الصراع الأفغاني يتأزم: مفاوضات متوقفة وخلاف حول الحكومة المؤقتة

الصراع الأفغاني يتأزم: مفاوضات متوقفة وخلاف حول الحكومة المؤقتة

01 فبراير 2021
تحاول أطراف الصراع تعزيز أوراقها في الميدان (نورالله شيرزاده/فرانس برس)
+ الخط -

تؤكد التطورات المتواصلة التي تشهدها الساحة الأفغانية مدى تعقّد المعضلة التي يواجهها هذا البلد، في ظلّ تقاطع مصالح الأطراف الداخلية المنخرطة في هذا الصراع ومصالح دول الجوار، المتهمة بدعم الأطراف الأفغانية، المختلفة في ما بينها. وبقدر ما إن الحرب الأفغانية طويلة، والويلات الناجمة عنها قاسية، فإن إيجاد حلول لها عبر الحوار يبدو مسألة أكثر تعقيداً وصعوبة. ويكمن التعقيد خصوصاً في أن كلّ طرف يسعى للحصول على مكاسب عسكرية وسياسية، لتقوية موقفه على طاولة الحوار، وفي أن كلّ فريق من الأفرقاء المتصارعين يضع على هذه الطاولة عدداً من الخطوط الحمر رافضاً التنازل عنها، وهو ما يهدد بإطاحة كل ما أحرزته عملية السلام الأفغانية من تقدّم حتى الآن.

لا تزال المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" متوقفة منذ 15 يوماً

وباتت إمكانية تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد لفترة زمنية قصيرة، بهدف مراقبة مجريات السلام، إذا ما تمكنت الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" من التوصل إليه خلال حوارهما المنعقد في العاصمة القطرية الدوحة، والعمل أيضاً على إجراء انتخابات، مهددة أكثر من أي وقت سابق خلال عملية الحوار. فالرئيس الأفغاني أشرف غني وضع أخيراً مسألة تنحيه عن السلطة، وتولي حكومة مؤقتة إدارة البلاد، في مرتبة الذهاب بالوضع نحو إراقة مزيد من الدماء، ودفع أفغانستان نحو أتون حربٍ أهلية مشابهة لتلك التي شهدتها في تسعينيات القرن الماضي، بعد سقوط حكومة الرئيس محمد نجيب الله (1992). وتربط الحكومة الأفغانية خطّها الأحمر هذا بعدم المساومة على ما أحرزته البلاد خلال العقدين الماضيين، ومنها تأمين الديمقراطية. وأكد غني أنه لن يتخلّى عن الإمساك بزمام إدارة أفغانستان إلا لشخصية منتخبة بأصوات الأفغان. وقال غني يوم الجمعة الماضي، في كلمة له عبر الإنترنت لمنتدى "أسبن" الأمني، إن تجارب الحكومات المؤقتة في أفغانستان أثبتت فشلها، وهي قد تدفع البلاد صوب أتون حرب أهلية. وشدّدت الرئاسة الأفغانية، في بيان، على أن مسؤولية الرئيس تسليم القيادة لرئيس منتخب يحلّ مكانه، وليس لحكومة مؤقتة.

بدوره، ذهب مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب إلى حدّ اعتبار أن مسألة الحكومة المؤقتة، هو طرح أجنبي ويفتح المجال للتدخل الأجنبي. وكتب محب، في تغريدة على "تويتر"، أن الدعوة إلى تشكيل حكومة مؤقتة تعني إتاحة الفرصة للتدخل الأجنبي، والشعب الأفغاني يعرف ذلك، ولن يرضى إلا بحكومة منتخبة. وأضاف أن الشعب الأفغاني لن يسمح بعد اليوم بتطبيق أجندات أجنبية في البلاد، تأتي بالويلات.

في المقابل، ترفض حركة "طالبان" المساومة على مطلبها بتشكيل حكومة إسلامية. وأُثير الجدل بشأن الحكومة المؤقتة أو تنحي الرئيس الأفغاني، بسبب تصريحات لنائب رئيس المكتب السياسي للحركة، الملا شير محمد عباس ستانكزاي، أدلى بها في العاصمة الروسية موسكو يوم الجمعة الماضي، واعتبر فيها أن غني يخالف السلام، لأن وصول الطرفين إلى حلّ ما يعني أن حكومة غني ستُقال وستنتهي، مؤكداً أن من ضمن بنود التوافق بين "طالبان" وواشنطن تشكيل حكومة إسلامية. وشدّد ستانكزاي على أنه ينبغي على الرئيس الأفغاني التنحي إذا ما أراد إنهاء الحرب.
وأثارت تصريحات ستانكزاي حفيظة الحكومة في كابول، إلى حدّ اعتبارها من قبل الرئاسة الأفغانية "تصريحات لأعداء البلاد". وقال المتحدث باسم الرئاسة، دوا خان مينه بال، لـ"العربي الجديد"، إن القضاء على الحكومة والنظام الحالي "مطلب أعداء هذه البلاد، وهو ما لن يحصل، إذ إن الدستور الأفغاني حدّد فترة حكومة الرئيس وطريقة مجيء من سيخلفه"، مؤكداً أن الشعب الأفغاني يحافظ على النظام، ولن يحصل ما تتطلع إليه "طالبان". كذلك رأى مستشار الرئيس الأفغاني وحيد عمر، خلال مؤتمر صحافي عقده في كابول أول من أمس السبت، أن كلام ستانكزاي هو امتداد لما قاله الأخير في وقت سابق، من أنه يجب القضاء على القوات المسلحة الأفغانية لأنها صنيعة الولايات المتحدة. واتهم عمر "طالبان" بعدم الرغبة في الحوار وحلّ أزمة البلاد من خلاله.

وتزامن الجدل حول مسألة الحكومة المؤقتة، أو تنحي الرئيس الأفغاني، مع سجال آخر يتعلق بزيارات قام بها مسؤولون من حركة "طالبان" إلى طهران وموسكو. وكان وفد من الحركة برئاسة رئيس مكتبها السياسي الملا عبد الغني برادر قد زار الأسبوع الماضي طهران، فيما توجه وفد آخر بزعامة عباس ستانكزاي إلى موسكو الخميس، لمناقشة أبعاد المصالحة الأفغانية وتطبيق توافق الدوحة، بحسب ما أعلن المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" محمد نعيم. ويبدو أن الحركة أرادت توجيه رسائل عديدة من خلال الزيارتين، لعل أهمها تلك التي أردات توجيهها إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي أعلنت نيّتها مراجعة اتفاق السلام الذي أبرمته واشنطن مع "طالبان" في عهد دونالد ترامب. وبدت الحركة وكأنها تقول لواشنطن إن أمامها خيارات عدة، إذا ما سعت الأخيرة إلى الانسحاب من التوافق، أو إجراء تعديلات عليه. وقد يكون هدف الحركة من خلال الزيارتين الحصول على دعم دول المنطقة في المفاوضات التي تجريها مع الحكومة الأفغانية. وتحاول "طالبان"، كما يبدو، أن تكون لها اليد العليا في السياسة، تماماً كما ترى أنها تملكها على أرض المعركة. وهذا الأمر هو ما أشار إليه السياسي المعروف سيد إسحاق جيلاني، معتبراً أن ما فشلت فيه الحكومة، وهو الحصول على دعم دول المنطقة، وتحديداً إيران وروسيا، نجحت فيه "طالبان".

أكد مصدر في "طالبان" أنها لن تستكمل الحوار، حتى توضح إدارة بايدن سياستها إزاء التوافق

وبغضّ النظر عن أهداف "طالبان" من وراء تلك الزيارات، إلا أنها خلقت تصدعاً داخل الحكومة الأفغانية. ووصف مستشار الرئيس الأفغاني وحيد عمر زيارات الحركة بالعبثية، كما انتقد المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، رحمت الله، زيارة "طالبان" إلى طهران، معتبراً أن الحركة لا ترغب في الحوار، وهي تمتنع عن الجلوس مع هيئة الحكومة التفاوضية في الدوحة. لكن رئيس المجلس الأعلى الوطني للمصالحة الأفغانية، عبد الله عبد الله، أكد أن زيارة وفد "طالبان" إلى إيران حصلت بالتنسيق معه. ويؤيد عبد الله، ومعه وجوه سياسية أخرى في البلاد، من بينها الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، فكرة الحكومة المؤقتة.

ويحصل هذا الجدل كلّه، أيضاً، في خضم توقف المفاوضات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" منذ 15 يوماً. وقالت المتحدثة باسم وزارة شؤون السلام ناجية أنوري، في بيان، إن هيئة الحكومة تنتظر "طالبان" في الدوحة، لكن وفد الحركة لا يحضر إلى الحوار، محمّلة "طالبان" مسؤولية قتل المدنيين. من جهته، أكد مصدر في الحكومة لـ"العربي الجديد" أن السبب وراء تمنّع "طالبان" عن المشاركة في الحوار هو أنها تريد ضمانات للإفراج عن أكثر من سبعة آلاف سجين لها، وإخراج أسماء قيادييها من القائمة السوداء لمجلس الأمن قبل الوصول إلى أي توافق مع الحكومة الأفغانية. لكن القيادي السابق في الحركة، السيد أكبر أغا، نفى ذلك، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن السبب الأساسي لتوقف الحركة عن حضور جلسات الحوار هو إعلان الإدارة الأميركية الجديدة عزمها مراجعة توافق الدوحة، مؤكداً أن "طالبان" لن تستكمل التفاوض مع الحكومة الأفغانية، حتى توضح إدارة بايدن سياساتها إزاء التوافق. وعلى الرغم من تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان تأييده لتوافق الدوحة، إلا أن إدارة بايدن سبق أن أكدت أنها تنوي مراجعة اتفاق السلام بين واشنطن و"طالبان"، كما أكدت أنها تراقب مدى التزام الحركة ببنود التوافق.

في هذه الأثناء، لا تزال الحرب مستعرة في أفغانستان، وكذلك تبادل الرسائل في الميدان. ففي إقليمي هلمند وقندهار جنوبي البلاد، أعلنت الحكومة أخيراً مقتل عشرات المسلحين، بينهم قادة ميدانيون في "طالبان"، وذلك في عمليات للجيش الأفغاني بدعمٍ من سلاح الجو، كما أعلنت الاستخبارات الأفغانية أول من أمس السبت اعتقال "حاكم ولاية كابول في طالبان" محمد لالا. في المقابل، استهدفت الحركة بمدرعة ملغمة ثكنة عسكرية في إقليم ننغرهار صباح السبت، وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إن العملية أدت إلى مقتل جميع الجنود العاملين في الثكنة، فيما أكدت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد" مقتل 14 جندياً.