التسوية غير المرضية

التسوية غير المرضية

08 مارس 2020
+ الخط -
وضعت التسوية التي توصل إليها الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، حدّاً مؤقتاً للحملة التي يشنها النظام السوري على إدلب. حد مؤقت على اعتبار أن التجارب السابقة أثبتت أن موسكو، والتي تقف دائماً خلف أي تحرّكات عسكرية يقوم بها النظام وحلفاؤه، لم تلتزم بأيٍّ من الاتفاقات السابقة مع أنقرة، خصوصاً في ما يتعلق بمناطق خفض التصعيد. من المؤكد أن الأتراك يدركون هذا الأمر، ويدركون أن الاتفاق المبرم لا يحقق إلا الحد الأدنى مما أرادوا، ومن المطالب التي كانوا رفعوها في مواجهة التقدم الروسي والسوري، غير أن الاستمرار في حملة الرد على مقتل الجنود الأتراك، وتنفيذ التهديدات التي أطلقها أردوغان في ما يتعلق بدفع قوات النظام بالقوة إلى حدود مناطق خفض التصعيد، كانت ستقود بلا شك إلى صدام مع القوات الروسية، وهو ما لا تريده أنقرة لاعتبارات عديدة. 
لا تزال تركيا تعوّل على الروس كحليف الضرورة، في مواجهة أزمتها مع أوروبا والولايات المتحدة، وتلعب على هذا التحالف كورقة مساومة بوجه الغرب، وهي لا تريد خسارة هذه الورقة، خصوصاً في ظل ما تراه أنقرة تخلياً غربياً عن مساعدتها في الرد على الاعتداء الذي تعرضت له في الداخل السوري. مساومة يبدو أنها بدأت تؤتي أكلها بالنسبة إلى الأتراك، بعد الأحاديث الأخيرة، من ألمانيا والولايات المتحدة، عن إمكان الموافقة على فرض حظر جوي في الشمال السوري، خصوصاً أنه يبدو أن الولايات المتحدة والأوروبيين غير راضين عن الاتفاق الروسي التركي، ويرون أنه منح الروس هامشاً جغرافياً إضافياً في الشمال السوري، وضمن اتفاق رسمي مع تركيا. الليونة الأوروبية تلقفها أردوغان بسحب جزئي لورقة المساومة الأخرى التي يرفعها في وجه الغرب، وهي ورقة اللاجئين وفتح الحدود لهم باتجاه أوروبا، بعدما أمر خفر السواحل بمنع القوارب من التوجه إلى اليونان، وفتح باب العودة إلى تركيا للراغبين ممن تقطعت بهم السبل على الحدود الفاصلة بين تركيا واليونان.
من الواضح أن أنقرة تتفق مع الغرب في نقطة عدم الرضا عن الاتفاق مع روسيا والنتائج التي قد تتأتّى عنه، غير أنها ربما تنظر إليه باعتباره اختباراً مزدوجاً، للروس من جهة، وللأوروبيين ومعهم الولايات المتحدة من جهة ثانية. ففي ما يتعلق بالروس، تنتظر أنقرة لترى مدى الالتزام الروسي بالاتفاق المبرم، وما تم على هامشه من تفاهمات اقتصادية وعسكرية، وخصوصاً أن هناك العديد من النقاط التي لا تزال غامضة في التفاهم الذي جرى. غير أن الانتظار الأهم بالنسبة إلى تركيا سيكون ترقب إلى أي مدى سينعكس الانزعاج الأوروبي والأميركي من الاتفاق على أرض الواقع، أي دعم تركيا فعلياً في الشمال السوري، والمضي قدماً في تنفيذ منطقة الحظر الجوي، والمساندة في حال وصلت الأمور إلى حدود المواجهة مع الروس.
مثل هذه الخطوات، في حال تطبيقها من الجانب الغربي، مع بعض الالتزامات التركية، سواء في ما يتعلق باللاجئين أو "هيئة تحرير الشام" أو استيراد أسلحة من روسيا على غرار "أس 400"، ستكون مناسبة لتركيا لأن تخرق، هي هذه المرة، الاتفاق مع الروس، وهو بالتأكيد ما تأمل أن يحدث في القريب العاجل.
غير أن الانتظار التركي قد يطول، إذ إن تطبيق هذه الخطوات دونه محظورات كثيرة بالنسبة إلى المسؤولين الغربيين، وتحديداً الصدام المباشر مع الروس، وهم الذين تفادوه في أوكرانيا، واستسلموا أمام ضم موسكو شبه جزيرة القرم، رغم أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى أوروبا. هذا الأمر تدركه تركيا، لكنها ربما تراهن على تغيير في الاستراتيجية، قد تكشف عنه الخطوات الغربية المرتقبة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".