مكان محفوظ للانقسام

مكان محفوظ للانقسام

17 مارس 2024
+ الخط -

رغم حجم الويلات التي يخلفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وعلى الساحة الفلسطينية عموماً، وعلى كل المستويات، الأمنية والسياسية والاقتصادية والغذائية، إلا أنه يبقى للانقسام الفلسطيني مكان محفوظ وبارز على الخريطة السياسية. كان الأمر معروفاً، ويتم التداول به خلف الأبواب المغلقة، لكنه اليوم خرج بالتراشق عبر بياناتٍ رسميةٍ، وكأن لا شيء يحدُث على الأراضي الفلسطينية، وللقضية عموماً، ولا شيء يستدعي الاستنفار والخروج من العقليات السابقة التي حكمت السياسة الفلسطينية خلال 17 عاماً.

منذ بداية العدوان على قطاع غزّة، كان من الواضح أن السلطة الفلسطينية، ومن ورائها إلى حد ما، حركة فتح، تنأى بنفسها عن عملية "طوفان الأقصى" التي نفذت في السابع من أكتوبر. كثيرة هي التصريحات الفردية التي صدرت عن مسؤولين في السلطة الفلسطينية تحمّل "حماس"، بشكل أو آخر، مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في قطاع غزة، غير أنها لم تصل إلى حد إطلاق مواقف كهذه، وبفجاجة، في بيانٍ رسميٍّ صادر عن حركة "فتح".

اتهم بيان "فتح" الذي صدر قبل يومين "حماس" صراحةً بأنها "سببت إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزّة ووقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزّة". البيان لم يعف إسرائيل من هذه النكبة، لكنه لم يذكرها بصراحة، وأعطى ما يشبه المبرّر لما تقوم به عندما وصف عملية 7 أكتوبر بأنها "مغامرة". ولم ينس بيان "فتح" اتهام قادة "حماس" بالانفصال عن الواقع و"الحياة برخاء في فنادق السبع نجوم"، بحسب ما ورد في النص.

جاء موقف "فتح" ردّاً على بيان لحركة "حماس" هاجمت فيه قرار رئيس السلطة الفسطينية محمود عباس تعيين محمد مصطفى رئيساً للوزراء خلفاً لمحمد أشتيّة، مشيرة إلى أنه تم "من دون توافق وطني، وتعمّق الانقسام". ورغم أن ما ورد في البيان قد يكون صحيحاً، إلا أنه خارج سياق الواقع السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية عموماً. هل هذا هو الوقت المناسب الذي تبحث فيه "حماس" عن دورٍ في العملية السياسية الفلسطينية في ظل الحرب الواسعة الذي تتعرّض لها، والإجماع على إبعادها عن المشهد السياسي الفلسطيني؟ وهل الحكومة الفلسطينية المرتقبة، برأي "حماس" أو غيرها من الفصائل التي وقّعت على البيان، ستشكّل خشبة خلاص من الواقع المزري الذي تعيشه القضية الفلسطينية؟ ألم يكن من الأجدى، بدل انتقاد تعيين رئيس وزراء، الجميع يعرف أن صلاحياته لا تتخطّى صلاحية العمل البلدي، إطلاق مبادرة ما لتغيير المشهد السياسي الفلسطيني، ليس من باب توزيع المناصب، بل من زاوية تكوين جبهة سياسية موحّدة تمثل المكوّن الفلسطيني العام في مرحلة "اليوم التالي" التي يجري الحديث عنها ما بعد حرب غزّة؟ والسؤال نفسه مطروح على حركة فتح، والتي لا يزال الكثير من رموزها رافضين لمشاركة "حماس" في العمل السياسي الفلسطيني.

من المؤسف بعد كل هذه الدماء التي سفكتها إسرائيل في قطاع غزّة والضفة الغربية، وكل هذا الصلف والعنجهية اللذيْن يتحدّث بهما رئيس الوزراء الإسرائيلي عن رفض أي عملية سياسية، أن القيادات الفلسطينية لم تخرُج من التفكير الفئوي الضيق القائم، ولا تزال لديها القدرة على الحديث عن المحاصصة، وإذا كان كل ما تشهده الأراضي الفلسطينية اليوم غير قادر على إخراج هذه القيادات من هذه العقلية، والبدء في البحث بجدّية عن مبادرات وتقديم تنازلاتٍ لرأب الصدع الفلسطيني، فإن من غير الممكن التفكير بأي شيءٍ آخر يمكنه تأمين ذلك.

يبدو أنه لا فرق بين السلم والحرب في حالة الانقسام الفلسطيني، والذي يبدو أن الجميع يريدُه واقعاً مكرّساً لا مجال لتغييره.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".