عن فوز أكرم أوغلو في إسطنبول

عن فوزأكرم أوغلو في إسطنبول

29 يونيو 2019

أكرم أوغلو يخطب أمام مؤيدين له في اسطنبول (27/6/2019/Getty)

+ الخط -
يبدو أن الفوز الذي حققه مرشح تحالف المعارضة التركية، أكرم إمام أوغلو، في جولة الإعادة لانتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، التي أجريت في 23 يونيو/ حزيران الحالي، جاء كي يؤكد فوزه الأول في انتخابات 31 مارس/ آذار الماضي، والتي ألغتها اللجنة العليا للانتخابات في 6 مايو/ أيار الماضي، بعد اعتراضات حزب العدالة والتنمية (الحاكم) على نتائجها. غير أن اللافت في نتائج جولة الإعادة هو الفارق الكبير في الأصوات التي نالها إمام أوغلو، فقد حصل على نسبة تفوق 54% من أصوات الإسطنبوليين، بينما حصل مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم، على 45% من أصواتهم، ما يعني أن الفارق بينهما وصل إلى تسع نقاط، أي أكثر من 750 ألف صوت، بينما في انتخابات نهاية مارس/ آذار الماضي، كان الفارق بينهما حوالي 30 ألف صوت، وبعد اعتراضات حزب العدالة والتنمية، وإعادة فرز الأصوات في عدد من الدوائر، تقلص الفارق إلى قرابة 13 ألف صوت.
يشكل هذا الفوز الكبير لمرشح المعارضة ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية، وللتحالف الذي بناه مع حزب الحركة القومية والأحزاب الصغيرة الأخرى، كونه سيعيد رسم المشهد السياسي التركي، على الرغم من أن الانتخابات محلية الطابع، ولن تؤثر في المدى القريب على مستقبل تركيا وسياساتها، لكنها ترسل إشارات واضحة إلى "العدالة والتنمية" الذي فاز قبلها في جميع الانتخابات التي خاضها منذ وصوله إلى الحكم في 2002.
وعلى الرغم من أن الحزب قد غيّر استراتيجيته في حملة انتخابات الإعادة، وركّز على 
الخدمات الاجتماعية وسوى ذلك، إلا أن الناخب الإسطنبولي لم يقتنع بها، واختار مرشح المعارضة، إمام أوغلو، بوصفه شاباً، ركّز في خطابه على الشباب التركي، وعلى حاجات أهل إسطنبول وخدماتهم، ورفع شعار "كل شيء سيكون أفضل" في حملته الانتخابية.
ولعل الأهم في الحملات الانتخابية هو تركيز تحالف المعارضة على "المظلومية" التي لحقت بمرشحها الذي اعتبرته فائزاً في الجولة الأولى، وأن الحزب الحاكم ظلمه بتشكيكه واعتراضاته على نتائج الانتخابات، ولذلك رفعت أحزاب المعارضة شعار "الحق سوف يعود إلى أصحابه"، وراحت تخاطب وجدان الناخبين الإسطنبوليين. وفي المقابل، لم يأخذ حزب العدالة والتنمية بالاعتبار متغيرات عديدة طاولت المشهد السياسي التركي، بعد انتخابات نهاية مارس/آذار الماضي، وأعادت رسمه، بل جاء قرار الإعادة كي يعطي جولة الإعادة معنىً سياسياً إضافياً، حتى باتت ترتقي إلى مصافي استفتاء شعبي على مرحلة سياسية، تزعم فيها حزب العدالة والتنمية المشهد السياسي التركي، وسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن نتائجها جاءت كي تعلن ولادة مرحلة جديدة في التاريخ السياسي التركي.
ولم يتمكّن حزب العدالة والتنمية (الحاكم) من جذب أصوات الممتنعين عن التصويت في الجولة السابقة، والذين كانوا يشكلون كتلة انتخابية مهمة، كما لم يتمكّن من جذب المتكاسلين والمتردّدين من أنصار الحزب، وكذلك لم يصوّت أنصار الأحزاب الصغيرة لصالح مرشحه. والأهم أنه على الرغم من السماح لمحامي الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، بزيارته في سجنه، والرسالة التي بعث بها الأخير إلى مناصريه، لم يصوت غالبية الإسطنبوليين من أصل كردي لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي أفضى إلى ذهاب معظم هذه الأصوات لصالح مرشح تحالف المعارضة، وتحقيقه فارقاً كبيراً في عدد الأصوات لصالحه، إذ زاد عدد المصوّتين له بأكثر 571 ألف صوت، بينما خسر بن علي يلدريم أكثر من 220 ألف صوت.
وستكون لنتائج انتخابات جولة الإعادة في إسطنبول انعكاسات على المشهد السياسي التركي، 
وخصوصا أن من يفوز في انتخابات هذه المدينة سيكون له شأن سياسي، الأمر الذي حدا ببعضهم (ومن بينهم أردوغان) إلى القول إن من يفوز برئاسة بلدية إسطنبول سيحكم تركيا، بل وراحوا يبحثون عن نقاط التشابه بين مسيرتي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والفائز الجديد بكرسي رئاسة بلدية إسطنبول أكرم إمام اوغلو، من حيث إن مسيرة الأخير تكرر مسيرة صعود أردوغان السياسية الذي فاز برئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، وتعرّض وقتها إلى مضايقات وسُجن، ووقع عليه ظلم من الحاكمين في ذلك الوقت، ثم تمكّن من الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
ومن المهم أن يتقبل قادة حزب العدالة والتنمية ومناصروه هذه الخسارة، بعد أن خسروا معظم بلديات المدن الكبرى في الجولة السابقة، وأن يقوموا بجملة من المراجعات والإصلاحات، كونها تعتبر الخسارة الأولى لهم في بلدية إسطنبول منذ 25 عاماً، وخصوصا أن عليهم تحمّل الثمن السياسي لها، وأن يقرأوا بإمعانٍ جوانب وأسباب التغير في الخريطة السياسية التركية، التي يكمن بعضها في ميدان السياسة، وبعضها الآخر في الاقتصاد والوضع المعيشي، ذلك أن قيادة حزب العدالة والتنمية تغيرت كثيراً خلال السنوات السابقة، بعد أن أبعدت قياداتٌ تاريخيةٌ عنها، خصوصاً تلك التي ساهمت في تأسيس الحزب ونجاحاته، وبروز نزعات الترهل والاطمئان إلى الإنجازات التي حققها الحزب في المراحل الأولى من وصوله إلى الحكم في تركيا. إضافة إلى ضرورة البحث عن سبل تحسين الأوضاع المعيشية التي تدهورت كثيراً، خلال السنوات القليلة الماضية، إثر التراجع الاقتصادي، وتدهور قيمة الليرة التركية، وارتفاع نسبة التضخم وزيادة نسبة البطالة، وخصوصا بين أوساط الشباب. لذلك، الأجدى بهم العمل من أجل تحديد أوجه التقصير وبذل الجهود من أجل تلافيها، وإصلاح مواضع الخلل، وأن يستخلصوا الدروس المفيدة التي حملتها نتيجة الانتخابات.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".