الانتحار نهاية مأساوية في مخيمات النزوح العراقية

الانتحار نهاية مأساوية في مخيمات النزوح العراقية

26 ديسمبر 2022
فشلت حكومات عراقية متعاقبة في إنهاء النزوح (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

اعترفت السلطات العراقية بزيادة حالات الانتحار في مخيمات النزوح التي ما زالت تضم الآلاف رغم مرور أكثر من 7 سنوات على تحرير مناطقهم من سيطرة تنظيم "داعش"، بالتزامن مع تنامي الفقر، وتراجع الاهتمام الحكومي.

وتسجل السلطات في إقليم كردستان العراق حالات انتحار في المخيمات، تتم بوسائل مختلفة، من بينها الشنق، وتؤكد أن غالبية من يقدمون على الانتحار من النازحين العرب، والذين يعيشون ظروفاً نفسية ومعيشية صعبة.
وتقول مصادر مطلعة من إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد"، إن "الفقر والحرمان وقلة الاهتمام، فضلاً عن الأمراض، وكذا الشعور باليأس، جميعها أسباب تدفع بعض النازحين من الجنسين إلى الانتحار، وهناك تزايد في عدد الحالات، كما أن الحكومة المركزية في بغداد على علمٍ بذلك".
والأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، تشكيل لجنة لمعالجة أسباب الانتحار داخل مخيمات النازحين، وقالت الوزيرة إيفان جابرو، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية، إنه "تم تشكيل لجنة للحد من الانتحار بعد ظهور أكثر من حالة داخل مخيمات النازحين"، مبينة أن "الوزارة ارتأت تشكيل لجنة تضم ممثلين لأغلب المؤسسات الحكومية لوضع دراسة متكاملة للحد من هذه الظاهرة".
في السياق، قال المسؤول في وزارة المهجرين العراقية، موسى حميد، إن "اليأس يدفع بعض النازحين إلى الانتحار، وتصلنا الأخبار من خلال العاملين في مخيمات النزوح بإقليم كردستان، كما أن هناك كثيرا من النازحين الذين يفكرون بالانتحار، وهذه مشكلة كبيرة يقع على عاتقنا حلها. لا يوجد حل إلا إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، لكن هناك مشاكل أمنية وخلافات عشائرية تمنع عودتهم، ونحن نعمل على حلها".

حالة انتحار واحدة على الأقل يتم تسجيلها شهرياً في مخيمات النزوح العراقية

وأضاف حميد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "السلطات نجحت خلال الفترات الماضية في إعادة معظم النازحين إلى مناطقهم، لكن هناك نحو 35 ألف نازح لا يزالون في مخيمات إقليم كردستان. أكثر من 50 مخيماً تم إغلاقها خلال الفترة الماضية، ويجري العمل حالياً على استيعاب الأزمات النفسية للنازحين، ومحاولة الحد من ظاهرة الانتحار، والتنسيق بين السلطات الأمنية لإنهاء المشاكل الأمنية والعشائرية، وتوفير الخدمات من أجل عودتهم".
وشكل رئيس الحكومة العراقية السابق، مصطفى الكاظمي، في مايو/ أيار 2020، لجنة لإنهاء ملف النازحين، وقد وعد عند تشكيلها بحل أزمة النزوح بشكل نهائي، لكنها لم تتمكن من إعادة أهالي البلدات التي تحتلها المليشيات منذ سنوات وترفض الانسحاب منها، وأبرزها جرف الصخر، ويثرب، والعويسات، والعوجة، وذراع دجلة، والثرثار، ومجمع الفوسفات، ومجمع بيجي، فضلا عن مناطق أخرى تضم عشرات القرى، وغالبيتها في محافظات نينوى وصلاح الدين، في حين لا تبدو الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، مهتمة كثيراً بالملف.

الصورة
يشعر آلاف النازحين العراقيين باليأس (كارل كورت/Getty)
يشعر آلاف النازحين العراقيين باليأس (كارل كورت/Getty)

ويؤكد المسؤول المحلي السابق في الموصل، اضحوي الصعيب، أن "تزايد الانتحار بين النازحين نتيجة حتمية في ظل غياب الاهتمام الحكومي بهذا الملف المعقد، فغالبيتهم يشعرون أنهم سيقضون حياتهم كلها في المخيمات رغم أن جميع مناطقهم عادت إلى سيطرة الحكومة، ولا يهددها خطر تنظيم داعش، وهذا اليأس يدفع الشبان الذين يشعرون بضياع مستقبلهم، وكبار السن الذين يرون كيف يتضور أحفادهم جوعاً إلى الانتحار".
وأضاف الصعيب، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "اللجان الحكومية التي أعلن عنها لحل مشكلة النزوح كثيرة، لكن أيا منها لم تصل إلى نتائج، ويمكن اعتبارها لجانا غير مرئية، إذ لا أحد يعرف شيئاً عن نشاطاتها. النازحون الذين لم يتمكنوا من العودة يعيشون في مخيمات قريبة من العاصمة بغداد، وأخرى في مدن إقليم كردستان، وهم ينتمون إلى بلدات وقرى ومناطق تسيطر عليها بعض الجهات المسلحة التي لا ترفض أن يعود النازحون إليها بحجة المخاطر الأمنية، لكن هذه الذريعة ضعيفة، والحقيقة أن هناك اتفاقات سياسية بين عدد من القوى على عدم السماح بعودتهم، والأطراف السياسية التي تطالب بعودتهم مواقفها ضعيفة أو متذبذبة، لكن استمرار الحال على ما هو عليه، يعني أننا سنسمع بالمزيد من أخبار الانتحار داخل المخيمات".

بدوره، يؤكد الناشط من محافظة صلاح الدين، محمد الجبوري، وهو عضو فريق تطوعي لإغاثة النازحين، أن "هناك حالة انتحار على الأقل يتم تسجيلها شهرياً، والظاهرة تتنامى خلال الفترة الأخيرة بين النازحين، وتحدثت السلطات في كردستان أكثر من مرة عنها، لكن الحكومة العراقية لا تستجيب".
ويوضح الجبوري لـ"العربي الجديد"، أن "سلطات إقليم كردستان لا تريد بقاء النازحين، لا سيما من تعود أصولهم إلى مدن الموصل وبابل وديالى وصلاح الدين، وترى أن عودتهم ستسهم بإعادة الأمل إليهم، لكن الفصائل المسلحة والمليشيات تحول دون ذلك، وتؤثر في القرارات والخيارات الحكومية لإنهاء الأزمة".

المساهمون