شيء باستثناء سبب الصراعات وحملات التصفية".
وأضاف، طالبا عدم الكشف عن هويته، أن المشاكل في المدينة غير تلك المتعلقة بجرائم المليشيات الطائفية، والتي تمتد لأكثر من 14 عاما في المدينة، والقائمة على نوايا التغيير الديموغرافي، مؤكداً أنها قائمة على صراع المغانم والنفوذ.
ولفت إلى عدم وجود إرادة حقيقية لكبح جماح المليشيات التي تتخذ من بعض العشائر غطاءً لعملها، موضحا أن قوات الأمن غالبا ما تتخذ موقف المتفرج تجاه بعض الجرائم التي يتم ارتكاب بعضها أثناء النهار أحيانا.
وأشار إلى أن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يعود إلى البلدة ما لم يتم نزع سلاح الفصائل المسلحة المنفلت، وتقديم المتهمين بممارسة أعمال القتل للعدالة.
وفي الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شهدت البلدة اشتباكات بين عشائر عدة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وسقط من الجانبين قتلى وجرحى، قبل أن تتدخل قوات الجيش لوقف الاشتباكات التي جرت داخل أحياء ومناطق مأهولة بالسكان. وعلى خلفية تلك الأحداث، أعلن مدير البلدة عبد الله الحيالي استقالته من منصبه، وأعلنت وسائل إعلام محلية آنذاك عن مغادرة عدد من سكان البلدة منازلهم لعدم توفر الأمن فيها.
عضو مجلس البلدة السابق محمد الربيعي قال لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي معه، إن الهدنة ستقوي المعادلة الحالية المفروضة على المدينة، فبدلا من أن ينزل الجيش ويعتقل كل شخص يحمل السلاح خارج الدولة ويفرض القانون، عمد إلى التحول لدور الوسيط بين طرفين خارجين عن القانون.
وأضاف أن "مثل هذه الحلول ستؤدي بالنهاية إلى تكريس سلطة المليشيات في المدينة وكل أجزاء محافظة ديالى"، واصفا مشكلة عموم مدن ديالى بأنها قائمة على نفوذ المليشيات، والتي باتت المنظومة العشائرية بشكل أو آخر متورطة معها في الإخلال بالأمن والسلم الأهلي بالمحافظة، وكله بسبب ضعف الحكومات وانحياز المسؤولين الواضح في التعامل مع الملف الأمني.