في دلالات عودة بنكيران

في دلالات عودة بنكيران

04 نوفمبر 2021
+ الخط -

عقد حزب العدالة والتنمية، المغربي، يوم السبت الماضي مؤتمرا استثنائيا، في سياق سعيه إلى حصر تداعيات الهزيمة المدوية التي مني بها في الانتخابات التشريعية التي جرت في 8 سبتمبر/ أيلول المنصرم. ولعل أبرز ما انتهت إليه أشغال المؤتمر انتخاب رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران أمينا عاما جديدا للحزب في خطوةٍ تحمل أكثر من دلالة.

تنطوي عودةُ بنكيران إلى قيادة دفّة الحزب الإسلامي على دلالاتٍ كثيرة، أبرزها تحميل الأمانة العامة السابقة مسؤولية هذه الهزيمة، وانحيازُ قطاع واسع داخل الحزب إلى خيارات بنكيران، سيما في ما يتعلق بمواجهة خصوم الحزب على اختلاف مواقعهم، حيث يرى مناصروه أن قيادته الحزب ساعدت على تصدّر المشهد الحزبي المغربي ولايتين متتاليتين، كما نجحت، نسبيا، في إدارة التناقض بين الحفاظ على شعرة معاوية في علاقة الحزب بالسلطة والدولة العميقة والقوى المحافظة داخل المجتمع، والحفاظ على ثقة قواعده التي صوّتت له في 2011 و2016، وهو ما أخفق فيه سعد الدين العثماني الذي أوصل الحزب، حسب هؤلاء، إلى الباب المسدود، وورّطه في فضيحة سياسية وأخلاقية من حجم التطبيع مع الكيان الصهيوني.

يبدو انتخاب بنكيران على رأس الأمانة العامة محاولةً لتصحيح مسار "العدالة والتنمية"، خصوصا بعدما حسم جناحُه معركةَ تاريخ المؤتمر العادي المقبل، بعد رفض اقتراح الأمانة العامة المستقيلة، القاضي بتأجيله سنة، وهو ما يتيح هامشا واسعا أمام بنكيران لإعادة رصّ صفوف الحزب وبناء هياكله وإنهاء صراع الأجنحة الذي شهده خلال السنوات الأربع الأخيرة.

من ناحيةٍ أخرى، يمكن قراءة عودة بنكيران إلى قيادة الحزب في ضوء حرص السلطة على الحفاظ على التوازن داخل الحقلين، الحزبي والسياسي. صحيحٌ أنها ظلت دائما تنظر بقلق إلى قوته المتنامية داخل المجتمع، لكنها، في الوقت ذاته، بقيت حريصةً على ألا يتعدّى نفوذه حدودا معينة تقتضيها طبيعة السلطوية المغربية واستراتيجيتها في إدارة موارد الحقل السياسي. ولذلك، تبدو هذه السلطة معنيةً، ربما أكثر من غيرها، بعودة رئيس الحكومة السابق إلى قيادة الحزب الإسلامي، في مسعى إلى الحدّ من الأزمة التنظيمية والسياسية التي يعرفها الحزب، فالسياسة لا تقبل الفراغ، وليس من مصلحتها انهياره بشكل كامل، خصوصا أمام ضعف الأحزاب الأخرى، وعدم قدرتها على التحكّم في مصادر التعبئة الاجتماعية وتوجيهها. وربما ترى هذه السلطة أن بنكيران، بخطابه الشعبوي، لا يزال ورقةً رابحةً في مواجهة أي حراك شعبي ينطلق من الشارع، وبالأخص في ظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، وبروزِ بوادر تنصّل حكومة عزيز أخنوش من الوعود التي قدّمتها أحزابها على هامش الانتخابات التشريعية أخيرا. من هنا، حرصُها على الحفاظ على شعرة معاوية مع الحزب، والدفع باتجاه إعادة هيكلته، ليس فقط بما يضمن التوازن داخل الحقل الحزبي، بل أيضا بما يُبقيه ممثلا للإسلام السياسي المعتدل الذي يقبل بقواعد اللعبة، ويتطلّع إلى الاندماج أكثر في مؤسسات الدولة وأجهزتها.

في السياق ذاته، يعي "العدالة والتنمية" جيدا أن الظرفية الإقليمية التي واكبت صعوده السياسي في 2011 انقلبت رأسا على عقب، بعد انكفاء ثورات الربيع العربي، وتراجع زخم الحراك الشعبي وفشل مشاريع التحوّل السلمي نحو الديمقراطية، ما يعني أن هناك ميزان قوى جديدا يُفترض أن تأخذه قيادتُه الجديدة بالاعتبار، ومن ذلك الجهود التي تقودها الثورة المضادّة لإغلاق قوس الربيع العربي بالكامل.

يواجه عبد الإله بنكيران تحدّيات تنظيمية وسياسية جسيمة، لا تنحصر، فقط، في إعادة بناء الحزب ومعالجة تناقضات مرجعيته الفكرية والأيديولوجية، بل تتخطّى ذلك نحو إعادة موضعته ضمن المشهد السياسي المغربي الذي من سماته البنيوية الإضعاف المتواتر للأحزاب السياسية، لكن من دون الإجهاز عليها وتفكيكها.