عمّان والبيت الأبيض.. الفجوة تتّسع

عمّان والبيت الأبيض.. الفجوة تتّسع

13 ابريل 2019
+ الخط -
بترحيبه بفوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فوز هذا الرجل "مؤشراً جيداً للسلام". وهذا الاستخلاص سوف ينفرد به ساكن البيت الأبيض الذي يسهُل عليه قلب الوقائع، ووصف الليل الدامس بأنه نهار وضّاح، كي يكون مختلفا عن الرؤساء الأميركيين الأربعة والأربعين السابقين، وكي يترك خلفه بصْمتَه السوداء. وبموجب هذا التهليل، فلسوف تتشجع الإدارة، في غضون وقت قصير، على طرح صفقتها التي سوف تتماشى مع طروحات المؤشّر عليه، وذلك بإعلان سيادة الاحتلال على الضفة الغربية وحدودها البرية والجوية، مع توشيح هذه السيادة بأقنعةٍ اقتصاديةٍ، لتسهيل الحياة اليومية للرازحين تحت الاحتلال.
وبالنظر إلى البيئة الإقليمية، وفي ظروفٍ شبه طبيعية (ليست قائمة الآن)، كان هذا التحدّي الداهم يقتضي عقد قمة عربية طارئة، وسبق أن انعقدت قمم عربية خصيصاً لمواجهة التحدي الإسرائيلي المتعاظم. وكانت تلك القمم تساهم في كبح الانحياز الأميركي عند درجةٍ معينة. وهو ما كان يأخذه الرؤساء الأميركيون، وبقية المجتمع الدولي، في الاعتبار، على الرغم من إدراك حدود الرفض العربي. ومع ذلك كله، فإن في وسع الأردن والسلطة الفلسطينية الدعوة إلى أعلى اجتماع عربي رسمي طارئ، وهما الطرفان المتضرّران بصفة مباشرة من صفقة ترامب، وبحيث تكون مثل هذه الدعوة فرصة لإظهار مخاطر الصفقة على الجانبين، وانعكاسات ذلك على المنطقة، فمكافحة الإرهاب تتطلب الوقوف في وجه التطرّف الإسرائيلي المتعاظم، والذي يمثل، بحد ذاته، شكلاً من إرهاب الدولة القائمة على الاحتلال، علاوة على تغذية التطرّف من كل لون في المنطقة، ومحاولة تسويق الصفقة والادعاء بوجود نصف ممتلئ من الكأس، فكأس الصفقة ستكون ممتلئة بالسُّم.
بسريان الصفقة ومحاولة فرضها، يخسر الأردن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وحيث تقوم عشرة مخيمات كبيرة فيه، إضافة إلى من يقيمون خارج المخيمات. يتمتع هؤلاء، منذ أكثر من ستة عقود، بالجنسية الأردنية، لكن ذلك لا يسقط حقهم في العودة، وكونهم مواطنين أردنيين يمنح الأردن سبباً إضافياً يكمن في الدفاع عن حقوق جزءٍ من مواطنيه. وتعبث تصفية قضية فلسطين، كما يريد لها ترامب في التكوين الديمغرافي للأردن، وفي عوامل استقرار هذا البلد الذي لطالما ارتبط بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع الولايات المتحدة. وتضاف إلى لاجئي العام 1948 أعداد كبيرة من نازحي حرب العام 1967 الذين أغلق الاحتلال أمامهم أبواب العودة، ويريد لهم أن يذهبوا سياحاً غير مرغوب بهم إلى مدنهم وقراهم، إذا ما سرت الصفقة.
يتوجس المجتمع السياسي الأردني بصورة شديدة من الصفقة، وخصوصا في جانبها الذي يتعلق 
بتشبيك اقتصادي مع الدولة العبرية، ومع الولايات المتحدة. وبجانبها الذي يتصل بدعوة الأردن إلى إدارة أجزاء من الضفة الغربية، بالتعاون مع حكم إداري فلسطيني هناك، ومع استغلال حاجة الأردن لدعم اقتصادي، لممارسة أقصى شكل من الابتزاز، وبحيث تتحول الآمال القديمة والدائمة باتحاد أردني فلسطيني، إلى وصفة لتمتيع الاحتلال بحق السيطرة والسيادة، وهو ما يرفضه الأردن والأردنيون بمختلف مكوناتهم، ويتطلب أكبر دعم سياسي ممكن من دول المنطقة وشعوبها وفي العالم.
وبالنظر إلى أن الصفقة قد تمت هندستها على انفراد، في أروقة البيت الأبيض، وعلى أيدي مسؤولين أميركيين يستحقون الانضمام إلى تكتل الليكود، لتطابق مواقفهم مع أطماع الاحتلال، وبمعزل عن كل طرفٍ آخر، بمن فيهم أقرب الأطراف في العالم إلى واشنطن، فإن من
المنتظر أن تقابل الصفقة بتحفظ دولي واسع، يشمل الدول الأربع دائمة العضوية في مجلس الأمن، إذ تتعاكس الصفقة مع كل ما توافق عليه المجتمع الدولي من مرتكزاتٍ وحلول وقرارات طوال عقود الصراع، فضلاً عن اصطدام الصفقة بمواثيق الأمم المتحدة. وذلك يوفر فرصةً لنزع أية شرعية مزعومة عن الصفقة، ولدحض أية إمكانية لتطبيقها، وذلك لكونها تزيد الواقع المشوّه تشويها، وتزيد الاختلال اختلالاً، وتهيئ الفرص لشحن الوضع العام بأقصى درجات التوتر، وهو ما يفاقم من الاضطراب الذي يسود دولاً في الشرق الأوسط، ويمنح بلداً، مثل إيران، ذريعةً أيديولوجية ودعائية، لتثبيت وجودها هنا وهناك.
وعليه، ليست الصفقة قدرا لا يُرد، وهي ليست أول مشروع أميركي قابل لأن يُطوى، وليست هي فقط ما سوف يتم الإعلان عنه في الأسابيع القليلة المقبلة، فقد بدأ تنفيذها منذ نحو عام، بخصوص القدس ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ولاحقاً بخصوص الجولان. وإذ لقيت هذه الإجراءات ما تستحقه من رفض دولي واسع، فإن الجزء المتبقي من
 الصفقة قابل لأن يلقى النتيجة نفسها من رفض إسباغ أية شرعية عليه. وبما يكشف حدود هذه الصفقة، بكونها هدية أميركية للاحتلال، وللقوى الأشد تطرفاً في المجتمع الإسرائيلي، والتي ازدادت انتعاشا في ظل السياسات العمياء لترامب، وكما بيّنت ذلك نتائج الانتخابات الإسرائيلية قبل أيام، والتي منحت نتنياهو الفرصة لمواصلة حربه على السلام، بمختلف أنواع الأسلحة.
يمتلك الأردن علاقات دولية واسعة مبنية على الثقة والاحترام، تجمع بين الشرق والغرب وما بينهما. وسوف يكون له كلمة مسموعة في مناهضة الصفقة، وتبيان مخاطرها على الأردن والحقوق الفلسطينية الثابتة، وعلى فرص الاستقرار في المنطقة، ولن يتخلّى الأردن في ذلك عن علاقته بالولايات المتحدة، بل ستكون واشنطن هي التي تخلت عنه، بوضعها صفقة جوفاء وملغومة، تنطلق من مكافأة الاحتلال واسترضائه، وتُنكر على الأردن مصالحه الاستراتيجية، كما تنكر على الشعب الرازح تحت الاحتلال حقه في الحرية والكرامة والسيادة على أرضه. وسوف يمثل الموقف الصلب الأردني والفلسطيني المنتظر فرصة لمنع انزلاق المنطقة إلى مزيد من الفوضى الخطيرة، والتي تدفع الصفقة نحوها، دونما أخذ العبرة من دروس الصراع عقودا طويلة.