ديانا كرزون في "الجزيرة"

ديانا كرزون في "الجزيرة"

24 فبراير 2019
+ الخط -
ربما كان محض سوء فهم بين المغنية ديانا كرزون ومتابعيها الذين تلقفوا إشاعة تعيينها مذيعة في قناة الجزيرة، وروّجوها حتى تبنّتها مواقع إخبارية عديدة، ما اضطرها، في النهاية، إلى نشر بيانٍ أوضحت فيه أن القضية لا تتعدى مجرد استضافة في برنامج "هذا الصباح"، على القناة نفسها، فيما طلب منها، في أثناء الاستضافة، أن تقدم فقرة إخبارية، على سبيل الدعابة ليس إلا.
ربما جرى الأمر على هذا النحو، ودُفنت الإشاعة في لحدها، بعد أن تجاوزت مرحلة المهد، وضُخّمت أزيد مما تستحقّ، غير أن الدفن الذي ذهب بجسد الإشاعة لم يذهب بروحها، والذي يحتاج إلى وقفة مراجعةٍ بشأن الأسباب الخفية التي دعت إلى تضخيمها من الأساس، وقبل ذلك ربما كان السؤال الذي ينبغي طرحه: من وقف وراء ترويج الإشاعة أساسًا: جمهور ديانا كرزون أم جمهور قناة الجزيرة الإخبارية؟ لا هؤلاء ولا أولئك؛ بل جمهورٌ ثالث يمكن وصفه بأنه مزيج بين الاثنين، جمهور متابع للطرب والسياسة، معًا، استهوته فكرة أن يستخفّه الطرب في أثناء استماعه إلى نشرات الأخبار المغرقة في رصانتها وتجهّمها.
والحال أن هذه التوليفة بين الخفّة والجهامة ليست جديدة على شاشات التلفزة، وإنْ لم تكن قد دخلت حقل النشرات الإخبارية حصرًا، بل في توابعها من نشرات الأرصاد الجوية، فهناك منها من خصّص حسناواتٍ بالمايوهات، مثلًا، لإطلاع المشاهدين على أخبار الطقس، خصوصًا إذا كان مرتفع الحرارة. وهناك قناة لبنانية لجأت إلى تقديم نشرات الأخبار باللهجة المحلّية بدل الفصحى، للتخفيف من حدّة الرصانة، كأن تقول المذيعة، مثلًا: "الحريري آل إنه من يوم وطالع رح يفرجي الخصوم العين الحمرا..".
أما عن جمهور قناة الجزيرة، فلربّما كانت دوافعه مضاعفةً إلى حدودٍ أزيد من ذلك، فهو جمهورٌ محصورٌ بين نشرة أخبار وأخرى على رأس كل ساعة، وبين هذه وتلك، تضربه الأخبار العاجلة غالبًا بشريطها الأحمر القاني. وفي كلّ شريط إما شهيد جديد في فلسطين، أو انفجار داعشيّ في العراق، أو مجزرة جديدة في سورية. وفي ساعات المساء، بعد أن يحصد الحصاد الإخباري كل رمقٍ في المشاهد، يتلقّفه إما "الاتجاه المعاكس" الذي يوصله إلى أقصى حدود الاحتقان، عندما ترتفع حدّة أصوات المتحاورين بحقن خفية من فيصل القاسم، أو في مكاشفات "بلا حدود" التي تصدمه بحقائق تقلب آراءه رأسًا على عقب، أو يأخذه تحقيقٌ استقصائيٌّ إلى كهوف تورا بورا، أو إلى مؤامرات الإمارات في اليمن، فيرتفع ضغطه، أو يلقى به بين خيوط شبكات التواطؤ السرية بين دول عربية والكيان الصهيوني... هذا المُشاهد، تحديدًا، ربما كان متواطئًا من دون أن يدري مع تضخيم إشاعة كرزون و"الجزيرة".
أغلب الظن أن مُشاهد القنوات الإخبارية العربية، مدّ الله في صبره، صار يطمح إلى تقديم نشرة أخبار "مغنّاة"، أو مقدّمة إليه على سلّم موسيقي، للتخفيف من ضراوتها، كي يقوى على تحمّل مضامينها التي تتفاقم مأساويتها، يومًا إثر يوم، خصوصًا إذا كانت نشراتٍ تتصل بواقع المنطقة الدمويّ.
السؤال المطروح: كيف يمكن لديانا كرزون أن تقدّم نبأ تقطيع جسد جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، موسيقيًّا، لتجعله أخفّ وطأة على وجدان المشاهد العربي، ولتتناظر في هذا التقديم مع المقطوعة الموسيقية الحقيقية التي تمّ تشغيلها فعلًا في أثناء التقطيع؟ هل المطلوب أن تكون وطأة الاستماع إلى الخبر العربي أقلّ حدّة؟
شخصيًّا، اطمأن قلبي، حين علمت أن نبأ تعيين كرزون في الجزيرة كان محض إشاعة، لأنني خشيت أن تُطربنا المآسي العربية، بعد أن لم تعد تستوقفنا. وأفضّل أن أظل مشدودًا إلى تقطيبة جمال ريّان، ما دامت هي ما يمثّل واقعنا الذي لا مفرّ منه حتى تتبدّل الحال، ويحلّ أوان الطرب.

دلالات

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.