تسعى الأحزاب والكيانات السياسية التقليدية في العراق إلى تأجيل عملية الإعلان عن أسماء مرشحيها للانتخابات البرلمانية المقبلة، المقرر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لأسباب يعزوها مراقبون وناشطون إلى مخاوف أمنية والخشية على حياة المرشحين، فيما يربطها آخرون بقلة ثقة هذه الأحزاب بإمكانية فوز مرشحيها، كما في السابق. وأبلغت هذه الأحزاب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، برغبتها بتأجيل الإعلان عن أسماء مرشحيها للانتخابات المبكرة، بحسب وسائل إعلام عراقية، فيما اعتبرت المتحدثة باسم المفوضية جمانة غلاي أن هذا الأمر "غير قانوني".
وفي آخر بيان لها، صدر الخميس الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات في العراق أن فترة استقبال قوائم المرشحين من قبل الأحزاب والكتل السياسية ستستمر حتى 17 إبريل/ نيسان الحالي (السبت المقبل)، فيما تتواصل فترة تسجيل التحالفات السياسية لغاية الأول من أيار/ مايو المقبل.
بعض القوى السياسية لم تحسم اختيار مرشحيها لبعض الدوائر الانتخابية حتى الآن
وأقرّ النائب في البرلمان العراقي عباس صروط، بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام محلية، أمس الثلاثاء، بخشية الكتل السياسية من إعلان أسماء مرشحيها لخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة المقبلة. وقال صروط إن "بعض القوى السياسية لم تحسم اختيار مرشحيها لبعض الدوائر الانتخابية لغاية الآن، خصوصاً مع استمرار المفاوضات حول تشكيل التحالفات الانتخابية"، مبيناً أن "هناك خشية على المرشحين، خصوصاً أن الانتخابات المقبلة ستكون عبر الدائرة المتعددة، على أن يكون لكل كتلة مرشح واحد في الدائرة الواحدة". وتبعاً لذلك، أوضح النائب أنه "إذا تعرض أي مرشح لاستهداف ما، فستخسر الكتلة التي رشحّته مقعداً محتملاً لها"، مشيراً إلى أن "الكشف عن مرشحي القوى السياسية سيتمّ في وقت قريب جداً من موعد الانتخابات" لهذا السبب.
من جهته، اعتبر السياسي العراقي وائل الحازم أن دعوة الأحزاب السياسية المفوضية لعدم الإعلان عن أسماء المرشحين "أمر مريب"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك احتمالات عديدة تنضوي في إطار تفسير هذه الدعوة، ومنها الخوف على حياة المرشحين، إضافة إلى منع عمليات بيع وشراء الذمم، فضلاً عن عدم الثقة بين الأحزاب السياسية والمرشحين أنفسهم، وهو احتمال بات وارداً وواضحاً". لكنه لفت إلى أن المفوضية من جهتها "غير ملزمة قانونياً بالحفاظ على السرّية في ما يتعلق بالإعلان عن أسماء المرشحين، خصوصاً أنه من المفترض أن تقوم في 17 إبريل بإغلاق باب الترشح، ثم انتظار 15 يوماً إضافياً لإبداء رأيها بالمرشحين ومراجعة الإجراءات الخاصة بنزاهتهم، ثم الإعلان عن الأسماء". وتعليقاً على دعوة الأحزاب العراقية لعدم الإعلان عن أسماء مرشحيها، رأى الحازم أن ذلك "يدل على مشكلة سياسية حقيقية تلوح بالأفق، إلا أن الإيجابي فيها هو أن هذه الأحزاب باتت أكيدة من عدم فوزها هذه المرّة بأصوات انتخابية تؤهلها للحصول على مناصب ومقاعد برلمانية، ما ولّد لديها الخشية من الكشف عن أسماء مرشحيها".
تخشى الحركات السياسية المنبثقة عن الحراك على حياة مرشحيها للانتخابات
أما بالنسبة إلى الكيانات السياسية الجديدة في العراق التي أفرزها الحراك الشعبي، فأوضح الناشط عمر محمد أن هذه الكيانات "لا ترغب في الإعلان عن أسماء مرشحيها في الانتخابات المبكرة، خشية تعرضهم أو تعرض بعضهم لعمليات اغتيال، لا سيما أن الجماعات المسلحة والمليشيات تعتزم قمع هذه الحركات السياسية بشتى الطرق، وبالتالي فإن إعلان أسماء مرشحين في الوقت الحالي يعدّ مخاطرة كبيرة على حياة بعض الناشطين والمتظاهرين، كما أن هؤلاء قد يتعرضون لحملات غير مسبوقة لإفشال ترشحهم أو فوزهم". ولفت محمد أيضاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه الكيانات (السياسية الجديدة) لا تملك حتى الآن مصادر كافية لتمويل مرشحيها ودعمهم بالدعاية الانتخابية، وهي تعتمد فقط على التبرعات، وبالتالي فإن فكرة الإعلان المبكر، سواء من طرف مفوضية الانتخابات أو الكيانات نفسها، أمر يحتاج إلى تخطيط مالي".
وعلى الرغم من طلب الأحزاب، يبدو أن مفوضية الانتخابات العراقية لها رأي آخر. إذ بيّنت المتحدثة باسمها جمانة غلاي أن "الدعوة التي تتحدث عنها كتل وأحزاب حول طلب تأجيل إعلان أسماء المرشحين في الانتخابات، هي غير قانونية ولا منطقية، لأن المفوضية تستعد حالياً لإغلاق باب استلام استمارات الترشيح، ثم دراسة الشهادات الدراسية للمرشحين ونزاهتهم واستقلاليتهم من خلال التعاون مع المؤسسات والدوائر الحكومية العراقية". وأكدت غلاي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المفوضية ستعلن عن أسماء المرشحين والكيانات السياسية بعد استكمال هذه الإجراءات، حيث من المفترض أن تبدأ الأحزاب بعد ذلك حملاتها الانتخابية استعداداً ليوم الاقتراع".
يشار إلى أن قوى سياسية عراقية لا تزال تشكك في إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في أكتوبر المقبل، بسبب تراكم الأزمات المالية والأمنية والسياسية في البلاد. كما أن قوى سياسية كبيرة لا تريد في الأصل إجراء الانتخابات في هذا الموعد، وهي تسعى لأن تكسب وقتاً إضافياً، حتى تكون مستعدة لهذا الاستحقاق تماماً.