"الحرب" على "هوية إسرائيل" تشتعل في تل أبيب: سجال حاد يعزز الانقسام

"الحرب" على "هوية إسرائيل" تشتعل في تل أبيب: سجال حاد يعزز الانقسام والكراهية

26 سبتمبر 2023
شهدت صلوات تفصل بين الجنسين في تل أبيب صدامات بين مؤيدين ومعارضين (أسوشييتد برس/Getty)
+ الخط -

تعزز حالة سجال شديد شهدها "يوم الغفران" في إسرائيل، الاثنين، حول "هوية إسرائيل" وتوجهاتها، خطاب الكراهية وتذكي نار "الحرب" الداخلية، بين فئتي المتدينين والليبراليين ومختلف الشرائح المتنازعة في مسألة الهوية والسيطرة على الحيز العام، وفق ما ورد في وسائل إعلام إسرائيلية.

و"يوم الغفران" في الوضع الطبيعي، هو يوم يصوم فيه اليهود ويلتزمون خلاله منازلهم أو يتوجهون إلى دور العبادة "الكنس" لأداء الصلوات، إلا أنه شهد هذا العام صدامات غذتها حالة الانقسام بشأن خطة التعديلات القضائية.

واستخدم العديد من المحللين والصحافيين الإسرائيليين وصف "حرب" في إشارة إلى الانقسام الحاصل، خاصة بعد المواجهات التي نشبت، الاثنين، بين متدينين بادروا إلى إقامة صلوات تفصل بين الجنسين في شوارع تل أبيب، وبين معارضين لخطوة الفصل هذه في الحيز العام، ليمتد الأمر لاحقاً إلى حيفا ومناطق أخرى، ويتطور إلى احتجاجات، ثم مناكفات سياسية، واتهامات متبادلة ببث الكراهية بين مؤيدي خطة التعديلات القضائية التي تقودها الحكومة ومعارضوها.

وكتب الصحافي أنشيل بيبير في صحيفة "هآرتس"، اليوم الثلاثاء، أنّ "الهجوم الذي شنته الحكومة يهودية الأصولية التي شكّلها (رئيس الحكومة) بنيامين نتنياهو على الديمقراطية الإسرائيلية، بالإضافة إلى تنمرها الصارخ على كل قيمة من قيم إسرائيل الليبرالية، أعطى الإشارة لبدء حرب ثقافية وحرب دينية".

وأضاف الكاتب أنّ "هذه الحرب كانت متوقعة، وربما كان لا بد من اندلاعها في وقت ما. لكن لا شك أن الانقلاب السلطوي (التعديلات القضائية) كان هو المحفّز لذلك. وعندما تكون تل أبيب في حالة حرب، لا يمكن إقامة حواجز للفصل بين الجنسين في صلاة يهودية".

واعتبر الكاتب أنّ "الحرب على الديمقراطية ليست مجرد حرب على الترتيبات الدستورية وصلاحيات المحكمة العليا التي تم الدوس عليها عندما تصرفت الشرطة بشكل مخالف لأمر المحكمة العليا، وسمحت بوضع فاصل بين النساء والرجال خلال الصلاة في تل أبيب، ولكنها أيضاً على الحيز العام في تل أبيب التي اعتقدت أنها تستطيع الهروب من مصير القدس (المحتلة) التي يزداد فيها تأثير المتدينين".

وتابع: "هي أيضاً حرب على الهوية اليهودية لكل مواطن إسرائيلي يهودي. الحرب الدينية التي بدأت رسمياً في إسرائيل مع دخول صوم يوم الغفران، ستستمر وستكون قبيحة. في تل أبيب، وربما في مدن أخرى، بدأ الصبر على وجود بؤر استيطانية لليهودية المتعصبة ينفد".

ويرى الكاتب أنه "في هذه المرحلة، يبدو أنه لا توجد طريقة للتجسير بين أولئك الذين اعتبروا أحداث يوم الغفران في تل أبيب محاولة من قبل المتعصبين دينياً لانتهاك قرار المحكمة العليا وفرض الفصل بين الجنسين في قلب مدينة ليبرالية، وأولئك الذين رأوا أنّ هناك متطرفين علمانيين يحاولون منع اليهود من إقامة احتفال ديني مقدس. وهذا الصدع في المجتمع الإسرائيلي، هو إرث نتنياهو، ولا يمكن إصلاحه قريباً. بل على العكس من ذلك، من المرجح أن تحاول الحكومة تعميقه أكثر".

وتوقّف الكاتب عند تصريحات نتنياهو حول الأحداث الأخيرة عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي جاء فيها أنّ "متظاهرين من اليسار قاموا بأعمال شغب ضد اليهود أثناء صلواتهم". واعتبر الكاتب أنّ "الرسالة واضحة: هناك يساريون وهناك يهود (..) على مدى ثلاثة عقود ظل نتنياهو يستغل الانقسام المصطنع بين (اليهود) و(الإسرائيليين) لبناء القاعدة السياسية".

وقال الكاتب إنّ "أغلبية كبيرة من اليهود الإسرائيليين، بمن فيهم اليهود المحافظون وجزء محترم من الصهيونية الدينية التي لا تتماهى مع رسالة القائمة التي تسمي نفسها بهذا الاسم (بزعامة بتسلئيل سموتريتش)، ليست من الأصوليين. لكن معظمهم اعتبروا أن اليهودية يتم تعريفها من قبل المتطرفين الهامشيين. لقد تخلت إسرائيل الليبرالية منذ فترة طويلة عن هذا المجال. لقد تخلت عن نظام التعليم الحكومي واستسلمت دون قتال في مئات النضالات الأخرى من أجل روح اليهودية الإسرائيلية".

وخلص الكاتب إلى أنه "في يوم الغفران، دق ناقوس الخطر بشأن الخروج إلى حرب على اليهودية في إسرائيل. لا يكفي تغيير الحكومة ووقف الانقلاب السلطوي. أولئك الذين يسعون إلى الحفاظ على الديمقراطية الإسرائيلية يجب أن يشاركوا أيضًا في النضال من أجل هويتها اليهودية (أي شكل وماهية هويتها اليهودية)".

هجوم متبادل بين الحكومة والمعارضة

في غضون ذلك، شهدت الساحة السياسية سجالاً حاداً مع انتهاء "يوم الغفران" وخروج مواقف جهات في الائتلاف الحاكم والمعارضة إلى العلن.

وتطرق نتنياهو، مساء الاثنين، إلى التظاهرات خلال "يوم الغفران" ضد الصلاة التي تفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، مهاجماً اليسار. وقال إنّ "متظاهرين يساريين قاموا بأعمال شغب ضد اليهود. يبدو أنه لا توجد حدود ولا أعراف ولا تحفظات بشأن الكراهية من جانب المتطرفين في اليسار".

وأضاف نتنياهو: "أنا، مثل غالبية المواطنين الإسرائيليين، أرفض ذلك. مثل هذا السلوك العنيف ليس له مكان بيننا".

في المقابل، انتقد رئيس المعارضة يئير لبيد إقامة صلوات تفصل بين الجنسين في الأماكن العامة في تل أبيب. وكتب على "فيسبوك": "منذ سنوات وحتى هذا العام، كنت أعطي يوم الغفران كمثال على أن اليهودية لا تحتاج إلى إكراه. لكن جاءت نواة أصولية وعنصرية إلى هنا من الخارج (من خارج تل أبيب) وتحاول فرض نسختها من اليهودية علينا"، مضيفاً: "قررت نواة المتدينين القوميين المتطرفة التي جاءت إلى الحي جلب الحرب إلينا أيضًا. إنهم يصرّون على الفصل بين الجنسين في الخارج أيضًا.. ويطالبون باسم التسامح أيضًا أن يقرروا ما هو مسموح وما هو ممنوع".

بدوره، اتهم بيني غانتس، رئيس حزب "همحانيه همملختي" (المعسكر الرسمي) نتنياهو بتأجيج الكراهية. وكتب عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الاثنين، أنه "على مدى 75 عاماً، تمكّنت أغلبية كبيرة من الإسرائيليين من التوصل إلى اتفاق بشأن الحيز العام في يوم الغفران، بحيث تتم ملاءمته حسب المجتمع (في كل منطقة). وعلى مدى 75 عاماً، تمكنت المجتمعات (الإسرائيلية) من احترام بعضها البعض على الرغم من اختلافاتها، ولم تدخل السياسة إلى يوم الغفران. والآن، من قرر تفريقنا نجح أيضًا في تدنيس هذا اليوم المقدس بالإكراه والكراهية غير المبررة"، متهماً نتنياهو "أكبر مروج للكراهية"، على حد تعبيره، بـ"تأجيج النار، إلى جانب السياسيين الذين قرروا تحويل الفضاء العام لدينا إلى منطقة كوارث".

من جهته، كتب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، عبر حسابه على منصة "إكس"، أنه ينوي تنظيم صلاة في ميدان ديزنغوف في تل أبيب، متحدياً المعارضين لذلك.

وأضاف بن غفير: "في يوم الغفران هذا، رأينا كارهين يحاولون طرد اليهودية من الحيز العام. إسرائيل دولة يهودية! وديمقراطية. مساء الخميس المقبل سأقيم صلاة في المساء بالميدان، والدعوة عامة!".

"صحوة الجمهور الليبرالي"

وبحسب الصحافي أور كيشتي في "هآرتس"،  ترمز احتجاجات "يوم الغفران" في تل أبيب إلى "مرحلة أخرى في صحوة الجمهور الليبرالي"، في مواجهة "المبشرين اليهود، وشرطة تتحرك بين اللامبالاة والتعاون مع انتهاك حكم صريح صادر عن محكمتين".

وقال: "مئات المتظاهرين أوضحوا في سلسلة من المواجهات في جميع أنحاء المدينة، أنهم لن يسمحوا بالفصل بين الجنسين في الأماكن العامة. إن خط الحدود الجديد الذي تم رسمه مساء الأحد، هو خطوة ضرورية في تشكيل معسكر سيُلزم أيضاً السياسيين الذين سيطلبون ثقته قريباً في الانتخابات المحلية. إن التعددية أحادية الجانب، التي برعايتها نمت وترسخت مبادئ تفوق اليهودية، بدأت تتغير وهذه محطة أولى في الطريق لإصلاح طويل الأمد وواسع النطاق".

واعتبر الكاتب أنّ "الاحتجاج المدني لم يهاجم الصلاة، ولم يمس بحرية الدين، بل خرج ضد التمييز بين الرجال والنساء بطريقة غير مناسبة في الحيز العام. وبذلك، دافع الاحتجاج عن قيمة المساواة، وأثبت أن الليبرالية لديها أيضًا مبادئ مقدسة".

ولفت إلى ما كتبته قاضية في المحكمة المركزية في تل أبيب قبل أسبوع، في قرارها، بأنّ كل من يطلب صلاة غير مختلطة يمكنه القيام بذلك في 500 كنيس منتشرة في أرجاء تل أبيب.

وأشار الكاتب إلى أنّ القضية تتجاوز موضوع الفصل بين السلطات، في إشارة إلى محاولات جهات في الائتلاف الحاكم للفصل بين النساء والرجال في العديد من الأماكن والمرافق، مثل "الرغبة في تشريع الفصل بين الرجال والنساء في المحميات الطبيعية، ووسائل النقل العام، والجيش، والمؤسسات الأكاديمية، والمرافق العامة، وحيثما أمكن ذلك، ما يهدف إلى تطبيع أجندة عنصرية- قومية أوسع، مرتبطة مباشرة بالانقلاب السلطوي".

كما اعتبر الكاتب أن "تراكم المحاولات طوال يوم الغفران لفرض الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة تحت غطاء الصلاة، في تل أبيب وفي جميع أنحاء البلاد، هو هجوم متعمّد، وربما منظّم، ضد الجمهور الليبرالي".

وذهب الكاتب لتشبيه قيام اليمين الديني- القومي بإنشاء بؤر استيطانية من خلال "فرض أمر واقع على الأرض، بواسطة بؤرة استيطانية بعد الأخرى، مع كلام معسول عن الوحدة"، بما يحدث حالياً من مساعٍ لـ"فرض التديّن بالكامل على الحيز العام".

قانون يسمح بالفصل

في غضون ذلك، ذكرت صحيفة "معاريف"، مساء الاثنين، أنه في أعقاب عاصفة الفصل بين الجنسين في تل أبيب، طُرحت مبادرة في الائتلاف الحاكم، بتشريع يسمح بالصلاة غير المختلطة التي تفصل بين الجنسين في الحيز العام.

ومن شأن هذه الخطوة، تعميق الشرخ الإسرائيلي أكثر، إن خرجت إلى حيز التنفيذ.