أنفاق "العمال الكردستاني" شمالي العراق: قصة شاب أيزيدي

أنفاق "العمال الكردستاني" شمالي العراق: قصة شاب أيزيدي

02 يناير 2023
مقاتلات من البشمركة في إربيل، ديسمبر الماضي (سافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

يسعى الشاب العراقي الأيزيدي مراد خدر، الهارب من صفوف حزب العمال الكردستاني، الذي يبسط نفوذه في مدينة سنجار الواقعة على بُعد 115 كيلومتراً شمال غرب محافظة نينوى، شمالي العراق، للهجرة إلى أوروبا.

ويروي خدر، المتحدر من مدينة سنجار، في حديث لـ"العربي الجديد"، كيف اقتاده حزب العمال من داخل سنجار للعمل بالسخرة في حفر أنفاق تابعة له في جبل المدينة، الذي يُعتبر أبرز معاقله حالياً في محافظة نينوى، قبل أن يجد نفسه بحكم المختطف، وفق قوله.

ويؤكد الشاب البالغ من العمر 27 عاماً أنه لم يُسمح له بمغادرة المعسكر، كما لم يُسمح لابن عمه خديدا، الذي قُتل مطلع العام 2022 بغارة تركية قرب محافظة دهوك. لكن خدر نجح بالوصول في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى مدينة الموصل قاصداً دائرة الجنسية والأحوال المدنية الرئيسة في المدينة، للحصول على جواز سفر بغية التوجه إلى إحدى الدول الأوروبية.

إجبار الشباب على الانخراط في الأعمال العسكرية

يقول خدر إنه تم اقتياده من قبل مسلحي الحزب مع خديدا، البالغ من العمر 33 عاماً، من سوق شعبي في حي النصر بعد أشهر من عودة عائلته من مخيم هرشم للنازحين في محافظة أربيل في العام 2019 إلى سنجار، وذلك بدعوى المشاركة في أعمال مختلفة لصالح السكان العائدين إلى المدينة. لكن هناك تم إجبارهما على المشاركة في حفر الأنفاق التابعة للحزب داخل جبل سنجار وفي الشريط الحدودي مع سورية من جهة الحسكة.

وتُستخدم تلك الأنفاق للاختباء وتخزين السلاح والتهريب والتنقل بين الأراضي العراقية والسورية المجاورة، ويصل طول بعضها إلى 10 كيلومترات، وتخضع لإشراف "وحدات حماية سنجار" المعروفة اختصاراً بـ"اليبشه"، وهي الذراع المحلية لحزب العمال الكردستاني.

بدأ نشاط "العمال الكردستاني" في سنجار منذ أغسطس/ آب 2014، عندما هاجم تنظيم "داعش" المدينة، ونفذ جرائم مروعة بحق السكان المحليين. وقدّم مسلحو "العمال" أنفسهم على أنهم مدافعون عن الطائفة الأيزيدية من بطش "داعش"، ما جعلهم يتخذون موطئ قدم في المنطقة، مستغلين غياب السلطات العراقية وقواتها الأمنية وانسحاب قوات البشمركة الكردية من المنطقة.

وتتبع لحزب العمال الكردستاني العديد من الفصائل الأيزيدية المسلحة، وأبرزها "وحدات حماية سنجار"، التي ينتمي المئات من مقاتليها لهيئة "الحشد الشعبي" إدارياً وشكلياً، لكن فعلياً وفكرياً يتبعون لحزب العمال. ومن الفصائل الموالية للحزب "وحدات نساء أيزيدخان"، و"وحدات حماية الشعب"، و"وحدات حماية المرأة"، المنضوية في ما يعرف بتحالف سنجار.


خدر: وجبات الطعام التي كانت تقدم للمقاتلين سيئة للغاية 

ويلفت خدر إلى أن "من كانوا معه ينقسمون لعدة فئات، إما مُغرر بهم بواسطة المال واستغلال الفقر والعوز الذي يعيشونه، أو عن طريق الإكراه"، كما حصل معه ومع خديدا.

كما يشير إلى أن هناك قسماً آخر "يبحث عن النفوذ والمال واستغلال وجوده في الحزب لتحقيق الكسب المالي عن طريق التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة وغيرها، وثمة قسم مؤمن بأفكار الحزب وشعارات إقامة دولة كردستان الكبرى، انطلاقاً من العراق".

ويؤكد خدر أنه أمضى فترة مأساوية مع مسلحي الحزب، إذ كُلّف مع مجموعة من المقاتلين بحفر نفق حدودي مع سورية ضمن محور محافظة الحسكة لضمان نقل الأسلحة والمقاتلين بعيداً عن أعين الطيران التركي والقوات العراقية التي تحاول أن تفرض سيطرتها على الحدود من جهة سنجار، وأشار إلى أن "أحد تلك الأنفاق يمتد بين وادي باري في سنجار بالقرب من منطقة خانصور باتجاه منطقة الهول في سورية والذي يبلغ طوله بحسب المعلومات حوالي 10 كيلومترات".

ويعتمد مسلحو العمال في حفر أنفاقهم على المقاتلين من الجانب السوري بشكل أكبر كونهم يمتلكون خبرة تفوق خبرة المجندين من العراقيين. كما تُنفّذ العديد من عمليات الحفر بالتعاون مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تمتلك جهات متخصصة وخبيرة في الحفر.

كما يستذكر خدر مشاهد مقتل العديد من المجندين خلال عمليات الحفر، ويُشير إلى أن مقتل "بعضهم يكون بسبب انهيار النفق، وآخرون بسبب الإعياء والأمراض"، ويشبّه نفقاً في جبل سنجار أمضى فيه بعض الليالي بأنه "مجرى لتصريف مياه الصرف الصحي"، بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث من الموقع، كما يوضح أن "وجبات الطعام التي كانت تقدم للمقاتلين سيئة للغاية".

ويُشدد على أن "الشعور بالخوف من الموت يهيمن على أغلب المقاتلين الذين يسمعون أخباراً يومية عن مقتل عدد من رفاقهم جراء الضربات التركية".

قصة الهروب

ووجدت عائلة خدر نفسها أمام خيار النزوح مجدداً من سنجار إلى مخيم مشكو في قضاء زاخو التابع لمحافظة دهوك. ويقول خدر إنه "تلقى نبأ نزوح عائلته مجدداً من أحد أصدقائه المقاتلين الذين يعرفونها، الأمر الذي شجعه على الهروب بأقرب فرصة"، ويوضح أن "هذا ما حصل خلال مهمة في محيط ناحية سنوني القريبة من سنجار"، إذ أصبح على مقربة من قوات الفرقة 20 في الجيش العراقي، وتمكن من الهروب بمساعدة أحد عناصر الجيش.

وبعد الهرب والوصول إلى عائلته، ألقت القوات الأمنية (الأسايش) القبض عليه، بسبب المعلومات عن انتمائه لحزب العمال وأودعته في موقف أمن دهوك، لكنها أطلقت سراحه بعد أيام.

ويُشدد خدر على أن "ثمانية أعوام مرت ونحن نعيش بين اضطهاد تنظيم داعش ومأساة النزوح، ثم ملاحقة وتهديد حزب العمال الذي أجبر عائلتي على النزوح مجدداً من منزلها"، ولفت إلى أنه "لا أمل للعيش في العراق والخلاص لا يكون إلا بالسفر خارجه".


سنجاري: رواية خدر محاولة منه لاختلاق قصة يحصل من خلالها على لجوء إنساني

في المقابل، لا ينفي العضو البارز في "وحدات حماية سنجار"، الجناح المسلح المحلي لحزب العمال في مدينة سنجار وضواحيها، حاتم سنجاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، حفر الأنفاق في المنطقة. ويعتبر سنجاري هذه الأنفاق "إحدى وسائل الحماية المشروعة من الاعتداءات التركية المتواصلة".

ويؤكد أن "عمليات تأمين المواقع التي تعتبرها تركيا أهدافاً لها في سنجار أو غيرها، لا تكون بالسخرة ولا الخطف، وكل ما يقال غير صحيح، بل من خلال أعضاء الحزب". كما يلفت سنجاري إلى أن "رواية خدر محاولة منه لاختلاق قصة يحصل من خلالها على لجوء إنساني أو لحمايته من المساءلة عن وجوده مع الحزب ثم قراره الانفصال عنه بمحض إرادته".

وجود شكلي للدولة العراقية في سنجار

بدوره، يلفت عضو البرلمان العراقي الذي يتحدر من قضاء سنجار محما خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا تزال أجزاء واسعة من قضاء سنجار خارج سلطة الدولة العراقية، إذ تخضع لنفوذ وهيمنة حزب العمال"، ويُشير إلى أن "هناك وجوداً شكلياً للقوات العراقية في القضاء".

كما يوضح خليل أن "العمال الكردستاني يمثل حالياً الخطر الأبرز الذي يهدد القضاء، ويمنع جهود إعماره وعودة النازحين إليه، إضافة إلى تسببه بغياب سلطة الدولة الفعلية عن تلك المنطقة التي تحولت إلى منطقة نفوذ لعصابات وفصائل من خارج العراق".

ويؤكد أن "مقاتلي حزب العمال ارتكبوا في الفترة الماضية سلسلة من الجرائم ابتداءً من القتل والخطف والاعتقال لكل من يعارض وجوده وأفكاره"، مشدداً على أن "تلك الجرائم لا تزال متواصلة إلى يومنا هذا".


خليل: حزب العمال لجأ إلى خيار الإكراه والغصب والاختطاف للشباب

ويوضح خليل أن "حزب العمال لجأ إلى خيار الإكراه والغصب والاختطاف للشبان والفتيات من أبناء القضاء بهدف تجنيدهم ضمن مقاتليه"، كما يُشير إلى أن "الحزب استغل أيضاً الوضع المعيشي السيئ لتجنيد مقاتلين من أبناء القضاء عبر الإغراء المادي".

ويؤكد أن "التنظيم المسلح والفصائل الموالية له عمدوا إلى إنشاء العديد من الأنفاق في جبل سنجار وصولاً للحدود مع سورية، فضلاً عن أنفاق في مركز القضاء"، كما يوضح أن "بعض تلك الأنفاق أصبحت سجوناً سرية للتنظيم".

ويشدد خليل على أن "الحل الوحيد لمشكلة سنجار يكمن في طرد حزب العمال وجميع الفصائل المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة، وتنفيذ بنود اتفاق سنجار الذي لا يزال حبراً على ورق ولم يطبق على أرض الواقع".

ووقّعت حكومة بغداد، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اتفاقاً مع حكومة إقليم كردستان، يقضي بحفظ الأمن في سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات إقليم كردستان شمالي العراق، وإخراج الجماعات المسلحة غير القانونية إلى خارج القضاء. وينص الاتفاق على إنهاء وجود حزب العمال في سنجار، وإلغاء أي دور للكيانات المرتبطة به في المنطقة.

كما تضمّن الاتفاق السياسي الخاص بتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في أحد بنوده تنفيذ اتفاق سنجار خلال فترة زمنية محددة.

استمرار عمليات الاختطاف في سنجار

من جهته، يؤكد الناشط السياسي في سنجار راكان رفّو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أعين الأهالي لا تزال تترقب الخطوات الفعلية لتنفيذ بنود الاتفاق وإنهاء وجود حزب العمال والفصائل المتحالفة معه"، ويشدد على "ضرورة أن تتضمن إجراءات الحكومة احتواء الشباب الذين أجبروا على الانخراط بالفصائل المسلحة إما بالقوة أو بسبب الجوع والفقر وسوء الأوضاع المعيشية".


رفّو: وجود العمال الكردستاني سيستمر ما دامت المدينة في حالة فراغ أمني

ويلفت إلى أن "وجود العمال الكردستاني سيستمر ما دامت المدينة في حالة فراغ أمني وغياب لسلطة الدولة العراقية"، كما يُبيّن أن "دخول الحزب إلى المدينة كان بعلم الدولة العراقية عام 2014 بذريعة إنشاء ممرات آمنة لإخلاء النازحين الأيزيديين منها إلى إقليم كردستان".

ويؤكد رفّو "استمرار عمليات الخطف، كاشفاً عن اختطاف نحو 10 شباب من منطقة خانصور، قرب ناحية سنوني (الشمال)، والقريبة من الحدود العراقية - السورية، خلال الأسبوعين الماضيين، بذريعة التعامل مع الجانب التركي"، كما يُشير إلى أن "مصير هؤلاء المختطفين لا يزال مجهولاً على الرغم من أن الجميع في المنطقة يعلم أن تلك التهم باطلة ولا صحة لها".

ويوضح أن "المختطفين من العائلات الضعيفة التي لا تملك ثقلاً عشائرياً عادةً ما يكون مصيرهم مجهولاً، لكن المختطفين الذين ينتمون لعائلات ذات ثقل اجتماعي وعشائري يفرج عنهم بسبب ضغوط عائلاتهم وعلاقاتهم الواسعة".