الانتخابات التونسية بالخارج: عزوف عن الترشح وفائزون بلا منافسة

الانتخابات التشريعية التونسية في الخارج: عزوف عن الترشح وفائزون بلا منافسة

15 ديسمبر 2022
إعلانات انتخابية في العاصمة، الاثنين (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -

طالع التونسيون، الاثنين الماضي، بياناً مقتضباً للسفارة التونسية في العاصمة البريطانية لندن، جاء فيه أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قررت تعليق المسار الانتخابي في عدد من الدوائر الانتخابية الخارجية، ومنها الدول الأوروبية، لعدم وجود مرشحين مقبولين، في الانتخابات التشريعية، التي تبدأ في الخارج اليوم الخميس وتمتد لثلاثة أيام، وتُنظّم في الداخل السبت المقبل.

وأعلمت السفارة أفراد الجالية التونسية المقيمين في بريطانيا وأيرلندا، أنه سيتم سدّ الشغور بمجلس نواب الشعب في فترة لاحقة. وأضافت أنه لن يتم فتح مكاتب الاقتراع في السفارة بلندن ولا في مدن برمنغهام ومانشستر وإدنبرة ودبلن، اليوم الخميس وغداً الجمعة وبعد غد السبت، المخصصة للانتخابات التشريعية في الخارج. كما صدرت بيانات مماثلة أخرى عن عدد من الدول، وتتعلق بعدم إجراء انتخابات للمغتربين التونسيين في الخارج.

ولأول مرة منذ ثورة 2011، والتي جاءت لتضمن تمثيل التونسيين في الداخل والمهجر، تجري الانتخابات التشريعية في الخارج من دون منافسة، مع غياب الترشيحات في 7 دوائر انتخابية خارجية من أصل 10، بينما فاز المرشحون عن الدوائر الثلاث الأخرى بالتزكية، ومن دون الحاجة للذهاب إلى صناديق الاقتراع. ولا ينفصل هذا الواقع عن التغيرات التي طرأت على تمثيل الاغتراب التونسي في البرلمان، وانخفاض عدد المقاعد المخصصة له من 18 إلى 10، من أصل 161 مقعداً في مجلس نواب الشعب المقبل.


منيرة العياري: فشل انتخابات الخارج ينمّ عن أن المسار الذي ذهب فيه سعيّد هلامي

وكان التونسيون المقيمون في 47 دولة يتوزعون على 6 دوائر كبرى ممثلة بـ18 مقعداً في البرلمان، وفقاً لعدد المقيمين من الجالية التونسية. والدوائر كانت كالآتي: دائرة (فرنسا 1) 5 مقاعد، دائرة (فرنسا 2) 5 مقاعد، دائرة (إيطاليا) 3 مقاعد، دائرة (ألمانيا) مقعد واحد، دائرة (الأميركيتين وبقية دول أوروبا) مقعدان، دائرة (الدول العربية وبقية دول العالم) مقعدان.

لكن بحسب المرسوم الانتخابي الذي عدله الرئيس قيس سعيّد في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وصاغه بمفرده من دون إشراك أي طرف حزبي أو من المجتمع المدني، أُعيد توزيع الدوائر وفق قاعدة حيّرت خبراء الشأن الانتخابي.

ووُزّع الناخبون على 10 دوائر، لكل منها مقعد واحد، وهي كالتالي: دوائر (فرنسا 1) و(فرنسا 2) و(فرنسا 3)، دائرة (إيطاليا)، دائرة (ألمانيا)، دائرة (بقية الدول الأوروبية)، دائرة (الدول العربية)، دائرة (آسيا وأستراليا)، دائرة (أفريقيا) دائرة (الأميركيتين).

كما عدّل سعيّد طريقة الاقتراع، من الانتخاب وفق القوائم إلى الانتخاب وفق الأفراد، وهي المرة الأولى التي تعتمد فيها البلاد هذا النظام الانتخابي منذ استقلالها (عن فرنسا في عام 1956). كما عدّل سعيّد شروط الترشح، عبر إدراجه شوطاً مثل إلزام المرشحين بجمع 400 تزكية من الناخبين مناصفة بين الرجال والنساء، وأن يكون ربعهم من الشباب، وأن يتفرغ النواب لعملهم البرلماني من دون ممارسة أي وظيفة. كما ألغى التمويل العام للحملة الانتخابية كما كان معمولاً به في الانتخابات السابقة، التي أُجريت في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وشكل أمس الأربعاء يوم الصمت الانتخابي للحملة الانتخابية في الخارج، التي بدأت في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ووصفها خبراء الشأن الانتخابي بـ"الباهتة والفاترة". ودارت الحملة الانتخابية في الخارج في 3 دوائر انتخابية فقط من دون أي منافسة، مع تسجيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ترشحاً واحداً في كل من دوائر (فرنسا 2) و(فرنسا 3) و(إيطاليا).

فائزون من دون منافسة

ويعد عدد المرشحين في دوائر الخارج الأضعف منذ بدايات تنظيم انتخابات تشريعية تعددية في تونس ما بعد الثورة، فيما يبلغ إجمالي عدد الناخبين المسجلين بالخارج نحو 348876 ناخباً، موزعين على 47 دولة، بحسب إحصاءات الهيئة، وليسوا جميعاً معنيين بالمشاركة في الاقتراع بل سُجّلت ترجيحات في 3 دوائر فقط.

ويضمن المرسوم الانتخابي، الذي سنّه سعيّد، للمرشحين الثلاثة فوزهم بمقعد في المجلس المقبل، حتى من دون القيام بأي حملة انتخابية لغياب المنافسة مع أي مرشح آخر.

وإزاء هذه المعطيات حول انتخابات الخارج، اعتبرت القيادية في حزب التيار الديمقراطي، النائبة بالبرلمان المنحل عن دائرة (الأميركيتين وبقية الدول الأوروبية)، والموجودة في سويسرا، منيرة العياري، أن "الحملة الانتخابية في المهجر غائبة تماماً بسبب عدم وجود مرشحين في 7 دوائر انتخابية، وبالتالي لا وجود لحملة انتخابية، ووجود مرشح وحيد في كل من الدوائر الثلاث المتبقية يعني مروراً آلياً للبرلمان، فلا حاجة للحملة الانتخابية".

وأضافت العياري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذا الأمر ضرب للديمقراطية في مقتل، لأن العملية الانتخابية هي ركن أساسي في الديمقراطية وأي نظام سياسي يدعي أنه ديمقراطي عليه أن يعمل على توفير كل الضمانات الفعلية والقانونية لإنجاح العملية الانتخابية، والحرص على تمثيل كل الشرائح الاجتماعية داخل الوطن أو خارجه في البرلمان الجديد".


موسى بن أحمد: لا يمكن التعليق على الانتخابات في الخارج فلا يوجد انتخابات هناك أصلاً

وتابعت: "هناك انتكاسة في المسار الديمقراطي في تونس بإقصاء جزء هام من الشعب التونسي وحرمانه من انتخاب من يمثله داخل البرلمان الجديد، مع العلم أن عدد التونسيين في الخارج يقارب المليوني نسمة، ويؤدون دوراً هاماً في الاقتصاد الوطني، وإقصاؤهم بهذا الشكل له تأثير نفسي ومادي سلبي في المرحلة المقبلة".

وشدّدت العياري على أن "فشل العملية الانتخابية في الخارج ينمّ عن أن المسار الذي ذهب فيه رئيس الجمهورية هلامي ولا يمت للواقع التونسي بصلة، فعند إعداد القانون الانتخابي لم يأخذ محرروه بعين الاعتبار الواقع المعيشي والواقع الجغرافي للتونسيين المقيمين بالخارج، وتمكينهم عبر طرح شروط ترشح ميسرة تتماشى مع ظروف إقامتهم المختلفة عن التونسيين بالداخل".

وأشارت إلى أن "اشتراط 400 تزكية مثلاً هو شرط تعجيزي وتقريباً مستحيل التحقيق، وعلى الرغم من ذلك تم إقراره، مما سيجعل البرلمان المقبل برلماناً لبعض التونسيين وليس لكل التونسيين. وهذا معيب لمسار ما بعد 25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ إعلان سعيّد إجراءاته الاستثنائية)".

لا انتخابات فعلية في الخارج

من جانب آخر، اعتبر القيادي بحزب النهضة، النائب في البرلمان المنحل عن دائرة ألمانيا، موسى بن أحمد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن التعليق على الانتخابات في الخارج فلا يوجد انتخابات هناك أصلاً ولا مرشحون، وفي ألمانيا حيث أُقيم، ليس حاضراً في الأذهان وجود انتخابات".

وكشف "أن طرفاً من الجالية التونسية، المسييس والمتابع للوضع السياسي مقاطع للانتخابات، وأما عموم التونسيين في الخارج فلا علاقة لهم بالبرلمان العتيد".

بدوره، قال عضو "شبكة مراقبون"، المختصة في الشأن الانتخابي، سيف الدين العبيدي، لـ"العربي الجديد" إن "لا وجود لحملة انتخابية في الخارج، فمن أصل 10 دوائر بالخارج، 7 منها من دون مرشحين، والباقي ترشح فيها شخص عن كل دائرة"، مشدّداً إلى أنه "لا وجود لحملة انتخابية بتاتاً".

وأضاف: "أن شبكة مراقبون اتخذت خياراً استراتيجياً بعدم تكليف مراقبين في انتخابات الخارج، نظراً لعدم وجود انتخابات في 7 دوائر". ورأى "أن غياب المنافسة في انتخابات الخارج سببه نظام الاقتراع وتقسيم الدوائر الانتخابية التي نبّهنا لها منذ البداية".

وأوضح العبيدي أن "شروط الترشح، ومن بينها 400 تزكية غير مقبولة، فكيف تقسم دائرة أفريقيا التي تضم 660 ناخباً موزعين في جميع الدول الأفريقية، ويُطلب من المرشح جمع 400 تزكية؟ وحتى إن استطاع أحدهم جمع التزكيات، فلن يستطيع شخص آخر القيام بذلك، وبالتالي سيكون هناك فائز وحيد في أقصى الحالات".

وأضاف أن "هناك حرمانا للتونسيين في الخارج من خلال شروط الترشح، وهذا التقسيم لا يحترم عدالة التمثيل، فكيف تساوي مثلاً بين دائرة فرنساً التي تضم 125 ألف ناخب مع دائرة أفريقيا التي تضم 660 ناخباً، فضلاً عن تخصيص مقعد لكل دائرة، فهذا أمر غير منطقي وغير مقبول".