الروتين آفة قاتلة

الروتين آفة قاتلة

13 ابريل 2019
+ الخط -
حكاية طريفة قرأتها، حيث يكتب الكاتب، إدواردو غاليانو، إنه كان هناك ثكنة عسكرية، في وسطها مقعد يحرسه جندي طوال اليوم. استمر هذا التقليد سنوات عديدة، ولا أحد يعرف لماذا تتم حراسة هذا المقعد، إلى أن جاء أحد الجنرالات، فقام بعملية بحث وتقص ونبش في السجلات القديمة، حتى عثر على ورقة مكتوب فيها أن المقعد قد طلي بالدهان، ووضعت الحراسة عليه لكي لا يجلس أحد.
لمثل هذه الحكاية الطريفة في موروثنا الشيء الكثير، فنحن نمارس طقوسا وعادات وروتينا لا نعرف معنى لها، فهذا ما وجدنا عليه آباؤنا، فعبادة الأصنام عندما حاربها الأنبياء أجاب الناس هذا ما وجدنا عليه آباؤنا.
طبعاً الأمر لا يختلف عن الروتين في دوائرنا الحكومية، فكان الله في عون المواطن إذا كانت لديه معاملة يروم إكمالها، فلا بد من زيارة جميع غرف الدائرة بعد طول انتظار في طابور طويل غير منتظم في أغلب الأحيان. وبعد الانتهاء من هذه الدائرة، يرسلونك إلى دائرة أخرى قد لا تكون لها علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بموضوع المعاملة، وإلا ما شأن دائرة خدمية بتصريح أمني؟
وما زالت المعاملات في بعض الدوائر تصل مدة إكمال المعاملة فيها سنوات، كما في بيع الأملاك أو معاملة التقاعد. قد يكون أحد أسباب التأخير في إنجاز المعاملات يعود إلى الأنظمة البيروقراطية المملة والمتعبة للمواطن، ناهيك عن عدم توفر أبنية تصلح لأن تكون دوائر حكومية. هذا بالإضافة إلى أن عدد الموظفين في أغلب الدوائر الحكومية غير كاف، ولا يغطي حاجة هذه الدوائر، ناهيك عن تبدل التعليمات بين ليلة وضحاها بخصوص ترويج المعاملات، ما يربك المواطن والموظف على حد سواء. كل ذلك أدى إلى ظهور ما يعرف بـ "المعقب"، والذي يتكفل بإنجاز المعاملة للمواطن مقابل مبلغ يزيد أو يقل حسب نوع المعاملة وصعوبة إنجازها. وكثيراً ما وقع المواطن ضحيه نصب هؤلاء المعقبين واحتيالهم.
دوائرنا اليوم أشبه بالمقعد في الثكنة العسكرية، فلا أحد يعرف السبب المهم، فـ"هذا ما وجدنا عليه آباؤنا"، لذا هنيئاً لمن أكمل معاملته والصبر والسلوان لمن يروم إنجاز معاملة، وكان الله في عونه، والمهم ألا يجلس على المقعد.
C950ED75-9777-4102-A1EF-12E7B15D7144
C950ED75-9777-4102-A1EF-12E7B15D7144
سلام عفات عودة (العراق)
سلام عفات عودة (العراق)