في حلّ البرلمان الكويتي... مجدّداً

في حلّ البرلمان الكويتي... مجدّداً

06 مارس 2024

أمام مبنى مجلس الأمة الكويتي في العاصمة الكويت (21/3/2023/فرانس برس)

+ الخط -

الكويت على موعد مع انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) في 4 إبريل/ نيسان، بعد أن حلّ الأمير، مشعل الأحمد الجابر الصباح، المجلس الذي انتخب في 6 يونيو/ حزيران الماضي، نظراً إلى ما بدر منه "من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي، وتعمّد استخدام العبارات الماسّة غير المنضبطة". وقد لا تنحصر حيثيات الحلّ في حصول تجاوزات دستورية، لم يتمكّن المجلس من البتّ فيها، بل تتعدّاها إلى التوتر المزمن في علاقته بالحكومة، التي شهدت تقديم الحكومة استقالتها عدّة مرات أو بالأحرى إقالتها، إثر استجوابات متكرّرة من النواب، إضافة إلى حل المجلس مرّات عديدة، على الرغم من أن حلّ البرلمان عموماً يُفترض أن يعدّ إجراء استثنائياً، لكنه في الكويت كان تكرّراً شبه متواتر، وبما يجعله إجراءً شبه روتيني، الأمر الذي يثير تساؤلاتٍ بشأن أوجه الخلل أو القصور في ما تسمّى اللعبة السياسية داخل البلاد، بغية وضع اليد على الأسباب الكامنة ووضع حلول لها، وهو أمرٌ لم نشهد بوادر الاضطلاع به.

الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون الأولى في عهد الأمير مشعل، ويأمل الشعب الكويتي، مثل كل مرّة، أن تحقّق توافقاً سياسياً بين الحكومة والمجلس، بما يسهم في تحقيق الاستقرارين، السياسي والاجتماعي، وإنهاء الأزمات التي عصفت بالبلاد على مدى السنوات الماضية، خصوصاً أن الكويت تتمتع بأحد أكثر الأنظمة السياسية انفتاحاً في منطقة الخليج، وكانت أول دولة فيها تتبنّى نظاماً برلمانياً دستورياً في 1962.

فور إعلان حلّ المجلس، سارعت القوى والتكتلات السياسية إلى الاستعداد للمنافسة في الانتخابات، فيما حسمت الحكومة الكويتية الجدل بشأن القانون الذي سينظم إجراء الانتخابات، وأقرّ مجلس الوزراء مرسوماً تضمّن وقف العمل بأحكام قانون المفوضية العامة للانتخابات، الصادر سنة 2023، "حتى بداية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل"، ما يعني تعليق الآلية السابقة والعودة إلى آلية إدارة الانتخابات القديمة، التي كانت تتولاها وزارة الداخلية، كما لم تتأخّر وزارة الداخلية في فتح باب الترشيح اعتباراً من 4 مارس/ آذار الجاري ولغاية الـ 13 منه، وسبق ذلك إعلانها منع الخروج بتجمّعات أو مسيرات من دون الحصول على ترخيص من الجهات المعنية، واعتبرته "خرقاً للقانون، ويعرّض للمساءلة القانونية". كما منعت نشر أي إعلاناتٍ على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تخصّ أي تجمّعات أو مسيرات غير مرخّصة. ولعل ذلك كله يعكس حساسية الأوضاع، سواء على مستوى الداخل الكويتي، وما يشهد من صراع مستمرّ على السلطة التشريعية بين الكتل والقوى السياسية المتنافسة، بوصفه صراعاً على السلطة، أم على المستوى الخارجي، حيث تعيش الكويت، مثل سائر البلدان العربية، على وقع الحرب الإسرائيلية على غزّة، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتأثر البلاد بتبعاتها، خصوصاً مع بدء قبول الترشيحات وانطلاق الحملات الانتخابية.

تتساءل نخب كويتية عمّا إذا كانت الانتخابات المقبلة ستحمل تغييراً في تركيبة مجلس الأمة، فيما تذهب تقديرات، في ضوء المعطيات الحالية، إلى إمكانية عودة الوجوه نفسها مع تغييرات طفيفة

يزيد من أهمية الانتخابات المقبلة أن رئيس الحكومة، محمد صباح السالم، اعتبر أن الكويت على مفترق طرق، وتخطّط لتنويع اقتصادها، عبر تنفيذ مشاريع تنموية مستقبلية، وبما يدفع اقتصاد البلاد إلى التحرّر من الاعتماد الكلي على النفط، وهو طموح تتشارك فيه مع جيرانها في دول الخليج، لكن التجاذبات السياسية، والبيروقراطية، والفساد، وعدم وجود خطط تحوّل اقتصادي فعّالة، تنذر بمواجهتها صعوبات كبرى في تحقيق ما تطمح إليه.

يسهم تكرار عملية حل مجلس الأمة في تعزيز الانقسام والاستقطاب السياسي، بحيث تغدو الانتخابات وسيلة لكسب الصراع على السلطة، عوضاً عن أن تقوم بدورها في إيجاد حلولٍ للأزمات والإشكاليات القائمة، إضافة إلى أن الهمّ الأساسي للقوى السياسية بات ينحصر في تقديم مرشّحين يمكنهم الفوز بأي طريقة، وبصرف النظر عن الثمن، ما يعني عدم الالتفات إلى الكفاءات القادرة على طرح برامج انتخابية لمصلحة الناخبين، إضافة إلى أن تكرار إجراء الانتخابات يزيد من أعباء الحكومة على المستويين، المعنوي والمادي، لأن العملية الانتخابية ستكلف خزانة الدولة مبالغ كبيرة، والأجدى صرفها على مشاريع التنمية وعلى سبل تحسين الوضع المعاشي للفئات الفقيرة في الكويت، خصوصاً غير محدّدي الجنسية الذين يُعرفون باسم "البدون" (ما يقارب 120 ألف نسمة).

يمكن إرجاع أسباب المراوحة المولدة للتوتّر والصدام، إلى ضعف المؤسسات الديمقراطية

تتساءل نخب كويتية عمّا إذا كانت الانتخابات المقبلة ستحمل تغييراً في تركيبة مجلس الأمة، فيما تذهب تقديرات، في ضوء المعطيات الحالية، إلى إمكانية عودة الوجوه نفسها مع تغييرات طفيفة، ما يعني بقاء حالة التوتر والصراع مع الحكومة، والعودة إلى المربّع الأول، وبما يرسّخ المعادلة القديمة نفسها التي يبدأ طرفها الأول بالانتخابات، يليها صراع وتوتّر، وينتهي طرفها الثاني بحلّ المجلس.

يمكن إرجاع أسباب المراوحة وحيثياتها وتكرار المعادلة نفسها، المولدة للتوتّر والصدام، إلى ضعف المؤسسات الديمقراطية، التي لم تتمكّن من مراكمة ممارساتها وتطويرها، كي تسهم في حل معضلة مسبّبات الأزمة، والتخلّص من المسببين لها، ذلك أن جوهر المشكلة هي الانقسامات المجتمعية في الكويت، إضافة إلى أنه، على الرغم من تمتّع الكويت بنظام برلماني، لا تزال القبائل تؤثر كثيراً على أبنائها، في ظل عدم وجود أحزابٍ رسمية، حيث لا يلزم الدستور الكويتي تشكيل أحزاب سياسية، وفي الوقت نفسه، لا يحظرها، وينصّ على حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية. وقد جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي التمهيد لإقرار قانون انتخابي جديد، يُستبدل فيه نظام الصوت الواحد بنظام القوائم النسبية، الأمر كان يبشّر بفتح الباب للسماح بتأسيس الأحزاب، لكن الانقسام يحول دون ذلك، إذ تؤيد أوساط سياسية تشكيل الأحزاب، بوصفها ضرورية للارتقاء بالممارسة السياسية، فيما ترفض أوساط أخرى تشكيلها، وتغمز من خانة الانتقاص من صلاحيات الأسرة الحاكمة ودورها.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".