"المناطق القبلية" تفجر المفاوضات بين إسلام أباد و"طالبان" الباكستاني

"المناطق القبلية" تفجر المفاوضات بين إسلام أباد و"طالبان" الباكستانية

09 يونيو 2022
شن الجيش عملية في شمال غرب باكستان (محمد سميح أوغورلو/الأناضول)
+ الخط -

عندما توجه الوفد القبلي الباكستاني، المعروف محلياً باسم "جركه"، والمكون من 57 شخصاً من أعضاء البرلمان وزعماء قبليين وعلماء دين، إلى كابول في 2 يونيو/حزيران للتفاوض مع قادة "طالبان" الباكستانية، ارتفعت الآمال في إسلام أباد حول إمكانية تحقيق خرق. 

وكانت الآمال تزايدت بعد أن أعلنت "طالبان" باكستان، الخميس الماضي عقب اجتماع مع الوفد القبلي في كابول، وقف إطلاق نار مع الحكومة الباكستانية إلى أجل غير معلوم.

لكن كل تلك الآمال تلاشت بعد أن وضعت الحركة الباكستانية مطالبها مجدداً على طاولة الحوار وتمسكت بها، من أبرزها استقلال المناطق القبلية وخروج قوات الجيش منها، لتعود الأمور إلى نقطة الصفر.


تمسكت "طالبان" الباكستانية بشرط استقلال المناطق القبلية وخروج قوات الجيش منها

وبعد يومين من المفاوضات عاد الوفد إلى إسلام أباد من دون إحراز أي تقدم، عدا تلقي شروط "طالبان" الباكستانية والاستماع لموقف حكومة "طالبان" في كابول، الرافض لأي عمل مسلح ضد "طالبان" الباكستانية، وهو ما خيب آمال إسلام أباد، والوفد الممثل لها.

شروط "طالبان" الباكستانية تعقد المفاوضات

وقال مصدر في الحكومة الأفغانية، لـ"العربي الجديد"، إن من أبرز مطالب "طالبان" الباكستانية كان إنهاء انضمام المناطق القبلية الباكستانية إلى إقليم خيبربختونخوا، ما يعني الإبقاء على استقلال المقاطعات القبلية السبع كما كانت في السابق.

وأوضح أن الحركة ادعت أنه عند استقلال باكستان عن الهند في عام 1947، وعدت السلطات المناطق القبلية بأن يكون لها نظامها الخاص، وغير تابعة إلى أي إقليم. وأشار المصدر إلى أن "طالبان" الباكستانية طالبت أيضاً بخروج قوات الجيش الباكستاني من المناطق القبلية، وعودة مسلحي الحركة إليها مع سلاحهم وعتادهم.

تطبيق "العدل" في ملكند

كما تريد الحركة، بحسب المصدر، تطبيق نظام "العدل والشريعة" في منطقة ملكند (باجور القبلية وبعض مناطق شمال غرب باكستان). و"العدل والشريعة" عبارة عن توافق بين جميع الحركات "الجهادية"، بما فيها "طالبان" الباكستانية، في عام 2009، تحت مظلة حركة "تطبيق الشريعة الإسلامية" والتي تزعمها المولوي صوفي محمد. وينص النظام على إنشاء محاكم إسلامية في منطقة ملكند.

ومن مطالب "طالبان" الباكستانية الإفراج عن جميع مسلحيها وقادتها ورفع الحظر عنهم، وعدم قيام الجيش بأي نوع من العمليات العسكرية ضد مسلحي الحركة.

وأوضح المصدر أن ممثلين عن الجيش والاستخبارات الباكستاني، شاركوا في الحوار مع "طالبان" منذ فبراير الماضي، كانوا على استعداد للموافقة على بعض تلك النقاط، مثل الإفراج عن قيادات وعناصر "طالبان"، وإخراج بعض قوات الجيش من المنطقة، وإحلال عناصر من الشرطة مكانها.

السلطات تتمسك بإبقاء سيطرتها على المناطق القبلية

وأكد المصدر أنه كان هناك رفض لمطالب أخرى، منها سحب قرار انضمام المناطق القبلية إلى إقليم خيبربختونخوا، إذ تتمسك السلطات بأن تكون المناطق القبيلة تحت سيطرتها. كما أنها ترفض إقامة نظام "العدل".

وأشار إلى أن ممثلي "طالبان" الباكستانية في المفاوضات سلموا الوفد القبلي رسالة، تمسكوا فيها بموقفهم، خصوصاً في ما يتعلق بمستقبل المناطق القبلية، ما أدى إلى تعثر المفاوضات مع الوفد الحكومي. في المقابل، حاول الوفد الحكومي تغيير رأي الحركة، إذ أشار إلى أن هذا الأمر لا يمكن التراجع عنه، خصوصاً أن قرار انضمام المناطق القبلية إلى إقليم خيبربختونخوا، جاء نتيجة توافق بين الأحزاب السياسية ووثقته المحكمة العليا.

عملية عسكرية للجيش الباكستاني

وفي حين طلب الوفد القبلي من "طالبان" الباكستانية فترة ثلاثة أشهر حتى تدرس الحكومة شروط الحركة، فإنه يبدو، في المقابل، أن إسلام أباد، خصوصاً المؤسسة العسكرية، رفضت هذا الأمر، وإن بشكل غير مباشر. ويتعزز هذا الاعتقاد مع إعلانها، في الخامس من الشهر الحالي، شن عملية عسكرية في مناطق مختلفة في شمال غرب باكستان، بينها جاني خيل، وحسن خيل، وبنو، مشيرة إلى مقتل سبعة من المسلحين.

وذكر الجيش، في بيان وقتها، أن "سكان المناطق التي جرت فيها العمليات أشادوا بدور الجيش، وطلبوا منه مواصلة العمليات حتى القضاء على الإرهاب"، وهو ما يعني أن العمليات ستتواصل.

وأدى هذا الأمر إلى طرح تساؤلات حول مستقبل وقف إطلاق النار الذي أعلنته "طالبان" الباكستانية لأجل غير معلوم. ووضع مراقبون عمليات الجيش في إطار الرفض الضمني لمطالب "طالبان"، أو لممارسة الضغط عليها، وأن المؤسسة العسكرية يئست من موقف الحركة.

المؤسسة العسكرية لن تقبل شروط "طالبان"

وقال الصحافي في شمال غرب باكستان محمد عقيل خان، لـ"العربي الجديد"، إن المؤسسة العسكرية لا يمكن أبداً أن تقبل شروط "طالبان"، خصوصاً استقلال المناطق القبلية، والتي كان الجيش عاجزاً عن التحرك فيها بسبب قوة النظام القبلي.


محمد عقيل خان: المؤسسة العسكرية لا يمكن أبداً أن تقبل شروط "طالبان"، خصوصاً استقلال المناطق القبلية
 

وأشار إلى أن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتغيرات التي حصلت في المنطقة، فتحت الباب أمام المؤسسة العسكرية لإخضاع المناطق القبلية لسيطرتها، و"هي لن تتخلى عن هذا الإنجاز الكبير بالنسبة مهما كان الثمن".

وأوضح عقيل خان أن "طالبان" الباكستانية لا تستطيع، في المقابل، أن تتنازل عن شرط عودة النظام القبلي، لأن بقاء الجيش في المنطقة يعني "استسلامها". وأشار إلى أنها تستمد قوتها من وجود قبائل البشتون على طرفي الحدود الباكستانية والأفغانية، بالإضافة إلى تأكيد "طالبان" الأفغانية أنها لن تقوم بأي عمل مسلح ضد "طالبان" الباكستانية.

وخلال الحديث مع الوفد القبلي الباكستاني في كابول الجمعة الماضي، قال وزير الداخلية في حكومة "طالبان" المولوي سراج الدين حقاني، وهو زعيم شبكة "حقاني" المعروفة بعلاقاتها الجيدة مع إسلام أباد و"طالبان" الباكستانية (كان لها معسكرات في شمال وجنوب وزيرستان معقل "طالبان" الباكستانية) أن حكومة "طالبان" تسعى "بكل ما أوتيت من نفوذ وقوة أن تصل المفاوضات بين إسلام أباد وطالبان الباكستانية إلى بر الأمان وأن تكون مثمرة".

لكن حقاني أكد، في المقابل، أن دور حكومة "طالبان" ينحصر في الوساطة وتشجيع "طالبان" الباكستانية، لكنها لا تستطيع إرغامها على القيام بأي أمر "لأنها حرة في قراراتها". وأكد أن "طالبان" الباكستانية وقفت إلى جانب "طالبان" الأفغانية في الحرب ضد الأميركيين، وبالتالي لا يمكن لها شن عمل ضدها.

زيارة وفد هندي إلى كابول

وزاد من مخاوف إسلام أباد الزيارة التي قام بها وفد رسمي هندي، الأسبوع الماضي، إلى كابول، والاجتماع الذي عقده مع قادة حركة "طالبان" الأفغانية، التي طلبت من نيودلهي عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

واهتمت باكستان بتصريحات وزير الدفاع في حكومة "طالبان" الملا محمد يعقوب، وهو نجل مؤسس الحركة الملا محمد عمر، صاحب النفوذ القوي بين "طالبان". وأشار يعقوب، في حوار مع قناة "18" الهندية"، إلى أن أفغانستان "تتطلع إلى علاقات استراتيجية ودفاعية" مع الهند، نافياً في الوقت نفسه وجود أي نوع من العلاقات الدفاعية مع باكستان.

وقلق إسلام أباد قد يزيد من تعثر المفاوضات بين إسلام أباد و"طالبان" الباكستانية، وإصرار حكومة "طالبان" الأفغانية على عدم شن أي عمل عسكري ضد الحركة الباكستانية، بموازاة التقارب بين كابول ونيودلهي ولو بشكل بطيء. 

إلا أن هذا الوضع يضع "طالبان" الباكستانية، في المقابل، أمام خيارات صعبة، خصوصاً إذا أدى هذا الأمر إلى تصدعات داخل الحركة، جراء ضغوط إسلام أباد على حكومة "طالبان"، والتي تحتاج إلى باكستان، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث تمتلك باكستان ورقة ضغط قوية، هي اللاجئين الأفغان على أراضيها.

المساهمون