عن الولادة الثانية لـ"الأصالة والمعاصرة" المغربي

عن الولادة الثانية لـ"الأصالة والمعاصرة" المغربي

13 فبراير 2020
+ الخط -
وصلت سفينة حزب الأصالة المعاصرة؛ الممثل الأول للمعارضة في البرلمان المغربي بمجلسيه (127 مقعدا)، نهاية الأسبوع الماضي، إلى محطة المؤتمر الوطني الرابع، بعد أن وضعت حرب "الإخوة ــ الأعداء" أوزارها، إثر معركةٍ طويلةٍ دامت لأشهر بين تيارين، بلغت ذروتها بنشر غسيل قيادات الصف الأول للحزب أمام الرأي العام، من خلال تبادل الاتهامات بالشطط في استخدام السلطة والفساد الانتخابي وفضح الثراء غير المشروع. 
سعت الدولة وراء تأسيس الحزب، على يد صديق الملك ومستشاره فؤاد عالي الهمة، عام 2008، من خليط هجين من الأطياف، عبّرت عنه تسميته المتناقضة "الأصالة" و"المعاصرة"، إذ ضم نخبا سياسية واقتصادية حداثية ليبرالية، وبقايا رموز اليسار الماركسي، مع شريحةٍ من محترفي الانتخابات (الأعيان)، سعت إلى هدفين أساسيين: بث الدينامية في المشهد الحزبي المغربي، حتى يساير دينامية التحولات الكبرى التي تشهدها البلاد. ووقف المد الإسلامي الذي تقوده، منذ انتخابات 2002، الآلة التنظيمية لحزب العدالة والتنمية. لذا جاءت هذه التركيبة الغربية التي جمعت بين النواقض؛ الأعيان لمنافسة الإسلاميين في المحطات الانتخابية، واليساريين قصد مواجهتهم فكريا وأيديولوجيا.
أيقنت الدولة، مع توالي المحطات الانتخابية، فشل توليفتها في ضبط هندسة المشهد السياسي على 
مقاسها. ما انعكس بجلاء على اتجاه البوصلة السياسية لحزب الجرار (الأصالة والمعاصرة)، خصوصا بعد الانتخابات التشريعية لعام 2016، فقد عجز الحزب عن إزاحة حزب المصباح (العدالة والتنمية) من صدارة المشهد السياسي في المغرب؛ على الرغم من دعم ومساندة أجنحة من السلطة له. ما دفع الأمين العام، إلياس العماري؛ رجل الظل في الحزب منذ لحظة التأسيس، إلى تقديم استقالته من قمرة قيادة "الأصالة والمعاصرة" أواسط عام 2017. دخل الحزب منذ حينها أزمة ممتدّة، بدت واضحة في اصطفاف أعضاء فريقه داخل البرلمان؛ أحيانا مع المعارضة، وأحيانا أخرى مع جزءٍ من الأغلبية، حتى بدا الأمر وكأن السلطة شرعت عمليا في مباشرة إجراءات تصفية حزبها، بعدما أيقنت أنها لم تعد قادرةً على تحمل تكلفة رعاية حزبٍ متضخم، بلا تأثير واضح في المشهد السياسي.
تفند تطورات الأحداث، طوال الأسابيع التي سبقت انعقاد المؤتمر الوطني الرابع؛ (الأحكام القضائية، اللجنة التحضرية، المصالحة..) فرضية رفع الدولة يدها عن هذا الحزب، لصالح ترجيح فرضيةٍ أخرى، تتعلق بمحاولة صياغة هوية جديدة للحزب؛ فالظاهر أن مهندسي اللعبة السياسية بصدد تدبير مجريات ولادة ثانية للحزب؛ برؤية ووظيفة جديدتين، تتيح له إمكانية لعب دورٍ آخر في الساحة السياسية، غير تقوية حزب العدالة والتنمية الذي انتعش بخطاب المظلومية من حزب الأصالة والمعاصرة أكثر من إنجازاته الحكومية.
عزز اختيار المؤتمر، المحامي والحقوقي، عبد اللطيف وهبي، أمينا عاما جديدا لحزب الأصالة والمعاصرة من صحة هذه الفرضية، فحزب الدولة (أو بعبارة أدق من يرعاه في السلطة)، بصدد إطلاق عرض سياسي جديد، بعيدا عن ثنائية لحظة التأسيس "المجتمع الديمقراطي الحداثي" و"مواجهة التيار الإسلامي". يتعضد هذا الطرح بالتصريح المثير للأمين العام الجديد عن الإسلام السياسي؛ أياما قبل المؤتمر، من دون أن تلحقه غضبة من الجهات العليا، حيث اعتبر أن "الخطاب السياسي الإسلامي جزء من المشهد المغربي، أليست إمارة المؤمنين إسلاما سياسيا، وكذا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية".
وبانتخابه يوم الأحد الماضي، يكون عبد اللطيف وهبي سادس أمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، وأول شخصيةٍ تتبنّى أطروحة جديدة تتجاوز؛ على الأقل في شقها المرتبط بالإسلام السياسي، الأطروحة الأولى التي ارتبطت بلحظة (ورهان) المؤسسين الأوائل، والتي أطّرت مسار حزب الأصالة والمعاصرة عقدا. وهذا الطرح ليس وليد اللحظة، فالرجل كان متحفظا دوما في معارك رفاقه في الحزب ضد الإسلاميين. علاوة عن أنه صاحب علاقة شخصية استثنائية مع زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران.
يتوقع أن ينجح عبد اللطيف وهبي، بحكم تاريخه النضالي والحقوقي، أن يُصلح أعطاب سفينة 
"الجرار" التي كادت تغرق بعد تغيير الدولة استراتيجيتها في اللعب، ويعيد الحياة إلى حزب كان بقاؤه مجتمعا (تيار المشروعية/ تيار المستقبل) معلقا على نجاحه في تنظيم هذا المؤتمر، الذي كان تحت شعار "كسب الرهانات". ويصنع الإثارة في مشهد سياسي رتيب بحكم اصطفاف الحزب في المعارضة، وكذا خلفية الأمين العام الحقوقية، فقد كان من بين السياسيين القلائل الذين طالبوا الملك بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتحقيق انفراج سياسي في البلد.
زيادة على ذلك، يتوقع أن ينجح وهبي في نسج "التحالف المستحيل" الذي طالما سعى القصر إلى تحقيقه، في انتخابات 2021 بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية، ما يوفر للسلطوية أوراق لعب أكثر وهامش مناورة أكبر. بهذا يسقط الرجل عمليا جزءا من مشروعية حزبه، فبدل مواجهة الإسلام السياسي، اختيار التحالف معه، وهو ما يؤكّد فرضية الولادة الثانية لحزبٍ يريد أن يكون، والتعبير هنا لعبد اللطيف وهبي، حزبا عاديا؛ يحترم جميع الأحزاب، ويسعى إلى التموقع، لكي يكون من ضمن الأوائل.
سيبقى التحدّي الأكبر أمام الأمين العام الجديد مدى قدرة المرحلة الجديدة التي سيدشنها في مسار الحزب، على بث ما يكفي من الإشارات إلى المغاربة، تؤكّد لهم تخلص الحزب من لعنة الولادة الأولى. بصيغةٍ أكثر وضوحا، هل يستطيع رفاق وهبي إبعاد صفة "حزب الدولة" عنهم، بفكّ ارتباط حزبهم بلغة التعليمات والجهات العليا في الدولة؟
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري